السعودية/ رويترز- أعلنت وزارة العمل السعودية هذا الشهر توجهها لـ"سعودة" قطاع بيع وصيانة الهواتف المحمولة بحيث يشغل السعوديون نسبة 100% من الوظائف في هذا القطاع خلال 6 أشهر، أي بحلول سبتمبر/ أيلول.
ويواجه ألوف العمال الأجانب بعد هذا القرار مخاطر فقدان وظائفهم والعودة لبلدانهم، في ظل الضغوط التي أحدثها هبوط أسعار النفط على الاقتصاد وتوجه الحكومة لتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص.
ويوجد في المملكة نحو 10 ملايين وافد، معظمهم من آسيا ومناطق أخرى من الوطن العربي، وتعمل غالبيتهم في وظائف متدنية الأجور يرفضها السعوديون، مثل بعض وظائف قطاعي الإنشاءات والتجزئة والعمل في المنازل، بينما تعمل نسبة قليلة منهم في وظائف إدارية متوسطة أو رفيعة المستوى تتطلب إختصاصات معينة.
وتدفق هؤلاء العمال إلى المملكة خلال سنوات طفرة النفط وازدهار الاقتصاد. وبحسب بيانات البنك المركزي السعودي بلغت تحويلات الأجانب إلى ذويهم خارج المملكة 9.1 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي.
لكن مع هبوط أسعار النفط أصبحت الآفاق قاتمة بعض الشيء. إذ تباطأ معدل نمو الاقتصاد السعودي، مع تسجيل المملكة لعجز في الموازنة السنوية يقدر بـ 100 مليار دولار.
ولمواجهة هذا العجز لجأت الحكومة السعودية لعدد من الإجراءات شملت خفض الإنفاق وتقليص المشروعات ما دفع عددا كبيرا من الشركات التي تواجه نقصا في التدفقات المالية وارتفاعات في تكلفة العمالة إلى تسريح عدد كبير من موظفيها مؤخرا.
وفي ظل صعوبة توفير وظائف للمواطنين في القطاع العام مقارنة بالسنوات الماضية أصبح خلق فرص عمل للسعوديين في القطاع الخاص أحد الأولويات الكبرى للحكومة من أجل خفض معدل البطالة البالغ حاليا 11.5 %.
وقال رجل أعمال سعودي بارز في تصريح له في يناير/ كانون الثاني لوكالة "رويترز" إنه لن يتفاجأ إذا غادر المملكة نحو مليون وافد بنهاية عام 2016.
وقال الاقتصادي السعودي البارز، فضل البوعينين، للوكالة إن التغيرات الاقتصادية بدأت في الضغط على سوق العمل، ما تسبب في بداية هجرة لشريحة كبيرة من العمالة الأجنبية.
وأضاف "إن الشركات تلجأ في حال تقلص ربحيتها إلى خفض التكاليف، وفي الغالب تكون القوى العاملة هدفا للإدارات الباحثة عن خفض الالتزامات المالية الثابتة، وهذا ما أراه اليوم".
وتركز خفض الوظائف وتسريح العمالة حتى الآن بصورة شبه حصرية في قطاع الإنشاءات والمقاولات وفقا لمحللين، إذ يوظف هذا القطاع نحو 45% من العمالة الأجنبية في المملكة.
ومع تأخر الحكومة في صرف مستحقات المقاولين لجأت الشركات للتخلي عن ألوف العاملين منذ نهاية العام الماضي لمواجهة زيادة تكلفة العمالة.
وأوقفت شركات أخرى العمل في مشروعاتها، فيما نقلت بعض الشركات أعمالها لمكاتب أصغر داخل المملكة أو في بلدان مجاورة أقل تكلفة..
وأكدت وزارة العمل لـ"رويترز" أنها اتخذت إجراءات رادعة بحق الشركات التي تأخرت في صرف مستحقات العاملين وأوقفت الخدمات عن كبرى الشركات في المملكة لعدم التزامها بإيداع أجور عامليها في الوقت المتفق عليه في العقد.
هذا ومن المتوقع أن تمتد مخاطر فقد الأجانب لوظائفهم لقطاعات أخرى في ظل خطط وزارة العمل بسعودة المزيد من القطاعات.
وبات عدد من العاملين الأجانب أصحاب الكفاءات العالية الذين يعملون في وظائف مرتفعة الأجور يفكرون في مغادرة المملكة، مع تراجع الفرض الجاذبة لهم في ظل استمرار هبوط أسعار النفط.
فبعد أكثر من 9 أعوام قضاها في السعودية بدأ أحد الاستشاريين البريطانيين العاملين في قطاع البتروكيماويات بالمنطقة الشرقية يفكر جديا في العودة إلى المملكة المتحدة إذ جعلت الأوضاع الصعبة التي أحدثها هبوط أسعار النفط ظروف معيشته غير مجدية اقتصاديا.
وصرح الرجل لـرويترز " أصبح هناك قدر ضئيل من العمل لي في الوقت الراهن. تأخر المشروعات وخفض الإنفاق وتأخر الموافقات على صرف المستحقات وعدم وجود تمويل لتطوير الأعمال..أيا كان السبب فإن النتيجة هي القليل من الدخل".
و ذكر وافدون يعملون في عدد من القطاعات، لاسيما النفط والغاز، إن شركاتهم لجأت لخفض البدلات التي يحصلون عليها الخاصة بالتعويض عن بدل السكن.
وبعد أن كانت المجمعات السكنية في الرياض والمنطقة الشرقية تحظى بقائمة انتظار طويلة أصبح بعضها يبحث عن مستأجرين وانتشرت في شوارع كثيرة لافتات كبيرة تعلن عن "فلل للإيجار".
ويفضل الاختصاصيون الوافدون الأجانب العيش في مجمعات سكنية، لكن تكلفة العيش في هذه المجمعات تبلغ عشرات الألوف من الدولارات سنويا، وهو مبلغ يندر أن يكون هناك من هو مستعد لدفعه من ماله الخاص.
وفي وقت سابق من هذا الشهر أظهر مسح أجراه الموقع الإلكتروني الشهير للتوظيف "جلف تالنت" أنه من المتوقع انخفاض نسبة الزيادة في الرواتب في المملكة إلى 5.9% في العام الحالي من 7.4 % في 2014 عندما كانت أسعار النفط عند مستويات قياسية.
وأفاد "جلف تالنت" في تقريره "تواصل السعودية التراجع فيما يتعلق بكونها الوجهة الأولى للوافدين. ومن المتوقع أن تشهد الشركات النسبة الأكبر من خفض الوظائف (مقارنة بدول الخليج الأخرى) في ظل اعتماد المملكة بشكل رئيسي على النفط ونطاق إجراءات التقشف".