السعودية / نبأ – كتب بيتر والدمان في وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية الأمريكية تقريراً شاملاً بعنوان "خطة المملكة العربية السعودية لإطالة عصر النفط"، تحدث فيه عن سوق النفط في العالم، وإدعاءات المملكة بأن سياستها قائمة على مبدأ "السماح للسوق بإدارة السوق"، على انها لا تتدخل في أسواق النفط، مشيرة إلى أنّ الموقف السعودي الجديد اعتبر حربًا على النفط الصخري.
وتحدث التقرير إلى أنّ ثمّة قلق سعودي أعمق، هو: ضعف الطلب على المدى الطويل، بالإضافة إلى القلق من تغير المناخ وارتفاع أسعار النفط الخام، الذين يزيدان من كفاءة استخدام الطاقة.
إلى التقرير:
في الخريف الماضي، ومع تحطم أسعار النفط، أصبح علي النعيمي، وهو وزير البترول السعودي وقيصر الطاقة الفعلي في العالم، صامتًا. وكان النعيمي لا يزال يظهر في مؤتمرات الصناعة، كما هي عادته؛ إلا أنه، ومنذ منتصف سبتمبر حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وفي حين انخفضت أسعار الخام القياسي 21 في المئة لتصل إلى أقل مستوى لها في أربع سنوات، لم ينطق بكلمة واحدة في الأماكن العامة.
ولمدة 20 عامًا، راقب سوق النفط في العالم، وقيمته 2 تريليون دولار، تحليلات النعيمي كمؤشرات لاتجاه العرض والأسعار، وفقًا لتقرير الأسواق المنشور في بلومبرغ في مايو من عام 2015. ولمرتين، خلال الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998 ومرة أخرى عندما هبط الاقتصاد العالمي بعدها بعشر سنوات، عكس النعيمي هبوط النفط السريع من خلال اتخاذ تدابير تخفيض الإنتاج بين أعضاء أوبك. ولكنه لم يفعل ذلك هذه المرة.
وفي اجتماع أوبك نصف السنوي يوم 27 نوفمبر في فيينا، أحبط النعيمي تخفيضات الإنتاج المقترحة بدعم من أغلبية 12 عضوًا في المنظمة لصالح استراتيجية أكثر جرأة، هي: الحفاظ على الضخ والانتظار حتى يجبر انخفاض الأسعار المنتجين مرتفعي التكلفة على الخروج من السوق. وقد انخفضت أسعار النفط 10 في المئة أخرى بحلول نهاية اليوم التالي، وواصلت الانخفاض. وبعد أن بلغ متوسط هذه الأسعار 110 دولارات للبرميل من عام 2011 حتى منتصف عام 2014، انخفض خام برنت، وهو المعيار العالمي، إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل في يناير/كانون الثاني.
وقال دانيال يرغين، وهو المؤرخ البارز لصناعة النفط في بلومبرغ في فبراير/شباط: “ما فعلوه كان تاريخيًا. لقد قالوا: نحن نستقيل. نحن لن نكون مدراء السوق بعد الآن. لنسمح للسوق بإدارة السوق“. وأضاف: “هذا النوع من رد الفعل يؤدي إلى الصدمة التي تأخذ الأسعار إلى مثل هذه المستويات التي رأيناها“.
وقد هيمن النعيمي (79 عامًا) على النقاش في اجتماع نوفمبر، وفقًا لمسؤولين اطلعوا على المشاورات المغلقة. وقال النعيمي لنظرائه في أوبك إنه ينبغي عليهم الحفاظ على معدلات الإنتاج لحماية حصص السوق من الإمدادات المتزايدة من النفط الصخري القادم من الولايات المتحدة، والتي تكلف أكثر لإخراجها من الأرض؛ وبالتالي، تصبح أقل قابلية للنجاة مع انخفاض الأسعار. وفي ديسمبر/كانون الأول، قال النعيمي الكثير من الشيء نفسه في مقابلة صحفية، وجادل بأن منطق المنتجين منخفضي التكلفة، مثل المملكة العربية السعودية، بضخ ما هو أقل لتحقيق التوازن في السوق، كان “منطقًا ملتويًا”.
ومع ذلك، كان العرض هو نصف حساب التفاضل والتكامل فقط. وعلى الرغم من أن الموقف السعودي الجديد اعتبر حربًا على النفط الصخري؛ إلا أن تحرك النعيمي للحفاظ على انخفاض الأسعار كان مدفوعًا بقلق سعودي أعمق، هو: ضعف الطلب على المدى الطويل.
