“لقاء” المعارضة يعد ورقة تحليلية .. التحولات السياسية بعد عودة ترامب إلى السلطة

نبأ – أعدّ المكتب السياسي في “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية ورقة تحليلية، حملت عنوان، “التحولات السياسية بعد عودة ترامب إلى السلطة”.

وأشار فيها إلى أن عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة حدث يحمل أبعادًا سياسية واقتصادية واستراتيجية متعددة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، ولكن على الساحة الدولية كذلك، خاصة في “الشرق الأوسط”. ترامب، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، يأتي محملاً بتوجهات سياسية قد تشعل المزيد من التوترات العالمية، سواء فيما يتعلق بإيران ومحور المقاومة، أو في سياق العلاقات مع “السعودية” وكيان الاحتلال الإسرائيلي.

وتسلط هذه الورقة التحليلية الضوء على الأسئلة والتداعيات التي تطرحها عودة ترامب إلى البيت الأبيض، مع تحليل تفصيلي للأبعاد المختلفة، بدءًا من موقف الدولة العميقة الأميركية وصولًا إلى تداعيات هذه العودة على القضية الفلسطينية، ودور “السعودية” في المنطقة.

وجاء فيها ما يلي:

الرؤى العامة

  1. 1. أمريكا عدو الأمّة الأول

لا يغيب عن بالنا أن أمريكا رأس الأعداء، لأمتنا عامة، ولقوى محور المقاومة بشكل خاص، وأيا كان على رأس السلطة في أمريكا، فهي وهو أعداء. وعليه، فإن من الضروري دائمًا التزام سياسة الحذر من أي خطوة تقوم بها أمريكا في المنطقة، وأي عرض تتقدم به، وأي تسوية تريد التوسط بشأنها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فأمريكا ليست وسيطًا، ولن تكون. بل هي التي تشن اليوم الحروب في المنطقة عبر أداتها الصهيونية، وليس العكس كما يعتقد البعض.

  1. 2. السياسة الأمريكية الثابتة تجاه فلسطين

من خلال القراءة التاريخية لمسار وسياسات الرؤساء الأمريكيين، يمكن التوصل إلى نتيجة ـ فيما يخص قضية فلسطين بالذات ـ أن هناك منهجًا واحدًا لا يتغير بتغير الظروف، ولا يتأثر بموقف الزعماء. هذا المنهج عنوانه الكبير: دعم “إسرائيل” بالمطلق. قد يكون أحد الرؤساء أكثر حماسة لدعم الصهاينة، لكن الفارق بينه وبين الآخرين ليس كثيرًا.

وعليه، سواء كان ترامب في السلطة، أو كلينتون، أو بوش، أو أوباما، أو غيرهم، لن تتغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه الكيان المؤقت، إلا في حالة واحدة: حينما يصبح عبئًا كبيرًا على أمريكا والغرب عامة، أو حين تستنفذ أمريكا كل قوتها ولا تستطيع منع سقوط الكيان. والسؤال هنا: ماذا سيفعل ترامب؟ وهل سيسير على نفس النهج “البايدني” أم لا؟

عودة ترامب لن تغير من هذه الحقائق شيئًا ذا قيمة. ومن يعزف على أوتار أن وصول أي رئيس أمريكي بإمكانه تغيير الكون وإرساء الاستقرار في “الشرق الأوسط” وحل المشكلة الفلسطينية هو واهم.

  1. 3. صراع وجود لا حدود

علينا أن نعرف أن الصراع مع الصهاينة هو صراع وجود وليس صراع حدود. هذه مقولة تخلى عنها العرب، لكن الصهاينة يؤمنون بها ويعملون عليها. لا توجد أي إمكانية في المدى البعيد، وليس المنظور فقط، أن يتم حل القضية الفلسطينية بدون حروب طاحنة (إلغائية/ نحن أو هم/ فلسطين كاملة أو “إسرائيل”). وعليه لا أفق في المدى القريب أو البعيد لحل الدولتين، لأنها بنظر الصهاينة تلغي وجودهم بحيث يتآكلون داخل شرنقة الحدود الضيقة.

  1. 4. “إسرائيل”: أداة الغرب لزعزعة استقرار المنطقة

فكرة أو جملة درج الحكام العرب على تكرارها حين يطالبون بـ “السلام العادل والدائم” ويقصدون بذلك إيجاد دولة فلسطينية حتى ولو على 30% من الضفة الغربية فقط. والواقع أنه لا أفق لسلام عادل، فالعدل هو (كل فلسطين من النهر إلى البحر). أما بنظر الصهاينة الاستيطانيين، فإن الحدود المثالية هي “من النيل إلى الفرات”، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فهم يريدون دولة صهيونية يهودية تشمل الضفة الغربية (يهودا والسامرة). وعليه، فإن إيجاد دولة “إسرائيل” من قبل الغرب وأمريكا يهدف إلى توتير المنطقة وإرهاقها بالحروب، ودفعها لأحضان أمريكا، وتركيعها ومنع تنميتها.

