نبأ نت ـ أكد الباحث والكاتب السياسي الدكتور فؤاد إبراهيم أن الاعتقالات الأخيرة في السعودية تصب ضمن خطة معدة سلفاً لإزاحة أي منافس أمام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتولي العرش، مشيراُ إلى وجود بعدين مالي وسياسي وراء حملة الاعتقالات ضد معارضيه، مشدداً على أن “الاعتقالات ستتواصل أينما وُجد أمير يهدد المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان”. ونبه إبراهيم إلى وجود أسلحة للمؤسسات الدينية في السعودية لمواجهة ولي العهد السعودي.
وقال إبراهيم، في مقابلة مع قناة “نبأ” الفضائية، إن استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي أعلنها يوم الأحد 4 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 “بالرغم من أنها جاءت متزامنة مع أوامر ملكية بالاعتقالات في السعودية إلا أنها وفَّرت الغطاء لمثل هذه القرارات من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من دون ربط بين الاستقالة والأوامر الملكية، إلا إذا كان سعد الحريري نفسه متورط في قضايا فساد محلية”.
وذكر إبراهيم إن “هذه القرارات كانت متخذة وتسير ضمن خطة معدة منذ تولي سلمان العرش منذ أجل إزالة كل العوائق والعقبات أمام محمد بن سلمان للوصول إلى العرش”. وأضاف “كانت هذه الخطوة (استقالة الحريري) متوقعة ولكن ما لم يكن متوقعاً هذه “الضربة المزودجة”: إعفاء الأمير متعب بن عبد الله من منصبه كوزير للحرس الوطني وكمرشح وازن ومحتمل للوصول، وأيضاً اعتقال في اليوم نفسه لاستقالة الحريري”.
ولفت الانتباه إلى أن “خطة تصفية مراكز القوة داخل العائلة المالكة هي من ضمن التدابير المتوقعة التي سيقوم بها محمد بن سلمان من أجل استبعاد كل منافسين له في داخل العائلة المالكة”، منبهاً إلى أن “هذه الخطة المحكمة التي نفذت بالأمس قد تعجِّل استلام محمد بن سلمان السلطة”.
وحول توقيت هذه الإجراءات، اعتبر إبراهيم أن “الغطاء لهذه الإجراءات هو أهم من التوقيت لها، تماماً مثل استغلال الأزمة مع قطر لتنفيذ قرار تنحية (ولي العهد السعودي السابق) محمد بن نايف عن السلطة وهو قرار متخذ، مردفاً بالقول “إن تغليف هذه القرار (الاعتقالات للأمراء والوزراء السابقين والحاليين) بالحملة على الفساد خفف من وطأة هذه الحملة”.
وبشأن خلفية الاعتقالات، أشار إبراهيم إلى “وجود بعدين للقضية، في البعد المالي محمد بن سلمان بحاجة إلى أن يجمع الأموال لتمرير “رؤية 2030″ المتعثرة، وبحاجة إلى حشد أكبر كمية من النقود من أجل البدء ببرنامج الاستثمار الذي يتحدث عنه. وفي البعد السياسي، فإن محمد بن سلمان يوجه الضربة لكل المنافسين المحتملين له سواء الآن أو في المستقبل”.
وبحسب إبراهيم، فإن “هذه الخطوة الفورية قد تنطوي على إشارة إلى أن تتويج محمد بن سلمان قد لا تكون بعيدة، لأنه لا يمكن التنبؤ بنتائج وردود الفعل في حال موت والده لأن لن يكون قادراً في تلك المرحلة، خصوصاً مع غياب التوافق الداخلي والإجماع العائلي وحتى السيطرة على الوضع الداخلي، أن يقوم بهذه الخطوة الخطيرة جداً”.
وربط إبراهيم بين هذه الخطوة المستعجلة من محمد بن سلمان ووجود استحقاق في منتصف عام 2018 وهو طرح شركة “أرامكو” للاكتتاب المحلي والدولي، “فمحمد بن سلمان بحاجة إلى أن يبدأ تنفيذ رؤيته الاقتصادية”. ولفت إبراهيم الانتباه إلى أن خطة تقويض مراكز القوة داخل العائلة المالكة، بالرغم من أنها تنطوي على مخاطر كبيرة جداً، هي تبعث برسائل ربما تكون خاطة وقد تكون صحيحة، فهذه العملية تؤكد أن هذه الدولة فاسدة حين تبدأ بعملية تجميد ووضع اليد على حسابات وممتلكات كبار الأمراء”.