وقد خشي النعيمي، والقادة السعوديون الآخرون، لسنوات، من أن تغير المناخ وارتفاع أسعار النفط الخام سوف يزيدان من كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع مصادر الطاقة المتجددة، وتسريع التحول إلى أنواع بديلة من الوقود مثل الغاز الطبيعي، وخاصةً في الأسواق الناشئة التي تعتمد على الطاقة في النمو. وهم يرون كيف أن الطلب على هذه السلعة، وهو ما خلق الثروة الهائلة للمملكة، قد يكون شارف على الوصول إلى ذروته. وهذا ليس شيئًا يستطيع وزير البترول السعودي مناقشته في العمق في الأماكن العامة؛ نظرًا للقلق العالمي حول انبعاثات الكربون، والجهود المبذولة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. ولكن النعيمي يعي هذا الاتجاه. وإذا ما كان النمو في استهلاك النفط سوف يقل في وقت قريب جدًا؛ فإن هذا قد يشكل عملية انتقال موجعة للمملكة العربية السعودية، التي تحصل على ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي من خلال صادرات النفط.
وقال النعيمي الأسبوع الماضي في خطاب ألقاه في الرياض، إن السعودية تقف “بحزم وبقوة” مع الآخرين الذين يعارضون أي محاولة لتهميش استهلاك النفط. وأضاف: “هناك أولئك الذين يحاولون التوصل إلى اتفاقات دولية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، وهو ما من شأنه أن يلحق الضرر بمصالح منتجي النفط على المدى الطويل“.
وتظهر برقيات وزارة الخارجية الأمريكية الصادرة عن ويكيليكس أن اهتمام السعوديين بإطالة اعتماد العالم على النفط يعود على الأقل لعقد من الزمن. وفي المحادثات مع الزملاء والدبلوماسيين الأمريكيين، رد النعيمي على الإصرار الأمريكي على “أمن الإمدادات” من خلال التأكيد على ضرورة “أمن الطلب” بالنسبة للسعودية، وفقًا لبرقية من عام 2006. وقد كتب جيمس سميث، وهو سفير الولايات المتحدة في الرياض، في مذكرة عام 2010 إلى وزير الطاقة الأمريكي، ستيفن تشو: “إن المسؤولين السعوديين قلقون جدًا من أن معاهدة تغير المناخ ستقلل بشكل كبير من دخلهم“.
وللتأكيد، لم يفكر السعوديون كثيرًا بذروة إنتاج النفط، وهي النظرية القائلة بأن إمدادات الخام العالمية، وبعد أن سارت في مسار تصاعدي لمدة قرن ونصف، كانت على وشك التوقف عن الارتفاع ولن تعود قادرة على مواكبة الطلب. وفي عام 2005، عندما كتب محلل النفط، ماثيو سيمونز، أن الانخفاض في الإنتاج السعودي من شأنه أن يشكل مؤشرًا على أن الإمدادات العالمية كانت في بداية تراجع لا عودة فيه، قلل النعيمي من قيمة هذه التكهنات، ووعد بالوصول إلى إنتاج أعلى، وقد فاز بالفعل في رهانه؛ حيث يضخ السعوديون اليوم ما هو أكثر مما أنتجوا قبل عقد من الزمن، وتتباهى حقول النفط السعودية التابعة للدولة بأنها مزيج من الفن والتكنولوجيا، واثنان منها على الأقل، وفي وسط الصحراء، يحتويا على مطاعم راقية. وقد ارتفع الإنتاج الأمريكي ارتفاعًا مذهلًا أيضًا، ليصل إلى أكثر من 9 ملايين برميل يوميًا في نهاية عام 2014، بعد أن كان أقل من 6 ملايين يوميًا قبل خمس سنوات؛ وبالتالي، فإن الذروة التي تثير قلق السعوديين أكثر هي ذروة الطلب، وليست ذروة الإنتاج.