 

المحور الأول: الدولة العميقة والسياسة الداخلية الأمريكية

ترامب والدولة العميقة: صراع الإرادات

وصول ترامب إلى السلطة مجددًا يُعيد فتح النقاش حول مدى قدرته على التعامل مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وهذا ما يثير أسئلة عدة:

  • هل سيكون ترامب أكثر حذرًا في تصريحاته وسياساته؟
  • هل سيتبنى أسلوبًا جديدًا لضمان بقاء تأثيره؟

قد يجد ترامب نفسه مجددًا في صدام مباشر مع المؤسسات التقليدية التي تحكم السياسة الأمريكية وراء الكواليس، كما حدث خلال ولايته الأولى عندما حاول الانسحاب من سوريا، لكنه واجه معارضة شديدة.

ترامب والتوازن الاقتصادي الداخلي

أحد الأسئلة الكبرى المطروحة هو تأثير سياسات ترامب على الاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل تعهده بـ “أمريكا أولًا”. كيف ستنعكس هذه السياسات على المنافسة مع الصين؟ وهل ستُترجم رؤيته إلى تحسن اقتصادي داخلي أم إلى تصعيد في الأزمات التجارية والعسكرية الدولية؟

 

المحور الثاني: السياسة الخارجية في ظل عودة ترامب

التوترات مع الصين وروسيا

تُمثّل الصين التحدي الأكبر لترامب، الذي توعد بمضاعفة الضرائب على بضائعها والتحرك عسكريًا لحماية تايوان. وسيستمر تحشيد التحالفات الأمريكية في المحيط الهادي، مع توسيع دور اليابان، كوريا الجنوبية، والفلبين. بينما قد يسعى ترامب لعقد صفقة مع روسيا بشأن الحرب الأوكرانية، إلا أن العلاقات الروسية المتينة مع إيران والصين قد تُعرقل أي تقارب استراتيجي حقيقي.

 

إيران ومحور المقاومة: الضغوط القصوى

تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها قوة جريئة، اختبرت وحدها القوة الأمريكية سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، ما شجع روسيا والصين منذ سنوات على تحدي الإرادة الأمريكية بشكل متدرج ومتصاعد، الأمر الذي أدى إلى ضعف نفوذ أمريكا في “الشرق الأوسط” بصورة متسارعة، وهذا واضح جدًا، والأمريكيون مستاؤون من ثلاث قضايا رئيسية:

  1. صعود الجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية مستقلة.
  2. تهديد محور المقاومة لـ “إسرائيل”، الأداة الغربية في المنطقة.
  3. وقوف إيران خندقًا أماميًا للصين، ما يجعل استنزاف أمريكا في الشرق الأوسط يعوق تركيزها على مواجهة الصين.

وضمن هذا المسار تثار أسئلة عدة: هل سيواصل ترامب سياساته العدائية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويعمد إلى خنقها أكثر، وهل يستطيع ذلك أصلًا؟ أم يحاول التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن اتفاقية نووية جديدة؟ وهل ستقبل الجمهورية الإسلامية بذلك؟ ما هي الحدود التي يمكن الوصول إليها في الصدام بين الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة مع ترامب؟

 

عودة ترامب تعني استئناف سياسة “الضغوط القصوى” على إيران، عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ومحاولة تحجيم نفوذها الإقليمي. وستسعى الولايات المتحدة بقيادة ترامب لتفكيك “وحدة الساحات” التي تُعد من أهم إنجازات محور المقاومة في مواجهة كيان الاحتلال، مع الضغط على أذرع المحور في العراق وسوريا ولبنان. إلا أن وصول ترامب إلى السلطة يأتي في ظل تصعيد كبير من جانب بايدن والديمقراطيين، ولا يُتوقع أن يضيف ترامب مزيدًا من الحطب إلى هذا اللهيب، حيث إن الواقع الميداني في جنوب لبنان وغزة بات يشير إلى أن الميدان هو من يحسم المعركة، وليس الدعم السياسي الأمريكي لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

 

القضية الفلسطينية تحت إدارة ترامب

الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية بقي ثابتًا عبر الإدارات المتعاقبة، وترامب لا يُعد استثناءً. أما “حل الدولتين” سيظل مجرد شعار، فيما ستعمل الإدارة “الترامبية” على تعزيز الاحتلال الإسرائيلي ودعم ضم الضفة الغربية. كما أن تصريحات ترامب السابقة بشأن احتياج كيان الاحتلال إلى “أراضٍ إضافية” تعكس رؤيته المتطرفة التي قد تُترجم إلى سياسات جديدة تُعزز التوسع الاستيطاني.

