هافينجتون بوست: الحكم القضائي على الأمير البحريني يفتح الباب على مصراعيه أمام المحاكمات

البحرين / ديفيد هيرست – إن الغضب الذي يشعر به الطغاة في الشرق الأوسط تجاه ما قيل وكتب عنهم في لندن يمكن أن يكون بسبب حاجتهم إلى حماية صورتهم الدولية واستثماراتهم. فوسائل الإعلام البريطانية بعيدة عن متناول أيديهم، لذا فإن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها أن يعبروا عن إحباطهم هي التهديد بإلغاء العقود العسكرية المربحة.

إلا إنه من الممكن أيضًا أن يكون هناك عنصر آخر للخوف. فالتحدي الذي يواجهوانه لا يأتي من وسائل الإعلام المعارضة، ولكن من مصدر مختلف تمامًا، ألا وهو النظام القانوني البريطاني.

فأولئك الذين كانوا جزءًا من الإدارات التي تتحمل مسؤولية حدوث عمليات قتل الجماعي، أو التي اعتقلت وعذبت خصومها السياسيين، أو التي أمرت بشن الغارات الجوية التي أبادت عائلات بأكملها في غزة، لديهم سبب حقيقي للتفكير في المرة القادمة التي سيهبطون فيها في مطار هيثرو. حيث يمكن أن يواجهوا الاعتقال، ليس فقط من التحركات القانونية الخاصة ولكن من النيابة العامة نفسها.

على مدى عقود، حاولت الحكومة البريطانية الحد من خطر الاعتقال، من خلال تقديم خدمة الحصانة من الملاحقة القضائية لأعضاء الحكومات الأجنبية. وحاولت تبرير ذلك بأن هناك حاجة إلى تلك الحصانة القانونية لتسيير عجلة الدبلوماسية. فالحكومات تتبادل معلومات الاستخبارات. كما أنها تحتاج إلى التحدث مع بعضها البعض.

ولكن الصحيح أيضًا، هو أن هذه الثغرة قد تم استغلالها من قبل الحكومات لأسباب سياسية. حيث يتم استخدام درع الحصانة بسهولة حينما يراد ذلك كما يتم تجاهله في حالات أخرى. انظروا كيف اختفت فجأة الحصانة عن القذافي وأبنائه، الذين كان لديهم الكثير من الأعمال الخاصة في بريطانيا وفرنسا. كما تم إساءة استخدامها أيضًا عندما سمح بأن يعتبر أعضاء الحكومات الأجنبية أو قوات الأمن في “مهمة خاصة”، سواء كانوا في مهمة خاصة بالفعل أم لا.

ويتم حاليًا انتقاد قانون الحصانة، والتساؤل حول من ينبغي أن يستفيد من هذه الحصانة ومتى ولماذا؟ وخصوصًا عندما تصطدم الحصانة مع الالتزامات الدولية الكبرى. فالمملكة المتحدة قد وقعت إلى جانب 160 دولة أخرى على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وهو ما يعني ضرورة الاتزام بالتحقيق مع ومحاكمة الأشخاص المشتبه بارتكابهم التعذيب إذا كانوا يقعون تحت النظام القضائي للدولة الموقعة على الاتفاقية. لذا؛ فإن الحصانة تعد انتهاكًا للاتفاقية، وهو ما يجعل توفير الحصانة عرضة للطعن القانوني.

لذلك، فإن ما يحدث في المحاكم البريطانية لن يؤثر فقط على سمعة الحكومات الأجنبية، ولكنه يمكن أن يحد فعليًا من حرية الحركة لوزرائهم ومسؤوليهم. فبينما تركز اهتمام العالم هذا الأسبوع على الحدود التركية مع سوريا، حدث تطور قانوني كبير في لندن.

حيث تم رفع الحصانة عن أمير بحريني وزائر منتظم لبريطانيا، والتي ادعت النيابة العامة أنه يتمتع بها. وقضت المحكمة العليا البريطانية بأن الأمير، ناصر بن حمد آل خليفة، لم يكن لديه حصانة ضد الاعتقال والملاحقة القضائية في المملكة المتحدة بسبب التهم الموجهة إليه بتعذيب المعتقلين من قادة الحركة المؤيدة للديمقراطية.

كان الأمير ناصر هو الفارس الذي مثل البحرين في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في لندن، يشعر بعد أدائه لدورة تدريبية عسكرية في ساندهيرست، بأنه أصبح يمتلك المكان. وربما كان يفعل حقًا. ولكن نجل الملك أيضًا كان قد اتهم من قبل شخص مجهول كان قد تعرض للتعذيب في البحرين، بأنه قام بتعذيب اثنين من قادة الاحتجاج المؤيدين للديمقراطية في المنامة “بالجلد والضرب والركل” في عيادة سجن القلعة في عام 2011.

