السعودية/ نبأ- نشرت مجلة "فورين بوليسي"، تقريرا تناولت فيه العلاقة السعودية- الأمريكية بين عهدي الملك الراحل عبدالله وخلفه سلمان، والقلق الخليجي المستجد من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.
لقد أصبحت صورة الرئيس جورج دبليو بوش وهو يمسك بيد، الملك عبد الله، عبر حدائق مزرعته في تكساس عام 2005، رمزًا للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. ولأكثر من 40 عامًا، سارت الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية خلال حزمة من الأزمات في الشرق الأوسط.
وفي يوم 14 مايو، وتحديدًا في كامب ديفيد، عقد الرئيس باراك أوباما قمة خاصة مع المملكة العربية السعودية، وشركائها في مجلس التعاون الخليجي (GCC)، لبدء مرحلة جديدة في هذه العلاقة. ولكن، وللمرة الأولى، يبدو أن الإمساك بالأيادي سيكون أقل، والكلام سيكون أكثر قسوة.
وسوف تستغل الولايات المتحدة القمة لسماع مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي حول إيران، ولكن من المرجح أنها ستشرح بصراحة للأنظمة الملكية العربية أنه لن تكون هناك تأكيدات جديدة من الولايات المتحدة لاتفاق دفاع بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي أو مظلة أمنية. وإذا ما قام الرئيس الأمريكي بإيصال الرسائل الصحيحة لمن سيكونون في القمة، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ستحصل على القدرة لكي تصبح أكثر إنتاجية وفعالية عما كانت عليه في أي وقت مضى.
ويعد السعوديون غاضبين بشكل واضح من هذا النهج. ويوم الأحد، أعلن الملك السعودي الجديد الذي تولى السلطة في يناير/ كانون الثاني، أنه سيبقى في الرياض، وقام بإرسال ولي العهد إلى كامب ديفيد عوضًا عنه.
وفي النهاية، لم يحضر القمة سوى اثنين من رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهما أمراء كل من الكويت وقطر. ويعد هذا التكتيك تكتيكًا تفاوضيًا متعارفًا عليه في مثل هذه الظروف. وهو ينتج في كثير من الأحيان التموجات المطلوبة في وسائل الإعلام الأمريكية، التي يكون مفادها أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة يتضاءل، وأن العلاقة السعودية الأمريكية في ورطة.
وهناك ما يبرر وجود هذا التركيز في وسائل الإعلام. وقد أشار الرئيس أوباما إلى أن الغرض من هذه القمة هو تهدئة مخاوف تلك البلدان القلقة حول الاتفاق النووي الإيراني. وتعد طمأنة الشركاء في ظل هذه الظروف رد فعل طبيعي وعادي؛ وهي بالتأكيد الاستجابة التقليدية للولايات المتحدة. كما أن هناك ضغطًا داخل الحكومة لتحقيق القمة “للإنجازات” التي قد تجعل السعوديين، وشركاءهم في دول مجلس التعاون الخليجي، يشعرون بأنهم محبوبون من قبل الولايات المتحدة.
ولكن، قرار معظم قادة دول مجلس التعاون الخليجي بعدم حضور القمة يشير بوضوح إلى أنه ليس هناك الكثير من المقترحات التي سوف تؤدي لطمأنتهم على الطاولة. ويعد هذا أمرًا جيدًا؛ حيث سيكون من الخطأ جعل طمأنة هذه الدول محور هذه القمة لثلاثة أسباب أساسية، هي:
أولًا: ليست المملكة العربية السعودية، وشركاؤها في مجلس التعاون الخليجي، حلفاء ضمن معاهدة رسمية مع الولايات المتحدة، وعلاوةً على ذلك، هم غالبًا ما لا يتصرفون كأصدقاء. وفي حين أن الولايات المتحدة هي ديمقراطية متعددة الطوائف، ومتعددة الأعراق، وملتزمة بحقوق الإنسان العالمية؛ المملكة العربية السعودية هي نظام ملكي استبدادي، ملتزم بالحفاظ على مجتمع قائم على القمع السياسي، والتعصب الديني، والتفسير الأصولي للإسلام، على خلاف مع حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا.
وتعد بعض دول مجلس التعاون الخليجي في الواقع، وفي كثير من الأحيان، مصدرًا لكل من الفكر والمال الذي يدعم الإرهاب الإسلامي في جميع أنحاء العالم. وتختلف مصالح دول مجلس التعاون الخليجي عن مصالح الولايات المتحدة بشكل متزايد حول قضايا مثل إيران وسوريا، وحول الحاجة إلى الإصلاحات الداخلية في دول الخليج، وحول كيفية التعامل مع التهديد الإقليمي للإسلام السياسي. ورغم أن الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكنهم التعاون على أساس انتقائي، وقد فعلوا ذلك من قبل، إلا أن علاقة هذه الدول مع الولايات المتحدة سوف تبقى بالضرورة علاقة مرحلية، أكثر منها علاقة التزام فعلي.
