نبأ – فيما استضافت العاصمة السعودية الرياض أول مهرجان دولي للكوميديا بمشاركة عدد من كبار نجوم هذا الفن حول العالم، برزت تساؤلات جوهرية تتعلق بما وراء هذه الفعالية: هل هي محاولة سعودية جديدة لتبييض الانتهاكات وشراء شرعية ثقافية؟ وما الذي جناه النظام من وراء هذا الكرنفال اللامع سوى المزيد من الصمت الدولي على سجله الحقوقي الكارثي؟
هذه التساؤلات طرحتها الغارديان حول المهرجان، الذي اختتم فعالياته في 9 أكتوبر، والذي كان من المفترض أن يشهد مشاركة الكوميدي الأسترالي-الأميركي جيم جيفريز، المعروف بسخريته اللاذعة من “الدين” والسياسة و”المحرمات” الاجتماعية، لكن تم استبعاده بعد تصريحات أدلى بها في بودكاست مؤخرا عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، اعتبرتها السلطات غير مقبولة، رغم أنه وصف الجريمة بأنها “مؤسفة، لكنها ليست قضية سيموت من أجلها”. إلا أن النظام السعودي، الذي لا يحتمل حتى اللامبالاة، سارع إلى حذفه من قائمة المشاركين، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقالت الغارديان أنه في المقابل، شارك في المهرجان عدد من الأسماء البارزة في عالم الكوميديا مثل جيمي كار، ديف شابيل، لويس سي. كاي، بيت ديفيدسون، وجاك وايتهول، وسط تقارير تفيد بأن بعضهم تقاضى أجورا من سبعة أرقام، مشيرة إلى أن المفارقة أن معظم هؤلاء يعرّفون أنفسهم كمناصرين لحرية التعبير، بينما قبلوا بشروط صارمة تمنع أي انتقاد للعائلة المالكة السعودية أو النظام السياسي أو الديني أو سجل حقوق الإنسان.
بحسب تسريبات، ذكرتها الغارديان، وُزعت على المشاركين عقود تحظر صراحة أي نكات أو إشارات إلى الحكومة، الدين، أو حتى الوضع الحقوقي في المملكة، وأي شيء قد يُعتبر “حساساً” كان محظورا، مما يجعل من المهرجان عرضا للترفيه الموجه، لا الكوميديا الحقيقية التي تُعرف بتحدي السلطة وكشف التناقضات.
وتابعت الغارديان: “بعض المشاركين دافعوا عن مشاركتهم باعتبارها فرصة للحوار الثقافي. الكوميدي أوميد جليلي كتب في مقال له أن مشاركته كانت تهدف لمشاركة الضحك كقوة للتغيير الاجتماع، لكن الواقع يقول إن هذا “الضحك لم يتجاوز أسوار المسارح الفارهة في بوليفارد الرياض، ولم يصل إلى زنازين المعتقلين أو قرى المهمشين أو المقابر الجماعية لضحايا الغارات في اليمن”.
وأضافت أنه في الوقت الذي يتباهى فيه النظام بتنظيم مهرجانات ترفيهية عالمية، تُسحق الكوميديا الحقيقية داخل البلاد. فكوميديون محليون مثل بدر صالح وآيمي روكو وهشام فقيه لا يملكون نفس المساحة أو الحرية، ويعيشون تحت رقابة صارمة، بينما يُقتل ساخرون مجهولون كما حدث مع الصحفي تركي الجاسر، الذي أُعدم سرًّا عام 2018 بزعم إدارته لحساب ساخر على موقع “إكس”.
وأوضحت الغارديان أن السعودية تبدو من خلال هذه المهرجانات، وكأنها تحاول شراء منتج ثقافي لا يمكن تصنيعه بالأموال وحدها: الإبداع، والجرأة، والحرية، والنقد الحقيقي. إنها نسخة حديثة من ترف الاستبداد: أن تشتري فنا لا ليقول الحقيقة، بل ليصمت عنها.
في النهاية، قالت الصحيفة البريطانية إن السؤال ليس عمّا إذا كانت الكوميديا قادرة على التغيير، بل عمّا إذا كانت المملكة تريد فعلا أن تتغير، أما أنظمة كهذه، فكل ما تريده هو أن تضحك معها، لا أن تضحك عليها.
قناة نبأ الفضائية نبأ