 

المحور الثالث: العلاقات “السعودية” الأمريكية في عهد ترامب

“السعودية” وشراكة الضرورة مع ترامب

يثير هذا المسار أسئلة أبرزها: هل سيكون محمد بن سلمان “حلوبًا” كما كان في فترة رئاسة ترامب السابقة؟ هل سيتغير نهج التطبيع السعودي ويتم استكمال صفقة القرن التي جاء بها ترامب؟ وهل لا يزال السعوديون يراهنون على نفس الآمال السابقة التي وضعوها على ترامب في فترة رئاسته الأولى (مواجهة “الحوثي”، شن الحرب على إيران، اغتيال قادة المقاومة، إنهاء المقاومة في لبنان وفلسطين..)؟

ترى “السعودية” في ترامب حليفًا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة بعد اغتياله للشهيدين سليماني والمهندس. وتعتقد أنه الأقدر على منع إحياء الاتفاق النووي الإيراني. ورغم العلاقات المتوترة سابقًا بين ترامب و”السعودية” في بداية ولايته الأولى، إلا أن الطرفين وجدا أرضية مشتركة لاحقًا، خاصة في مواجهة إيران وحركة أنصار الله في اليمن.

وتضع الرياض التطبيع مع كيان الاحتلال في إطار استراتيجي أكبر يشمل ضمانات أمريكية تتعلق بالتكنولوجيا النووية والأسلحة، وتسعى إلى تقديم التطبيع كجزء من إيقاف العدوان الإسرائيلي، لتقول إنها طبّعت من أجل إنقاذ الفلسطينيين. هذا النهج قد يتماشى مع إدارة ترامب المقبلة لتوفير مخرج سياسي لكيان الاحتلال بعد فشله العسكري. مع أن طوفان الأقصى قوّض فكرة التطبيع المجاني، واضطرت “السعودية” إلى رفع سقف شروطها، مثل إقامة دولة فلسطينية، وهو شرط يبدو مستحيلًا في المدى المنظور. لقد وضع طوفان الأقصى “السعودية” في موقف حساس، حيث اضطرت إلى رفع سقف مطالبها قبل التطبيع مع كيان الاحتلال، ومن المتوقع أن تُنسق “السعودية” مع إدارة ترامب لتعزيز مشروع التطبيع، ولكن هذه المرة في سياق “السلام العادل”، الذي قد يُسوّق كوسيلة لإنهاء العدوان الإسرائيلي.

 

المحور الرابع: تداعيات عودة ترامب على المنطقة

قد تُصعّد عودة ترامب التوترات الإقليمية، حيث ستستمر محاولاته لزيادة الضغط الاقتصادي والعسكري على إيران، مع استهداف أذرعها في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان. رغم أن ترامب أعلن سابقًا رغبته في تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، إلا أن هذا الأمر لن يكون سهلاً، خاصة مع الضغط السعودي والإسرائيلي لضمان استمرار الدعم العسكري الأمريكي في الخليج.

 

الخلاصة

يعود ترامب إلى البيت الأبيض محملاً بملفات معقدة، منها العلاقات مع الصين وروسيا، القضية الفلسطينية، ومحور المقاومة. ورغم أنه قد يحمل تغييرات على مستوى الأسلوب، إلا أن الثوابت الأمريكية في الشرق الأوسط لن تتغير كثيرًا.

سيبقى محور المقاومة تحديًا رئيسيًا لأمريكا، بعد الصين، ولن تسمح الدولة العميقة لن لترامب بالانسحاب العسكري من سوريا أو الخليج، بسبب الرفض الإسرائيلي والسعودي لذلك. ومن المرجح ألا يشهد الملف النووي الإيراني أي تقدم، لعدم ثقة إيران بإدارة ترامب التي مزقت الاتفاق سابقًا.

التحدي الأكبر لمحور المقاومة سيكون الحفاظ على مكتسباته الميدانية وتعزيز وحدة الساحات، في مواجهة محاولات التفكيك التي ستتصاعد تحت إدارة ترامب. “السعودية”، بدورها، ستستغل عودته لتوطيد موقعها في مواجهة إيران، مع السعي لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.

من المتوقع أن نشهد تصعيدًا أمريكيًا تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة، مع تركيز على تفكيك وحدة الساحات وتعزيز الضغط الاقتصادي والعسكري.