ثانيًا: التزام أمريكا بأمن المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي، ليس، ولا ينبغي أن يكون، التزامًا مطلقًا.
لقد كانت الولايات المتحدة ودول الخليج العربي حلفاءً في مجموعة متنوعة من القضايا الأمنية منذ منتصف السبعينيات، ولكن هذا التحالف بني على أساس صفقة، هي: “سوف تقوم الولايات المتحدة بحمايتكم ضد التهديدات الخارجية لأمنكم، وسوف تقومون بالمقابل بدعم أهداف ومصالح أمريكا في المنطقة وتساعدون في استقرار أسواق الطاقة العالمية“.
وبمرور الوقت، سمحت هذه الصفقة للدول العربية برمي مسؤولياتها الأمنية الإقليمية على عاتق الولايات المتحدة، ومن ثم، لوم أمريكا عندما تسوء الأمور. وبغض النظر عن التصريحات من كلا الجانبين، حصلت الدول العربية على الجانب الأفضل من الصفقة، وكانت في حاجة إليها أكثر من حاجة الولايات المتحدة لها. وقد أصبح هذا الأمر صحيحًا بشكل خاص الآن، مع تنوع سوق الطاقة العالمية، وبعد أن باتت هذه السوق أقل عرضةً لارتفاع تقلبات الأسعار.
ثالثًا: لقد خلقت تطمينات واشنطن على مر السنين دولًا تعتمد بشكل غير صحي على الولايات المتحدة، بدلًا من تشجيع دول الخليج هذه على أن تصبح أكثر استقلالية وقدرة على الوقوف على قدميها عندما يتعلق الأمر بتوفير الأمن لنفسها ضد العدوان الخارجي.
لقد أدى الضعف الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى خلق عجز أمني في المنطقة. وكما أشار أوباما، “أكبر التهديدات التي تواجه [الدول العربية السنية] قد لا تكون قادمة من خلاف مع إيران؛ بل ستكون قادمة من الاستياء داخل بلدانهم“. وبدلًا من إعطاء الولايات المتحدة تطمينات لحماية هذه الدول ضد أي هجوم خارجي دون مناقشة المشاكل في المنزل، التي تشمل عددًا متزايدًا من الشباب الساخط، ومستويات عالية ومزمنة من البطالة، وسجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على هذه الدول بشكل أكبر من أجل سن الإصلاحات الداخلية.
وبينما تصبح دول مجلس التعاون الخليجي أكثر استقلالًا، لن تكون الولايات المتحدة راضية دائمًا على الحلول التي تأتي بها هذه الدول للتعامل مع القضايا الأمنية الإقليمية، مثل الحرب الأهلية الدائرة في اليمن أو أي أزمة أخرى قد تنشأ لاحقًا.
ولكنّ المسؤولين الأمريكيين بحاجة لتقديم تنازلات صعبة في بعض الأحيان. وفي معظم الحالات، سوف يؤدي امتلاك الدول الخليجية لمشاكلها، وحلولها، إلى نتائج أفضل من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، ولا سيما التدخل العسكري.
ورغم ذلك، وفي حال نجاح الاتفاق النووي الإيراني، سوف تصبح الولايات المتحدة قادرة على البدء بإعادة صياغة صفقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وسوف تكون الولايات المتحدة في هذه الحالة قادرة على الإصرار على أن تتحمل دول مجلس التعاون الخليجي مسؤولية أكبر عن أمنها. وهو ما سيعني بدوره أن الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على تجنب التدخل العسكري المباشر في الحروب الأهلية التي تملأ الشرق الأوسط. ويعد استعداد المملكة العربية السعودية لتنفيذ الحل الخاص بها لعدم الاستقرار في اليمن، وقرار الجامعة العربية تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، مؤشرات إيجابية على زيادة تقاسم الأعباء من قبل دول الخليج.
تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي أن تفهم أن هدف الولايات المتحدة في الخليج هو الحفاظ على التوازن الإقليمي.
وفي النهاية، تعد قمة كامب ديفيد مع دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع المكان المثالي لتقديم هذه الرسائل. إنها فرصة للرئيس الأمريكي للمطالبة بسلوك أكثر مسؤولية، وبمزيد من التعاون من قبل قادة دول الخليج، بدلًا من طمأنتهم بأن التزام أمريكا بأمنهم لا يموت.