ووفقًا لمحمد الصبان، وهو مستشار اقتصادي كبير لوزير البترول السعودي من عام 1988 إلى عام 2013، كان المسؤولون السعوديون، وقبل هيجان أسعار النفط العام الماضي، يستعدون لاستقرار الطلب العالمي في عام 2025. ومن خلال السماح بانخفاض الأسعار، قد يكونون اشتروا لأنفسهم بعض الوقت الإضافي. وعند مستوى 60 إلى 70 دولارًا للبرميل، يكون السعوديون قد دفعوا ذروة الطلب خمس سنوات أخرى على الأقل إلى الوراء، وفقًا لباحثي بنك أوف أميركا ميريل لينش.
وقد دخل المسؤولون السعوديون في حالة من الذعر تقريبًا الصيف الماضي، عندما أدركوا مدى سرعة توقف نمو الطلب في الصين، وهو ما حدث جزئيًا بسبب استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام، وفقًا لما قاله إد مورس، وهو مدير مجموعة أبحاث السلع.
وكان الطلب الصيني على الديزل، وبعد ارتفاعه بمعدل 8 في المئة سنويًا لمدة عشر سنوات، قد سقط فعلًا في عامي 2013 و2014. وتربط وكالة الطاقة الدولية هذا جزئيًا بالتوسع السريع في أسطول البلاد من السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي. ومن المتوقع هذا العام أن يرتفع الطلب الصيني على النفط إلى 10.6 ملايين برميل يوميًا، بزيادة قدرها 2.6 في المئة، أو نصف متوسط النمو السنوي خلال العقد الماضي، وسدس معدل النمو في عام 2004. ولا يزال استخدام النفط في الصين يرتفع أسرع بمرتين من الاستهلاك العالمي، ولكن وكالة الطاقة الدولية حذفت خلال العام الماضي نصف مليون برميل من توقعاتها للطلب في الصين لعام 2019. وقد خفضت السيارات والمصانع الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من حاجة الاقتصاد الصيني للنفط بنسبة 18 في المئة منذ عام 2008 إلى عام 2014. وقال مورس: “لو كنت في موقع النعيمي، لفعلت ما يفعله الآن بالضبط“.
ويواجه النعيمي، الذي قام بإخبار الأصدقاء على مدى السنوات الخمس الماضية بأنه مستعد للتقاعد، مخاطر كبيرة خلال سعيه لإحداث أحد التغييرات الأكثر درامية في السوق؛ حيث إن رفضه لوضع المملكة العربية السعودية وأوبك مرة أخرى في دور المنتج المتأرجح، وخفض الإمدادات لتحقيق التوازن في السوق، يضر بالدول الأعضاء المتعثرة اقتصاديًا، والمحتاجة إلى انتعاش الأسعار.
وفي فنزويلا، حيث يترنح الاقتصاد وتنضب احتياطيات النقد الأجنبي، يشكل انهيار أسعار النفط ضربةً كبيرة لميزانية الحكومة ويؤدي إلى تعميق الأزمة. وأما إيران، والتي تحتاج إلى أسعار عالية للمساعدة في تعويض تأثير العقوبات التي تخنق صادراتها، فقد وجهت انتقادات قاسية للسياسة التي تقودها السعودية.
وحتى المملكة العربية السعودية، ورغم امتلاكها لأكثر من 700 مليار دولار في الاحتياطيات، قد تعاني من ضائقة مالية إذا ما بقيت أسعار النفط منخفضة لعدة سنوات. واعتادت المملكة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، على أن تنفق ببذخ على البرامج المحلية والمساعدات الخارجية. وعندما صعد الملك سلمان إلى العرش في يناير/كانون الثاني بعد وفاة الملك عبد الله، وعد في أول خطاب له بتحسين التعليم وتوسيع نطاق الرعاية الصحية. وقد أصاب العجز ميزانية السعودية لعام 2014، على الرغم من أسعار النفط كانت قوية لمعظم أيام السنة. وتتوقع الحكومة فجوة في الميزانية لعام 2015 بمقدار 145 مليار ريال (39 مليار دولار)، وستكون هذه الفجوة أوسع إذا لم تنتعش أسعار النفط.
ورغم ذلك، قال النعيمي عدة مرات منذ اجتماع نوفمبر إنه لا يعرف إلى أي حد سوف تنخفض الأسعار أو متى ستتعافى، وإن السعوديين على استعداد كي ينتظروا ويروا. وتعد مخاوف النعيمي بالنسبة للمملكة العربية السعودية مخاوف مستقبلية بعيدة أكثر منها آنية.