وأكد أن “سلوك الملك سلمان وأولاده لم يكن يوماً بريئاُ من الناحية المالية، مثلاً في الرحلات الخارجية التي ينفق فيها سلمان أموالاً”. وأضاف “صحيح أن سلمان يدغدغ مشاعر الفقراء والمحتاجين والمحرومين في هذا البلد زلكنه في الواقع يخفي المخاطر الكبرى التيي تتهدد هذا البلد، لأنه يؤسس لصناعة فرعون ضخم جداً في هذا البلد محتكر لكل الفساد بحيث يصعب في يوم ما مواجهته”.
وفي ما يتعلق بتأثير اعتقال رجل الأعمال على الاقتصاد السعودي، أجاب إبراهيم بالقول “لا شك في أن هذه العملية تبعث برسالة خطيرة جداً بأنه لا يمكن الوثوق بالسوق المحلية السعودية، طالما أنه هناك فساد بهذا الحجم من الرأس إلى القاعدة فهذا يعني أن هناك مشكلة في هذا البلد وأن الفساد مستشري إلى حد لم يستثن أحداً، وبالتالي، فإن هذه الشركات الأجنبية التي تريد أن تستثمر أموالها لا يمكن أن تأتي إلى منطقة أو بلد ينخر فيه الفساد من القمة إلى القاعدة”.
وبخصوص مصير من تم اعتقالهم، تساءل إبراهيم بالقول إنه كيف يمكن بعد الإعلان مباشرة عن تشكيل لجنة دفاع عنهم يتم إيقافهم؟”، مستدركاً بالقول: “وكأن القضية هي أنهم أرادوا أن يوجدوا مبرراً لاعتقالهم فشُكِّلت هذه اللجنة”، مبيناً أن مصير المعتقلين “مجهول سياسياً معلوم مالياً لأنه سيتم مصادرة الكثير من أموالهم”. وأكد إبراهيم أن محمد بن سلمان “لديه مشكلة مع التطلعات السياسية للأمراء المعتقلين وليس مع أموالهم فقط”.
ووفقاً لإبراهيم، فإن “الاعتقالات ستتواصل أينما وُجد أمير يهدد المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان سوف يكون مستهدفاً، مثل محمد بن فهد وسلطان بن فهد وخالد وبندر بن سلطان”. وذكّر بأن هناك نصاً في النظام الأسايسي للحكم صادر في مارس / آذار 1992 ينص على أن أحفاد عبد العزيز هم الأحق بتولي هذه السلطة، ثم فجأة يكتشفون أن فرعاً في العائلة فقط وهو بيت سلمان الذي يحتكر هذا الحق، فمن الطبيعي أنهم سوف يبقون متمسكين بما يعتقدونه أنه حق لهم”.
وأشار إبراهيم إلى أن سلمان وعائلته “لا يكتفون بمجرد الإعفاء والتنحية والاعتقال، وإنما تشويه السمعة، وحينما يشوهون سمعة من يعتقلونه ويبعدونه عن السلطة، فإن هذه التهمة تتطاولهم أنفسهم لأنهم شركاء في هذه الدولة”.
وحول سبب عدم وجود ردة فعل من قادة الحرس الوطني على اعتقال رئيسه متعب بن عبد الله، أوضح إبراهيم بأن الحرس الوطني “بعد غياب عبد الله أصبح هناك فراغ قيادي داخل الحرس، فمتعب ليس شخصية قيادية، وكان عبد الله يعتمد على خالد التويجري (رئيس الديوان الملكي السابق) الذي هو معتقل أيضاً، ومؤسسة الحرس شأنها شأن مؤسسات أخرى ملتحمة في بنية الدولة، ولأن هذه الدولة ريعية، فالعاملون في هذه المؤسسة أي عناصر الحرس الوطني يريدون مرتبات ومالاً فقط، فليس هناك من ولاء حقيقي للشخص”، فـ”من يحكمهم لا يهم طالما أنه يوفر له هذا المرتب الشهري”.
ورداً على سؤال عن عدم قدرة أحد على وقف سلطة محمد بن سلمان، أجاب إبراهيم قائلاً: “نحن لا يمكن أن نتنبأ بالمستقبل لأنه هناك خسائر كبيرة جداً بالنسبة إلى أطراف عديدة”، وأوضح “محمد بن سلمان لديه مشكلة مع أكثر من طرف، لديه مشكلة مع رجال الدين، الذين خرق اتجاههم الكثير من “المحرمات” على مستوى العقيدة الوهابية الأصلية وبشأن حقوق المرأة”. وقال: “محمد بن سلمان يريد أن يعود إلى إسلام ما قبل عام 1979، لكن الأميركيين لا يريدون هذا الإسلام الذي يسعى إليه ولي العهد السعودي”، مذكراً بما قالة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في جلسة استماع للكونغرس الأميركي عن ضرورة إعادة قراءة الكتب الجديدة للوهابية في السعودية بل حتى عن سحب الكتب القديمة لهم، فالوهابية بكامل حمولتها مرفوضة من الأميركيين”.
