نبأ – كشف تقرير مطول لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن الوجه الحقيقي لسياسات السلطات السعودية، التي تجمع بين إفقار المواطنين عبر تشديد شروط الضمان الاجتماعي وبين القمع الرقمي العنيف لكل من يجرؤ على الشكوى من ارتفاع تكاليف المعيشة.
ورصد التقرير موجة جديدة من الغرامات والاعتقالات قادتها ما تسمى الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في شهر ديسمبر، حيث طالت تسعة أشخاص أُجبروا على إغلاق حساباتهم، ليلحقوا بستة آخرين اعتُقلوا بتهمة مزعومة وهي “إثارة الرأي العام”، في إشارة واضحة إلى تحويل الهيئات التنظيمية إلى أدوات أمنية لمحاكمة المواطنين بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي يفرض عقوبات تصل للسجن خمس سنوات وغرامات باهظة تبلغ 3 ملايين ريال.
وترى منظمات حقوقية، من بينها منظمة “سند”، أن هذا التصعيد الرقمي يعكس نمطا متسارعا من الممارسات القمعية التي لا تتسامح حتى مع النقد المعيشي البسيط، حيث جاءت الإجراءات الأخيرة ردا على غضب شعبي واسع جراء تعديلات وزارة الموارد البشرية التي حرمت آلاف العائلات من مخصصاتهم الشهرية. ومن بين أبرز ضحايا هذه الحملة، المغني المحافظ فلاح المسردي، الذي اعتُقل لمجرد نشره مقطع فيديو يشكو فيه حرمان شقيقته “مبتورة الساق” من الضمان الاجتماعي، منتقدا التناقض الصارخ بين تضييق الخناق على المواطن وتوزيع السلطة لمليارات الدولارات كمساعدات خارجية، وهو ما اعتبره النظام خروجا عن حدود الصمت.
ويسلط التقرير الضوء على المفارقة الصارخة في عهد محمد بن سلمان، فبينما يروج الإعلام الرسمي لـ “انفتاح اجتماعي” متمثل في حفلات الترفيه، يتقلص هامش حرية التعبير إلى أدنى مستوياته، حيث يتم استغلال المؤثرين وترهيبهم لتبني السردية الحكومية.
وكان قد زاد غضب الشارع السعودي في الفترة السابقة ظهور رجل الأعمال يزيد الراجحي، المقرب من النظام، في طائرته الخاصة مدافعا عن سياسات السلطة ومطالبا المواطنين بالقبول بالأخطاء دون اعتراض، في مشهد يجسد الفجوة الهائلة بين النخبة المنتفعة والطبقات المسحوقة التي تُواجه بالسجن إذا ما رفعت صوتها بالألم.
ويجمع مراقبون، من بينهم الأكاديمي أندرو ليبر، على أن السلطات السعودية وضعت حدودا صارمة لا تفرق بين معارض سياسي ومواطن يشتكي الجوع. فالدولة التي تعيد صياغة “العقد الاجتماعي” عبر تقليص الدعم ودفع الناس نحو قطاع خاص متعثر، ترفض في الوقت ذاته أي مظهر من مظاهر التذمر العلني، مؤكدة أن الإصلاح الاقتصادي المزعوم لا يتحقق إلا بتغييب الرقابة الشعبية وتحويل البلاد إلى سجن كبير تحت غطاء رؤية 2030 الاقتصادية.
قناة نبأ الفضائية نبأ