صحيفة لبنانية: سيأتي دور سلطنة عُمان بعد أن تتأكد السعودية من لا جدوى الحرب اليمنية

السعودية/ نبأ- سجلت صحيفة "السفير" في تقرير للكاتبة والاعلامية البحرينية وفاء العم، اعتياد الخليجيون على التمايز العُماني في السياسة الخارجية.

ووفق الكاتبة، اعتاد السعوديون قبل الجميع على استقلالية قرار السلطنة عن المملكة؛ استقلالية تغيظ السعودية ربما، لكنها لا تقطع شعرة معاوية معها. الديبلوماسية السعودية ما زالت تحافظ على قدر لا بأس به من الايجابية التي تحفظ العلاقة بين البلدين من الانكسار على الرغم من مواقف عُمانية حلقت وتحلق خارج السرب الخليجي. مواقف في ملفات لطالما اعتبرتها الرياض مصيرية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ المنطقة.

في العلاقة مع إيران، كانت عُمان بوابة التفاوض السرية بين طهران والدول الخمسة زائدا واحدا، وفي اليمن، كان الحياد سيد الموقف. «لا» سجلتها مسقط في سجل «لاءاتها» عندما رفضت الانخراط في العملية العسكرية ضد صنعاء.
علاقة أرادها العُمانيون ندية مع السعودية وقائمة على الاحترام المتبادل، وهي كذلك.

ربما يثير التساؤل لدى البعض لماذا هذه الندية مقبولة سعوديا مع مسقط وعصية على القبول مع الدوحة التي ما إن علا صوت تمردها حتى انهالت الضغوط السعودية عليها، وصولا إلى قطع العلاقة الديبلوماسية وسحب السفراء كما شهدنا خصوصا خلال العام الماضي.

والاجابة ببساطة، قطر بالنسبة الى السعودية ليست عُمان. وعُمان أمام مرآتها ليست تابعا سعوديا وليست خاضعة لما يقر به الخليجيون. هي امام مرآتها بمثابة قوة كبرى طردت البرتغاليين وطاردتهم في البحرين وفارس والهند وشرق أفريقيا.

هذا ما يفسر الإصرار العُماني منذ عقود على سياسة خارجية مستقلة بعيدا عن السعودية، تتصف في مجملها بالهدوء والروية. وليسمح لنا أحمد داود أغلو باستعارة عبارة «صفر مشاكل» في توصيف السياسة العُمانية.

ولكن كيف تقبل السعودية الكبرى في الخليج ومتسيدة القرار فيه بهذه الاستقلالية؟! يقول ديبلوماسي عُماني له باع طويل في أروقة مجلس التعاون الخليجي: «فرضت مسقط استقلاليتها منذ عقود خلت، سبقت إعلان منظومة دول مجلس التعاون. السعودية تحترم هذا الخيار، حتى وإن لم يُرضِها، هو فرض الأمر الواقع، وهي لا تملك وسيلة ضغط على العُمانيين. لسنا قطر التي كانت تتبع السعودية وقررت التمرد والبحث عن سياسة مستقلة».

الاستقلالية العُمانية ليست خليجية فقط، بل تتعداها لتكون عربية، وجميعنا يتذكر أن عُمان هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تقاطع مصر بعد توقيع الرئيس المصري الاسبق أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، حتى أن دولا خليجية وعربية سألت عن وساطة عُمانية في سبيل إعادة العلاقة الديبلوماسية مع القاهرة. عُمان الخليجية رفضت دعم صدام حسين في حربه ضد إيران، وشاركت قوات درع الجزيرة في تحرير الكويت دونما خصومة تذكر في العلاقة مع النظام العراقي السابق.

هذه الديبلوماسية السياسية أفضت إلى عُمان مستقلة ومستقرة وآمنة وعلى علاقة مميزة مع الجميع، وليس غريبا أن تساعد ايران وبريطانيا والخليج السلطان سعيد بن تيمور في القضاء على ثورة ظفار.

اذا هي الاستقلالية العُمانية. ولكن ما موقع هذه الاستقلالية من ملفات الإقليم الكبرى على المستوى الخليجي؟

والحديث هنا عن اليمن أولاً بحكم الحرب القائمة. والعلاقة مع إيران «المغامرة» في حكم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

ملفان رئيسيان لا تهدأ الديبلوماسية السعودية في البحث عن حلول ومخارج لهما. ولمسقط موقع خاص في كل منهما.

