حوار: سناء إبراهيم
الحديث عن بلورة لحل الأزمة الخيلجية في الوقت الحالي هو مبادرة “كوشنرية-ترامبية” وليست سعودية بتاتاً، هذا مايؤكده عضو الهيئة القيادية في حركة “خلاص” الدكتور فؤاد إبراهيم في حواره مع موقع “نبأ”، معرجاً على العلاقة التي تربط صهر ترامب جاريد كوشنر مع محمد بن سلمان، والأسباب الرئيسة للأزمة الخليجية. ويتحدث عن مآلات العدوان على اليمن ودور جو بايدن في المنطقة وأزماتها، ويوجه رسالة إلى الشعب داخل الجزيرة في ظل أسوأ حقبة حكم شهدتها البلاد.(2/2)
– برأيكم، ماذا سيكون مصير ولي العهد محمد بن سلمان وعلاقاته مع واشنطن في الأيام المقبلة؟
محمد بن سلمان سوف يبقى في مأزق لسنوات طويلة، مرد ذلك، أن الجريمة التي ارتكبها والأخطاء، ليست من نوع الأخطاء القابلة للنسيان والتجاوز. وقضية خاشقجي أصبحت في رسم الرأي العام العالمي، ولن يكون الحل بإصدار صك غفران أميركي ليتم التجاوز عن هذه القضية، ابن سلمان سيبقى في موضع شبهة، ولا يمكن تبرئة هذا الرجل الذي سيبقى متهما إن لم يستبدل، وبالتالي تبقى هناك معضلة حقيقية تلاحق ابن سلمان، ولي العهد الآن لا يمكن أن يذهب إلى الولايات المتحدة جراء القضايا المرفوعة ضده، وفي حال رفعت قضايا في أوروبا ضده فلن يكون بمقدوره زيارة أوروبا أيضا، ومايجري من كلام عن دعم صيني وروسي ليس له أساس ، لأن السعودية بنيت على أسس أميركية غربية.
-وسط الحديث عن العلاقات الأميركية السعودية لا بد أن نعرج على العدوان على اليمن، على اعتبار أن هذا العدوان أعلن من واشنطن، برأيكم كيف ستتعامل إدارة بايدن مع ملف اليمن الذي يعد نقطة سياسية حساسة؟
الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن كان لديه كلام حول وقف الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي المقدم للسعودية بسبب الحرب على اليمن، كونها حرباً خرجت عن مسارها وجرى تعريض حياة المدنيين للخطر، وهدمت البنى التحتية وجرى تدمير بلد بأكمله. وهناك ضغوطات حتى من الكونغرس من أجل وقف تسليح الرياض في هذه الحرب، ووقف الدعم عن السعودية وهذا يشكل عامل ضغط عليها، بخلاف ترامب الذي أطلق يد السعودية والإمارات وفي اليمن، وكان يوفر كل احتياجات الحرب خلال السنوات الماضية، أعتقد أن بايدن قد يمارس دورا ضاغطا على السعودية.
-هل ترون أن هناك حلاً منظوراً للعدوان على اليمن، ووقف نزيف الدم والاستنزاف البشري والاقتصادي للمملكة واليمن أيضا؟ من الخاسر من العدوان؟ ومن برأيكم سيفرض الحل؟
السعودية هي الخاسر الأكبر، والخسارة باليمن هي امتداد لخساراتها في ملفات كثيرة (مثال حملة الريتز كارلتون وقتل جمال خاشقجي وحتى الأزمة مع قطر) وجميع هذه الأزمات كان يفترض أن تكون عاملاً طارداً للاستثمار الأجنبي عن المملكة، وتهديداً لأداء الاقتصاد السعودي. لكن لا يبدو أن محمد بن سلمان يكترث كثيرا للخسائر الاقتصادية، وهو على استعداد لأن ينفق كيفما يشاء ودون حساب العواقب الاقتصادية. وابن سلمان على استعداد أن يواصل العدوان رغم تكلفته الاقتصادية، على اعتبار أنه يحسب الخسارة من منظور سياسي، يبرهن عن عائدات وتأثيرات قرار إيقاف الحرب. ولي العهد يحسب لما تبدو عليه صورة النظام السعودي بقرار وقف الحرب، وذلك على اعتبار أن السعودية “دولة محورية وتقود محورا بأكمله”، غير أن النتيجة أوضحت أن التحالف الذي تقوده لم يتمكن من تحقيق أي منجز عسكري، ولا أن يحتل صنعاء ويكسر اليمنيين، الفشل هذا يزعج ابن سلمان ويزيد من قلقه، كون فشل السعودية بالحرب على اليمن يوصل رسالة إلى جميع خصومها بأنها “المملكة دولة فاشلة عسكريا”.
