السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "السفير" اللبنانية، في مقال للكاتب نصري صايغ، أن السعودية لم تعد كما كانت. الحروب الباردة لا تناسبها. المعارك الخفية غير مجدية. الاتكال على أذرع الآخرين ليس كافياً… إنها أمام مرحلة جديدة. تواجه أخطاراً حقيقية. تشعر أنها محاطة بأعداء كبار وصغار. العدو الأكبر: إيران. العدو الأصغر، الخوف من الداخل… خلاصة المشهد، المملكة ليست على ما يرام. جردة حساب السنوات الخمس الماضية تشير إلى تراجع ملموس ومعارك فاشلة.
ويضيف الكاتب، ما فقدته في السياسة وفي الديبلوماسية ستستعيده بالقوة. من يظن أن المملكة من ورق، أو محفظة نقود، أو آبار نفط فقط، عليه أن يحسب من جديد ويدقق في نظرته… المملكة المحاصرة نسبياً قررت أن تقود المعارك لتدافع عن نفسها في كل مكان. هنا وهناك وفي أنحاء العالم. الإعلام معها. خسرت منه القليل بعد موجة الهجرة إلى أوروبا. الصحافة الغربية تجرأت وحمَّلتها مسؤولية إنتاج «الجهاديين». البعض أشار إلى ضلوعها السابق في الدعوة والإنجاز والتدريب والتسليح والتمويل. حتى توماس فريدمان كتب ضدها. اعتُبر «داعش» مخلوقاً إيديولوجياً سعودياً، وإن كان التنظيم قد ارتد على المملكة لاحقاً.
ويقول الكاتب، المملكة ليست ضعيفة أبداً. خزان أسلحة حديثة. ترسانة لا تكف عن طلب المزيد. 24 مليار دولار، قيمة مشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة. لا أحد يبخل عليها، وكثيرون يشجعونها على المزيد. لذا، قررت أن تخوض معاركها العسكرية بنفسها في اليمن، وحشدت إلى جانبها أتباعاً من العرب، فساندوها بالعديد قليلاً وبالكلام كثيراً. خيار المملكة: لا سلم في المنطقة من دون السعودية. لا حل قبل أن تعود إيران إلى حدودها، (وهذا يعني إخلاء الساحة لها وحدها، لا تقاسمها قطر ولا حتى تركيا)… شيء من الأحلام والكوابيس يضغط على محتكري القرار في المملكة.
يُعزى تعاظم اللجوء إلى القوة العسكرية واعتماد سياسة المواجهة وتبني ديبلوماسية اللَّكمات والتهديد بالعقوبات، إلى نزعة «الترويكا» الحاكمة بهدف حسم معركة الوراثة والتوريث، التي لم تهدأ بعد. حيث يتوقع المزيد من القبضة «السلمانية». ويُظَن، أن كسب معارك الخارج، يسقط «الإخوة الأعداء» في الداخل بسهولة وهدوء، فلا حاجة إلى مؤامرات البلاط… غير أن هذا غير دقيق. بعضه أضغاث تحاليل وتهويمات غير حقيقية. المملكة ليست بحاجة إلى كل هذه المعارك من أجل تنفيذ انتقال سلمي في الداخل… مشكلة السعودية ليست في عائلتها الحاكمة، (العائلة مشكلة من نوع آخر) بل في ما راكمته هذه العائلة، ومن سبقها، من خسائر على جبهات عديدة، بحيث بدت دولة هشة، بلا أفق، تخبط خبط عشواء، تراكم الأخطاء والإخفاقات، في عالم يتغير، في منطقة تنقلب ولا يبدو أنها ستهدأ قريباً.