في اليمن اختارت مسقط المنطقة الوسط. كما اختارت دور الوسيط بين طرفي الصراع، لأسباب جيوسياسية أصبحت معروفة، وكمنطقة آمنة يمكن اللجوء إليها. اختار السعوديون عُمان ملاذا أخيرا للخروج من مستنقع اليمن على الرغم من عدم وجود مؤشرات حتى الآن تشي بحاجة سعودية لهذه المنطقة، خصوصا بعد سقوط عدن في قبضة قوات التحالف الذي تقوده الرياض.

يقول الباحث السعودي في شؤون الشرق الأوسط الدكتور خالد باطرفي في هذا الشأن: «تعتبر السعوديةُ عُمان منطقة حرّة للتفاوض مع الإيرانيين في اليمن». اذا مسقط خط الرجعة السعودي.

ولكن متى؟ّ! هنا يقول الديبلوماسي العُماني: «السعودية ورّطت نفسها في حرب اليمن. والسيطرة على عدن لا تعني سوى المزيد من الغرق في هذا المستنقع. ستكتشف السعودية ذلك وحينها سيأتي دور عُمان، بعد أن تتأكد السعودية من لا جدوى الحرب».

لماذا عُمان، نسأل الدكتور باطرفي، فيرد: «عُمان وسيط نزيه، هادئ، ومؤتمن ولا يحب الاستعراض».

وهل يعني ذلك ان الاستقلالية العُمانية مفيدة للسعودية، يقول باطرفي: «نعم»

اذا عُمان الملاذ السعودي الأخير في اليمن، ولكن في موضوع العلاقة مع إيران الأمر يختلف. تتعامل السعودية في هذا الملف بمنطلق بقاء الحال على ما هو عليه. والأمر يعود لاعتبارات عدة.

اولها، أن الاحتقان والاشتباك بين الطرفين يصلان اقصاهما بل ويزدادان هوة في سوريا والعراق والبحرين ولبنان، والتسوية بينهما الآن، وفق المعطيات الحالية، ليست ممكنة.

ثانيا، لا يروق للسعودية العلاقة المفتوحة بين طهران ومسقط. فبالنسبة للمملكة علاقة الخليج مع إيران يجب أن تمر بالرياض. يؤكد ذلك ديبلوماسي عُماني، ويضيف: «هذه مشكلتنا مع الرياض». انه الخوف السعودي من منافس خليجي.

ما يعني أن الاستقلالية العُمانية ذات وجهتين في العلاقة مع السعودية. الأول المنقذ والملاذ، والثاني الجار الند الذي قد يسحب بساط القيادة من الرياض. وقد يكون ذلك برغبة ودعم ايرانيين.

تتحسس المملكة ذلك، فتبقي مسقط قناة اتصال مفتوحة، تكاد تكون الوحيدة مع طهران رغبة في احتواء الاندفاع العُماني نحو إيران، هكذا يقول بعض المراقبين.

أليس للإيرانيين مصلحة في تمكين الصديق العُماني من قيادة الخليج، في وجه خصم متشدد ومنافس في المنطقة؟ ليس ذلك فحسب، ما المانع والاقتصاد الاماراتي متعطش للانفتاح على طهران، إذ تقول التقديرات إن حجم التبادل التجاري بين البلدين بعد الاتفاق النووي مع الغرب سيصل إلى 30 مليار دولار، وفي الكويت اللوبي «الشيعي» المتحالف مع السلطة يلعب دوره في هذا الاتجاه، كما إن هناك قدراً من البراغماتية القطرية تسمح لها بمزيد من الانفتاح على طهران.

فيما تذهب عُمان إلى علاقة اعمق مع ايران بعدما وافق البلدان على تشييد خط أنابيب تحت المياه لنقل الغاز الايراني إلى مدينة صحار العُمانية. وبعدما وافق السلطان قابوس، في آخر زيارة له إلى طهران، على فتح الموانئ البحرية العُمانية امام السفن البحرية الإيرانية للرسو فيها لفترة محددة وفق جدول زمني متفق عليه، والمهم أننا لم نشهد اعتراضا خليجيا على هذه الخطوة.

واذا كانت عُمان رأس الحربة خليجيا في العلاقة مع طهران، فإن السؤال المشروع في ظل هذه المعطيات هو، هل تفضي الديبلوماسية العُمانية إلى قيادة حلف خليجي يدعم الانفتاح مع طهران، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب أمام التشدد السعودي، محوره الامارات والكويت وبمستوى أقل قطر، ربما. في كل الاحوال، يبدو ان قيادة سلطنة عُمان لمثل هذا التحالف هي بمثابة خيار «سهل ممتنع»، فالسعودية ما زالت قوية وقادرة على حفظ موقعها القيادي في الخليج.