وينبه إبراهيم إلى وجود أسلحة للمؤسسات الدينية للضغط على محمد بن سلمان، موضحاً “لا ننسى أننا أمام منظومة واسعة جداً يمكن لها أن تلعب دوراً، مثل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي لديها 10 آلاف فرع في السعودية على الأقل، وهناك 100 ألف مسجد في السعودية، وكل مسجد لديه طاقمه وأتباعه، ومتخرجين من مدارس تحفيظ القرآن التي ربت ما يقرب من 800 الف شخص، ومتخرجون من جامعات إسلامية، وهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة جداً من المجتمع، إضافة إلى جمهرة كبيرة من رجال الدين والمشايخ ممن خرجوا أعداداً كبيرة هاجرت إلى أفغانستان والشيشان وسوريا والعراق وأماكن أخرى، فهؤلاء لن يقبلوا بإنهاء سلطتهم”.
وبشأن رهان الملك سلمان ونجله محمد ووجود سلطة أكبر منما تضع الخطط للسعودية، أوضح إبراهيم أن “في خطابات محمد بن سلمان يتحدث عن رهانه على الشباب السعودي وهو الذي يشكل البيئة الحاضنة لـ”رؤية 2030″ الذين يمثلون ثلثي سكان البلد، والرهان الآخر على الدعم الأميركي المطلق في هذه المغامرات ـ الاعتقالات ذات الطبيعة الانتحارية”.
ونبه إبراهيم إلى وجود “تآكل على المستوى الشعبي لمشروعية النظام، فبالتالي إن محمد بن سلمان يراهن على الشباب السعودي “خزان المحرومين في هذا البلد”، إلا أنه يراهن على جسم كبير هو مترهل في الوقت نفسه، لا يمكن أن ينهض بما يطمح إليه محمد بن سلمان”. أما بشأن الرهان على الأميركيين، فنبه إبراهيم إلى أن ولي العهد السعودي يراهن على قوة خارجية، هي في الأساس تعاني وهي ليست القوة التي كانت عليها في الحرب الباردة وهي ليست القوة الححاسمة في العالم ، وحتى الرهان على إسرائيل غير مجدً لإنها ليست القوة التي يمكن الرهان عليها، وهي لا تحل مشكلة بحجم مشكلة الدولة السعودية”.
ورداً على سؤال عن الوقت المتبقي إلى حين رؤية محمد بن سلمان ملكاً، أجاب إبراهيم بالقول: “اعتقد أننا دخلنا في مرحلة التمهيد الناري الأخير لتولي السلطة. قناعتي أن محمد بن سلمان لن يتولى السلطة في وجود والده، لكن مع بدء هذه العملية المزودجة المالية السياسية تؤشر إلى وجود استعجال لطي المرحلة الأخيرة من عملية التهميد لتوليه السلطة. نحن دخلنا في الفصل الأخير قبل توليه إياها”.
كما نبّه إبراهيم إلى أن إغلاق المطارات في السعودية يحمل إشارة سلبية إلى وجود حركة تمرد تم القضاء عليها عبر هذه الأوامر الملكية، والإغلاق هو ضربة استباقية لأي حركة تمرد”، مشيراً إلى أن محمد بن سلمان “يريد منع الأمراء من السفر إلى خارج السعودي “كي لا يعيدوا تكتيل أنفسهم حتى لا تنشأ ظاهرة احتجاجية على طريقة الأمراء الأحرار ومنعاً لأن يوجهوا أتباعهم في السعودية من خارجها”.
إبراهيم لفت الانتباه إلى أن “العملية التي يقوم بها الملك سلمان غير طبيعية، فكأنه يعبء النواقص في شخصية ابنه. فماذا لو أن الشخص الذي يرث سلمان هو أحمد بن عبد العزيز؟ عندئذ، لن يكون سلمان مضطراً إلى كل هذه الإجراءات لأنه إذا ورث السلطة ستكون العملية طبيعية وسلسلة، انتقال طبيعي للسلطة، فلأن العملية غير طبيعية فإن سلمان يقوم بكل هذه الإجراءات”.