خسائر المملكة كثيرة، برغم ما تتمتع به من قوَّة ونفوذ ودعم وحماية. فهي كانت المحظية غربياً. بل ربما هي الوحيدة التي حظيت باستثناء الإجماع الغربي عليها. إسرائيل تبزها في هذا الميدان. غفرت للسعودية كل مغامراتها. فالغرب «غفور رحيم»، لأنها تدر المال والطاقة وتنهض بسياسات مبالغ في الرضى عنها… خسائر المملكة كثيرة، على جبهات مختلفة. «الحكمة السياسية» تقتضي تنصيب إيران عدواً. إسرائيل لم تعد في الوارد أبداً. إيران عدو مثالي، تستطيع المملكة أن تحشد ضدها، عرب الأنظمة، سنّة الدول، جهاديي الميادين، إضافة إلى غرب متيقظ ومحاسب. الحج السياسي إلى مكة يوفر للمملكة منصة للتصويب على إيران وعلى كل من يمتّ إليها. إيران مقيَّدة، بعد الاتفاق النووي، بالتعقل. هي ملزمة بالضوابط الدولية، وبنجاحها في امتحان القبول داخل الأسرة الدولية، بالاحترام المناسب، والانفتاح الذي يؤمّن المكاسب، وقد بدأت الاستثمارات المذهلة تتدفق على طهران، كأنها عاصمة إنقاذ الاقتصادات المأزومة في الدول الرأسمالية الغربية.
لقد خسرت المملكة معركة الاتفاق النووي مع إيران. باتت إيران دولة إقليمية عظمى، داخل النظام الدولي، بمكانة كاملة وبلا شبهة أو التباس. وما تخشاه الرياض أن تنافسها طهران في عقر دار «الشيطان الأكبر»، ذات زمن. خسرت رهانها في العراق. سبقتها إيران إلى وراثة أميركا بعد الغزو. باتت عاملاً حاسماً في تقرير مصير العراق، حرباً وسلماً إن جاء. خسائر السعودية في العراق لا تعوّضها معارك «الجهاديين والإسلاميين» في سوريا. الحلف الروسي الإيراني، جذب إليه «الصديق الأميركي». طاولة المفاوضات في جنيف تم ترسيم حدودها من دون موافقة السعودية. المملكة خائبة… خسرت رهانها في اليمن. ربحت فرصة تدمير جارتها. ما تأخذه على قصف النظام السوري للأبرياء، تفوّقت هي فيه. اليمن، بعد وإبان «عاصفة الحزم»، بات خراباً. الجريمة واحدة في بلدين نقيضين. النجاحات التي أتقنتها حصلت في وأد «الربيع العربي» في البحرين، وفي الثأر من الربيع المصري وسلطة الإخوان المسلمين فيها ودعم الحكم العسكري الراهن.
إيران عدو مثالي للسعودية، ولكن فات الأوان. العالم يتغيَّر كثيراً. بدأت ملامح تصدّع أنماط الحماية الغربية للمملكة. بدأ الإعلام في الغرب، وتحديداً بعد اعتداءات «داعش» في باريس، وتهديدها دول الغرب كافة، برفع إصبع الاتهام للسعودية. كثير من السياسيين يلوِّح بالقبضة، بعد مرحلة مديدة من التعاطي الديبلوماسي بأناقة لابسي الكفوف. البعض تخطى المحظور. قال بالفم الملآن: «نرفض أن نبقى عبيداً للمال السعودي». يتعاطون بحذر مع مستقبل السعودية. يخشون أن يكون مآلها الانقلاب على نفسها. يرون أن ما يشكو منه الغرب حالياً، قد يبكون عليه في المستقبل. أمثولة استبدال الأنظمة العربية قبل «الربيع العربي» والمجيء بأسوأ منها، تجعلهم في حيرة… لم يعد الغرب يصدِّق السعودية ولا يثق بمستقبلها. يؤكد أن الحرب على «داعش» لا تثمر إلا إذا أصيبت منابعه المالية ومصادره العقدية الموجودة في «الوهابية».
قلق السعودية تواجهه إيران بارتياح معلن. الطرق إليها مفتوحة. الدروب منها تتسع. سيُحسب لها حساب في إدارة منطقة الفراغ العربي. لا دور للسعودية أبعد من حماية نفسها. وفيما هي تريد أن تكون إيران الشيعية فارسية فقط، تواجه بأن إيران باتت عراقية وسورية ويمنية ولبنانية والحبل على الجرار. والرهان على الأقوى. وفارق القوة بين إيران والسعودية كبير. الأولى تربح وتزيد أرصدتها، والثانية تنفق من رصيدها وتخسر…
مؤسف أن لا يكون العرب شركاء في ما بعد الحرب. السعودية، سنّية أولاً، وعربية بالاستعارة. دورها الإيجابي ترشحه نزعة التصالح لا غريزة التذابح… على المملكة أن تستبدل عدوها، فإيران عدو مثالي ولكنه ليس هشاً أبداً.