وقال وزير البترول في ندوة 2013 في واشنطن: “إن هدفنا النهائي هو تنويع اقتصادنا بعيدًا عن الاعتماد المفرط على عائدات النفط“. وفي محور هذا الجهد كان إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر، شمال مدينة جدة. وروى النعيمي، الذي كان الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية قبل أن يصبح وزير البترول، كيف تساءل العاهل السعودي في جلسة لمجلس الوزراء في عام 2006 عما إذا كان بإمكانه بناء جامعة. وأوضح النعيمي أنه قال للملك حينها: “يا صاحب الجلالة، لقد بنينا، يعني أرامكو السعودية بنت، الكثير من مصافي النفط، ومحطات الغاز، وخطوط الأنابيب، وبعض المساكن. ولكن الجامعات؟ لا. ولكن يمكننا فعل ذلك، إذا كنت تريد“. وأضاف الوزير: “ولقد فعلنا ذلك“.
ومن المقرر أن تقود هذه المدرسة، كما يوضح النعيمي، المملكة العربية السعودية إلى عصر ما بعد النفط والغاز. والحرم الجامعي، المبني لـ 220 أستاذًا وألفين من طلاب الدراسات العليا، هو معقل للتسامح والحرية الدينية في بلاد كثيرًا ما انتقدت لعدم توفر أي تسامح وحرية دينية فيها.
ويقوم الحراس المسلحون في البر والبحر بحماية هذه المنشأة، التي تدرس وتعمل فيها النساء غير المحجبات جنبًا إلى جنب مع الرجال، دون عائق من قبل الشرطة الدينية التي تجوب شوارع المدن السعودية. وتهدف أبحاث المؤسسة إلى الوصول لاكتشافات علمية وتجارية باستخدام تلك الأشياء التي تتوفر بكثرة في المملكة العربية السعودية، مثل الشمس، والرمال، والمياه المالحة. وعندما يتحدث عن التقاعد، يقول النعيمي إنه يخطط لتكريس المزيد من وقته لهذه المؤسسة.
وفي حين تعد هذه الجامعة مفتاح الجهود لتنويع الاقتصاد في المملكة العربية السعودية؛ إلا أن هناك مبادرات أخرى على المدى الأقرب؛ حيث تستغل المملكة بالفعل الرواسب الضخمة من الفوسفات لتصدير الأسمدة، وتقوم بتعدين البوكسيت لصهر ولف الألمنيوم. ويقول النعيمي إن السعودية تريد في نهاية المطاف تصنيع السلع مثل قطع غيار السيارات. وأضاف: “إننا نقوم بتوليد فرص العمل لشبابنا، وتشجيع المشاريع، وتوفير البيئة المناسبة للابتكار والتقدم. هذه ليست مهمة سهلة، ولن تحدث بين عشية وضحاها. ولكنها تحدث“.
وقد تعتمد الإجابة عن السؤال حول الوقت الذي تمتلكه المملكة العربية السعودية للتحضير لانخفاض عصر النفط في نهاية المطاف في جزء منها على كيفية تطور البدائل خلال هذه الفترة من النفط الرخيص. وقال آدم سيمنسكي، وهو رئيس إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في منتدى واشنطن في أواخر يناير/كانون الثاني، إن انخفاض أسعار النفط الخام لن يبطئ تطور طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ لأن هناك القليل من المنافسة المباشرة مع النفط في توليد الكهرباء. وأضاف أن السيارات الكهربائية تلقت المساعدة من قبل الحوافز الضريبية والسياسات الحكومية، ومن قبل الطلب على التكنولوجيا الخضراء.
وقال بيل ماكيبن، وهو مؤلف وناشط بيئي ساعد في قيادة الحملة لمنع إنشاء خط أنابيب كيستون XL، الذي كان من شأنه جلب النفط من رمال القطران الكندية إلى سوق الولايات المتحدة: “يحاول السعوديون ربما إطالة عمر النفط مرة أخرى“. وأضاف: “ولكن يبدو أن السقوط الثابت والكبير في تكاليف الطاقة المتجددة قد يجعل الأمر مختلفًا هذه المرة“.