-يجري الحديث عن حل للأزمة الخليجية، لماذا بعد ٣ سنوات ونصف أعلن عن المبادرة ومن الذي بادر لها؟
حل الأزمة الخليجية، جاء بمبادرة أميركية من جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره، كونه الصانع الرئيسي لهذه الأزمة التي تعود إلى أن كوشنر طلب من القطريين استثمارا في شركته العقارية المتعثرة، ودرءا لخطر الإفلاس كان يضغط للاستثمار بشركته، ولكن القطريين رفضوا لأنه لم يكن هناك جدوى من الاستثمار، ولكن، حين رفض القطريون فجر الأزمة بوجههم، وبقيت الأزمة مشتعلة طيلة السنوات الثلاث والنصف الماضية ولم يحرك ساكنا. كوشنر كان يزور المنطقة ويتحدث عن عدة ملفات كالتطبيع وغيرها، إلا أن ملف الأزمة الخليجية كان مغيباً تماما.
-ماذا عن توقيت الحديث عن حل الأزمة؟
يعود توقيت الحديث عن مبادرة الحل بين قطر والسعودية لأسباب خارج الساحة الخليجية، ويصب في الأروقة الأميركية. بقاء ملف الأزمة الخليجية مفتوحا، سوف يعرض كوشنر للمساءلة القضائية بعد تولي جو بايدن لمنصبه، وفي حال جرى فتح الملف وبحثت خلفياته سوف يظهر أن كوشنر استغل منصبه الرسمي لمصلحة شخصية. وهنا، نربط بين هذا الملف وبين طلب الرئيس الأميركي ترامب عفواً رئاسياً عنه وعن عائلته قبل الرحيل من البيت الأبيض، الأمر ظهر كأنه يريد أن يأخذ موقفاً استباقيا وتدبيراً قبل أن يتعرض للمساءلة القانونية، التي يمكن أن تطال ترامب أيضا إذا ما رفعت عنه الحصانة.
-انطلاقا من رؤيتكم، هل سنشهد إذا، حلاً للأزمة الخليجية؟
باعتقادي أن هناك ما يشبه المسارين المتعارضين بسياق مبادرة حل الأزمة، هناك التزام أخلاقي أدبي بين محمد بن سلمان وكوشنر، والأخير وقف مع ابن سلمان في كل المصائب التي ارتكبها ولي العهد، من اعتقالات الريتز وإعفاء محمد بن نايف إلى جريمة خاشقجي والتغطية على الانتهاكات، كوشنر كان يغطي كل جرائم ابن سلمان، واليوم في هذه الأزمة كوشنر سيكون الخاسر الأكبر، وهو بحاجة إلى دعم السعودية، ودخول السعودية في ملف حلحلة الأزمة ليس لأن هناك مصلحة سعودية بل إن المصلحة هي لكوشنر.
-هل هناك مصلحة للسعودية بإنهاء المقاطعة؟
السعودية ليس من صالحها إنهاء الأزمة، لأن إنهاءها يعني تسهيل مهمة بايدن في المنطقة وإغلاق أي بؤر توتر وهو ما سيكون تسهيلاً لدور بايدن، هذا الأمر يتعارض والاتفاق المبدئي بين ابن سلمان ونتنياهو الهادف لتعقيد مهمة الرئيس الجديد في المنطقة، وهم يريدون أن يكثروا نقاط العرقلة في المنطقة، كي لا يأتي إلى الاتفاق النووي وهو مرتاح ويبقى منشغلا بملفات أخرى، كما يمنعونه من التفكير بالخطة الاستراتيجية التي بدأها أوباما بتوجيه ثقل استراتيجي إلى منطقة أوراسيا، ومواجهة التحدي الصيني والتخفيف من الأعباء المالية والعسكرية. إذا، لا بصيص أمل في حل أزمات المنطقة قبل تسلم جو بايدن لمنصبه وإظهار حقيقة سياساته وتعامله مع السعودية.
-داخلياً، يبدو أن حملة ممنهجة تشنها السلطات ضد المنطقة الشرقية الآن، ما مرد هذه الحملة؟
منذ تسلم سلمان الحكم، جرى اعتماد سياسة أمنية قمعية وكأنما يراد منها التعويض عن ضعف بنيوي تعاني منه السعودية الآن، إذا لاحظنا عناصر القوة التي فقدتها الدولة، على مستوى الإجماع العالمي، والتحالف مع المستوى الديني والأداء الاقتصادي والتصدع في التحالفات الإقليمية والدولية، أصبح البطش هو العنصر الذي يراد أن يكون بديلا. والقمع بصورة متواصلة أصبح يعكس صورة الدولة المهابة والدولة القوية في هذا البلد. هناك مقطع من دعاء للإمام السجاد (ع ) “إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف” فحينما يستخدم القمع هذا لا يعكس القوة بل يخفي الضعف، ويدفع إلى استخدام القمع. آل سعود دائما ومنذ سنوات يعمدون إلى العمليات التذكيرية، بقمعهم وبطشهم واعتقالاتهم وقتلهم، ليس فقط في القطيف والأحساء بل في مناطق أخرى حيث نفذوا عمليات مماثلة.