من جانبها، نفت الحكومة البحرينية “نفيًا قاطعًا” أي تورط للأمير في عمليات التعذيب، ووصف المتحدث باسم الحكومة البريطانية، حكم المحكمة بأنه محاولة مستهدفة، ذات دوافع سياسية انتهازية، وإساءة استغلال للنظام القانوني البريطاني. كما رفضت البحرين اتخاذ أية إجراءات أمام المحكمة العليا. وربما كان ذلك خطأ لن تكرره.

ولم يعد مدى صحة تلك الادعاءات ضد الأمير هي المشكلة، ففي هذه اللحظة، إذا قرر الأمير العودة إلى الأماكن التي تدخل تحت اختصاص المحاكم البريطانية، فإنه سيتم اعتقاله.

هذا الحكم لا يعني نهاية نظام الحصانة، لكنه يحد منه. فلا تزال الحكومة قادرة على توفير الحصانة لنشر الدبلوماسيين في السفارات أو لأولئك الذين يكونون في “مهمة خاصة” أو الذين يأتون للاجتماعات الرسمية.

لكنه يعني أن الأشخاص الذين يتهمون بأنهم قد ارتكبوا جرائم خطيرة بما يكفي لتقديمهم للمحاكمة تحت الولاية القضائية العالمية والذين يسافرون إلى بريطانيا، سوف يواجهون الآن خطر الاعتقال إما نتيجة لالتماس خاص مقدم إلى المحاكم أو من النيابة العامة نفسها.

وتمتد آثار هذا الحكم إلى ما وراء البحرين. فهو يقوي حالات أخرى يتم حاليًا نظرها أمام المحاكم البريطانية؛ مثل قضية تورط نحو 30 من أعضاء الحكومة المؤقتة والأمن المصري في تنظيم مذابح رابعة في القاهرة في أغسطس من العام الماضي. حيث ستعقد جلسة استماع سوف يتم خلالها التقدم بطلب للحصول على إذن لإجراء مراجعة قضائية ضد قرار النيابة العامة بأن أعضاء مجلس الوزراء المصري يمتلكون نوعًا من الحصانة. وفي مايو من هذا العام، كان هناك شك كافٍ بشأن هذه المسألة، مما أجبر وزير التجارة والصناعة المصري، منير فخري عبد النور، على إلغاء زيارة إلى المملكة المتحدة بعد أن تم بالفعل حجز فندق باسمه، وقيل إنه فعل ذلك خوفًا من أن يتم القبض عليه.

كما يشمل الحكم الجرائم الماضية بقدر ما يشمل الجرائم الماضية. حيث قتل نحو 82 معتقلًا في السجن منذ بدء حملة القمع ضد كل احتجاج سياسي في مصر في يوليو تموز الماضي. ووفقًا لتقرير صادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة، كان 37 من هؤلاء قد قتلوا خلال نقلهم في سيارة السجن. كما توفي آخرون بسبب التعذيب أو الحرمان من الحصول على العلاج الطبي. ومن الممكن أن يقدم الوزراء والمسؤولون عن هذه الجرائم أمام العدالة في بريطانيا.

وقد كتبت التقارير حول هذه الجرائم بشكل مفصل حتى يمكن استخدامها كأدلة مقبولة في المحكمة، موثقة بالتواريخ والشهود والشهادات. وقد أعطيت دفعة قوية لهذه العملية من خلال تقرير هيومن رايتس ووتش حول مجازر رابعة، والتي وجدت أدلة على أن عمليات القتل كانت متعمدة وأن السلطات المصرية كانت قد خططت للمزيد من الوفيات التي حدثت بالفعل. وبرغم رغبة حكام مصر الحاليين في إخفائها، إلا أن أيًا من هذه الأدلة لن يختفي.

كما يتم تجميع مماثل للأدلة حول الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة. وأُعطيت وزيرة العدل الإسرائيلية، تسيبي ليفني، حصانة مؤقتة في مايو من هذا العام للقاء وزراء وزارة الخارجية في المملكة المتحدة. وقد حاولت شركة محاماة بريطانية تعمل نيابة عن أحد أقارب من قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي السابق على غزة في عام 2008، استخراج مذكرة لإلقاء القبض عليها. ولكنّ المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الذين يسافرون إلى بريطانيا في كل وقت يواجهون الآن خطرًا أكبر إذا ما تم الكشف عن وجودهم.

ولا ينفصل الجدول حول كل من الأدلة والحصانة. فكلما زاد وزن الأدلة على تلك الجريمة، كلما كان من الصعب أن تجادل المحكمة بأن أحد المشاركين في هذه الجريمة يجب حمايته من المساءلة من قبل الحكومة البريطانية. ومع انسداد الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية حاليًا، فإن الولاية القضائية العالمية يمكنها أن تكون وسيلة أكثر فعالية لضمان العدالة.