ولم يقل النعيمي، الذي يدير تعليقاته العلنية بعناية، إلى أي مدى يعتقد بأن العالم قد يكون قريبًا من ذروة الطلب على النفط. ولم يستجب الوزير لطلبات لإجراء مقابلة معه حول هذه القضية. ولكنه أشار بوضوح إلى أنه، ومن أجل فهم سوق النفط الخام، أصبح لابد من النظر في الآثار التي تنتجها مصادر الطاقة البديلة. وقال النعيمي في مقابلة نشرت في ديسمبر/كانون الأول: “على المرء أن يكون واقعيًا. هناك أشياء كثيرة في سوق الطاقة ستحدد الأسعار في المستقبل. وهناك الكثير من الجهد المبذول في جميع أنحاء العالم، سواء في مجال البحوث أو زيادة الكفاءة أو في استخدام المصادر غير العضوية“.
وقد عاش علي بن إبراهيم النعيمي تاريخ النفط في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفعل الكثير لصياغة هذا التاريخ. وبعد أن ولد في عام 1935 في المناطق الغنية بالنفط من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، أمضى النعيمي طفولته المبكرة كبدوي في الصحراء، وعندما أصبح في الثامنة من عمره، أرسلته أمه البدوية ليعيش مع والده في عاصمة المقاطعة، الدمام. وهناك، داوم الفتى في مدرسة تديرها شركة النفط العربية الأمريكية، المعروفة باسم أرامكو.
وفي الثانية عشرة من عمره، أصبح النعيمي صبي البريد في شركة أرامكو، آخذًا مكان أخيه بعد وفاته المفاجئة، ولمع نجمه بسرعة ككاتب على الطابعة. وذات يوم في مكاتب شركة أرامكو، أوقف الرئيس التنفيذي الأمريكي النعيمي المراهق في الردهة، وسأله عما يريد القيام به في حياته، فقال النعيمي: “حسنًا يا سيدي.. أريد أن أحصل يومًا ما على وظيفتك“؛ فأجابه المدير الأمريكي: “إذا كان هذا هو الحال، فستحتاج إلى التعليم“.
وأرسلت شركة أرامكو النعيمي إلى المدرسة في بيروت، ومن ثم إلى ليهاي في بنسلفانيا، وجامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا؛ حيث حصل على درجة الماجستير في الجيولوجيا. وبعد عودته إلى المملكة العربية السعودية، صعد النعيمي من خلال سلسلة من المواقع في شركة أرامكو، وبلغ ذروته عندما عين في العام 1984 كأول رئيس سعودي في الشركة، وبعد أربع سنوات، أصبح الرئيس التنفيذي لأرامكو. وفي ذلك الوقت، كان استهلاك الولايات المتحدة وأوروبا في تراجع. وردًا على ذلك، خفض وزير البترول، أحمد زكي يماني، إنتاج النفط السعودي من 10 ملايين برميل يوميًا في عام 1981، إلى 3.5 ملايين فقط في عام 1986. وفي عام 1986، طرد الملك فهد اليماني، وأغرق السعوديون العالم بالنفط الرخيص لاستعادة حصتهم في السوق، ولحثّ الأمريكيين على استئناف عاداتهم باستهلاك الكثير من النفط.
وقد رأى رئيس أرامكو الجديد عن قرب حينها ما حدث عندما خفض السعوديون الإنتاج من دون أن يفعل غيرهم ذلك. وهذا هو الدرس الذي يستشهد به النعيمي اليوم، قائلًا: “لن نرتكب الخطأ نفسه مرة أخرى“.
وعند ترقيته إلى وزير للبترول في عام 1995، حصل النعيمي على بداية صعبة في منصبه. ومع ارتفاع الطلب في الصين، أقنع الوزير الجديد أوبك بزيادة الإنتاج في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1997، في نفس الوقت الذي كانت الأزمة المالية الآسيوية تتعمق فيه. وخلال العامين التاليين، انخفضت أسعار النفط 50 في المئة.
وأخطأ النعيمي أيضًا في الإمساك بتحول السعودية لشركات الطاقة الغربية للمساعدة في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في المملكة. وبحلول عام 1998، كان ولي العهد آنذاك، الأمير عبد الله، يحاول إغراء الشركات الأجنبية بالعودة للاستفادة من الغاز السعودي في المشاريع الصناعية، مثل توليد الكهرباء، وتحلية المياه، والصناعات البتروكيماوية. ولكن، النعيمي أبقى أفضل حقول الغاز لشركة أرامكو، في حين قدم لشركة اكسون موبيل وعشرات من الشركات الأخرى، الحقول التي شكك بعض الجيولوجيين السعوديين بأنها تحتوي على الكثير من الغاز التجاري، وفقًا لسداد الحسيني، الذي قاد عمليات الاستكشاف والإنتاج في أرامكو بين عامي 1985 و2003.