-ماذا عن دلالة الحملة الأمنية؟
لم يشهد تاريخ السعودية حقبة سوداء مظلمة ووحشية مثل هذه الحقبة (الحقبة السلمانية)، حتى عهد فيصل الذي كان عهد بطش لم يكن بهذا المستوى. السجون اليوم مليئة بالمعتقلين، وبكلمة أو تغريدة أو تعزية أو برأي عبر تويتر، يمكن أن يودى بحياة قائلها، رغم أننا في عام 2020 وليس في الستينيات من القرن الماضي، وهذا إن دل على شيء فهو دلالة على أن القمع الذي بات عنوانا لهذه الدولة والنظام سوف يبقى كذلك، كما أن هذا يعكس أن مشروعية النظام لم تعد شعبية، إنما تعتمد على القوة.
– على مقربة من ذكرى إعدام رجل الدين العالم الشيخ نمر باقر النمر، وبعد خمس سنوات. هل تعتقدون أن النظام يتعامل مع المنطقة الشرقية وكأنه حقق الهدف من اغتيال قامة بحجم الشيخ الشهيد؟
النظام السعودي قتل الشيخ الشهيد نمر باقر النمر فتحول إلى أيقونة عالمية، أراد أن يمحي آثاره فكانت آثاره في شبابه والناس الذين تبنوا أفكاره، وأفكار الشيخ النمر لا يتبناها أهالي العوامية والمنطقة الشرقية فقط، بل اليوم نجد فكر الشيخ النمر في كل مكان. لو كان النظام السعودي يقرأ التجارب السابقة، لتوصل إلى حقيقة أن القتل والاعتقال والبطش لا يميت القضية والمطالب المشروعة، وهذه من أخطاء النظام، وهي أخطاء تتكرر دائما كما حصل مع معارضين سابقين بينهم ناصر السعيد وغيره. وللأسف أن النظام لا يتعلم ولا يريد أن يتعلم من أخطاءه، هو يعتقد أنه يرتكب الجرائم وليكن ما يكون.
– أين دور المعارضة السياسية في الداخل والخارج اليوم؟
للإنصاف أن المعارضة أدت دورا كبيرا في السنوات الماضية، ولكن، بسبب سياسات القمع والبطش غير المسبوقة والتي تدفع كثيرين في الداخل لأن ينكفئوا ويبدلوا من أساليبهم. غير أن النشاط اليوم في الخارج تضاعف عشرات المرات، بحيث أن المعارضة التي كانت محصورة بعدد قليل من الأفراد، اليوم هناك العشرات إن لم يكونوا المئات يمارسون دورهم في المعارضة وبأشكال متعددة، وهذا من سيئات النظام، الذي كأنما رمى حجرا كبيرا في هذا الماء فأخرج كثيرين من الداخل وأصبحوا جزءا من الرصيد الاحتجاجي في الخارج. المعارضون في الخارج هم رسل الداخل من كل الأطياف والمكونات والفئات سنة وشيعة وقبائل رجالا ونساءً ومن مختلف المناطق، وهذا يعني أن رقعة السخط الشعبي توسعت وأصبحت على كامل التراب في المملكة وكامل الجزيرة العربية.
-ما هي رسالتكم للمجتمع؟
نحن لا نشترط على مجتمعنا أن يُقدم على حراك غير مضمون وغير مأمون في ظل نظام بطشي وحشي لا يراعي الحد الأدنى من حقوق الإنسان، وقد يعرض الناس للقتل لأدنى وأتفه الأـسباب. لا نضغط باتجاه دفع المجتمع للقيام بأي تحرك ما لم يكن هناك إحساس عام شعبي واسع وضمان بأن هذا التحرك سيكون مأمونا ولا يعرض الناس للخطر، خاصة وأننا نؤكد على أن الحراك يجب أن يكون سلميا ولا يشوبه العنف. وبالتأكيد أن التغيير في نهاية المطاف هو داخلي، ويجب أن يكون شعبيا مبنيا على إحساس واسع من كل فئات الشعب وطوائفه.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.