ولكن مع مرور الوقت، حصل النعيمي على سمعة كرجل صريح ومدير داهية في السوق العالمية. وعلى الرغم من تحذيرات السعوديين للرئيس جورج بوش بعدم غزو العراق في عام 2003، أبقى النعيمي على الأسواق مستقرة من خلال التعهد بضخ المزيد من النفط خلال الحرب. وفي عام 2008، وبينما ارتفعت الأسعار إلى 147 دولارًا للبرميل، قاوم النعيمي الضغوط الأمريكية المكثفة لزيادة الإنتاج مرة أخرى. ومن خلال الحكم بدهاء بأن ظروف السوق كانت مختلفة جدًا عما كانت عليه قبل خمس سنوات، قال النعيمي في عدة اجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين إن العرض كان كافيًا، وإن المضاربين الماليين هم من كانوا يسهمون في ارتفاع الأسعار.
وخلال الانتفاضة الليبية في مايو 2011، توجه مسؤولون أمريكيون إلى المملكة العربية السعودية لطلب مساعدة النعيمي في تعويض الإنتاج الليبي المفقود. وطلب النعيمي من أوبك توسيع سقف إنتاجها في اجتماع المنظمة في حزيران، ولكن الوزراء خرجوا من اجتماع فيينا دون التوصل لاتفاق؛ حيث اعترض الأعضاء بقيادة إيران على الموافقة على رفع الإنتاج؛ لأنه لم يكن لديهم قدرة كبيرة على زيادة إنتاجهم بالمقارنة مع قدرات الدول الأغنى، مثل المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات العربية المتحدة.
وبعد إجراء بعض الدبلوماسية الحثيثة، رفعت أوبك من إنتاجها في اجتماعها التالي. وارتفعت أسعار النفط في وقت مبكر من الربيع العربي، وانخفضت بعد ذلك خلال ما تبقى من عام 2011. وقال دانيال بونيمان، وهو نائب وزير الطاقة الأمريكي من عام 2009 إلى عام 2014، عن النعيمي: “إنه رجل قليل الكلام، ولكنه لا يضيع أي من كلماته“.
وكان النعيمي قد أجّل تقاعده بعد أن طلب منه الملك عبد الله البقاء. وبعد وفاة عبد الله يوم 23 يناير، أبقى الملك سلمان على النعيمي في منصبه كوزير للبترول للإشارة إلى الاتساق في السياسة السعودية خلال الفترة الانتقالية. ومع ذلك، من المرجح أن يصبح لدى النعيمي قريبًا المزيد من الوقت لتكريسه لجامعته وللتحول الصناعي والتكنولوجي الذي يتصوره لبلاده. وكمسؤول تنفيذي في أرامكو، ومن ثم كدبلوماسي في سوق النفط العالمي، أظهر النعيمي موهبة كبيرة في سد الفجوة بين الغربيين والزعماء التقليديين في المملكة، وأشرف على الصناعة السعودية التي هي محرك العلم والتقدم.
وفي عام 2010، اصطحب النعيمي تشو لزيارة الملك عبد الله في قصره في واحة روضة خريم. وقد كان العاهل المسن في مزاج فلسفي حينها، وانتهز الفرصة لطرح بعض الأسئلة على الحائز على جائزة نوبل للفيزياء، وفقًا لما يقوله سميث، الذي كان هناك خلال الزيارة أيضًا.
وسأل الملك تشو، وفقًا لسرد سميث: “قل لي، كيف تشكل الكون؟“. فرد تشو شارحًا للملك نظرية الانفجار الكبير. وهنا، قال الملك: “ما الذي يعنيه هذا بالله عليك؟“، فأجاب تشو بالطريقة الدبلوماسية المناسبة، قائلًا: “هناك بعض الأشياء التي نعرفها، وبالنسبة للأشياء الأخرى، فلدينا الله“.
وعاد الملك ليسأل تشو: “قل لي، كيف حصلنا على كل هذا النفط؟“. وبينما كان تشو يشرح للملك كيف تتحلل الكائنات الحية على مدى ملايين السنين، همس النعيمي في أذن سميث، قائلًا: “لقد قلت له هذا مئة مرة“.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.