الإعدام يقترب من «خلية التجسس»: الاعتراف تحت التعذيب «سيد الأدلة» في السعودية

السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، في تقرير للكاتبة مريم عبدالله، أن 32 فرداً معظمهم سعوديون، عدا شخصين، أحدهما إيراني والآخر أفغاني، اتهمتهم الرياض بالارتباط بالاستخبارات الإيرانية. في ظاهر القضية الحفاظ على أمن وسلامة الوطن، أما باطنها، فهو محاكمة مليئة بالانتهاكات الصارخة. لا أدلة ملموسة أو مادية تدين المتهمين بتأليف «خلية تجسس»، سوى اعترافات انتزعت تحت التعذيب، وإذا وجدت الإعترافات يحكم القاضي تحت بند «الاعتراف سيد الأدلة».

 تتواصل فعاليات محاكمة أكبر «خلية تجسس»، أو ما باتت تُعرف بـ«خلية الكفاءات» في أوساط الناس، التي تضم أكاديميين ورجال دين وأطباء ورجال أعمال وعلماء فيزياء نووية ومصرفيين، إضافة إلى متهم أفغاني يعمل طباخاً، وإيراني.

وفي ظل التوترات السياسية بين الجارين اللدودين، السعودية وإيران، يغرق المتتبع لسير القضية في مادة صحافة النظام المسيّرة من وزارة الداخلية، وتغريدات موالين جرى تجنيدهم لايصال الرسالة للجار الإيراني «المجوسي» و«العملاء» في المملكة، عبر حملات إساءة وتخوين غير مسبوقة.

الملف الاتهامي

وتبدو السلطات كأنّها تحاول تجميع «خلية منسجمة». على عجل ربطت كامل المجموعة بعضها ببعض، وحُكِمَ أفرادها على دفعات، برغم نفي المتهمين معرفتهم ببعضهم بعضا. الاختلاف بدا واضحاً بينهم: عالم فيزياء وطبّاخ مثلاً، فضلا عن أن القضية غُيبت حوالى 3 سنوات، لتعود للظهور كشحنة زائدة للتوتر السياسي بين الرياض وطهران.

أما الرواية الرسمية، فتقول إن المتهمين شاركوا، باختلاف أدوارهم، في قضايا عدّة، أبرزها تكوين خلية تجسس بالتعاون والارتباط والتخابر مع عناصر من الاستخبارات الإيرانية. وبحسب رواية الرياض، فإن «الخلية» قدّمت معلومات في غاية السرية والخطورة في المجال العسكري، فيما اتهم بعض عناصرها بمقابلة المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي. وأما آخر اتهامها، فهو محاولة تخريب وتفكيك وحدة المجتمع بإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، والقيام بأعمال عدائية ضد المملكة.

بيان علماء القطيف والأحساء

حينما أُعلن القبض على أول دفعة من «خلية التجسس»، لم تتهم الرياض طهران بتأسيس «الخلية»، لكنها أشارت إلى أن دورها كان «تجميع معلومات عن مواقع ومنشآت حيوية سعودية».

يومها، هزّت شوارع المنطقة الشرقية هتافات آلاف المواطنين الغاضبين من بيان وزارة الداخلية، فقابلتها السلطات بحملةٍ من الاعتقالات التعسفية في مدن عدّة، طاولت فاعليات بارزة من المنطقة كالشيخ بدر آل طالب، والشيخ محمد العطية، والدكتور علي الحاجي، وإبراهيم حميدي، والشيخ عبد الجليل لعيثان.

في 3 آذار 2013، وعلى وقع العنف الوحشي للنظام السعودي، خرج أول استنكار صريح ضد تعسف الدولة. أكّد العلماء والمثقفون في القطيف أن ممارسات السلطة «تستهدف استغلال التوتر الطائفي المتفاقم في المنطقة، لصرف الأنظار عن المطالب المتصاعدة بالإصلاح السياسي، وإنهاء الاعتقال دون محاكمة عادلة، الذي يخضع له آلاف المواطنين في الوقت الحاضر».
بعدها، وبأسابيع قليلة، خرج بيان «علماء الأحساء»، الذي زكّوا فيه المعتقلين كونهم أصحاب «كفاءة علمية ومكانة اجتماعية، ومعروفين باستقامتهم ووفائهم لوطنهم»، معربين عن رفضهم لاستخدام الورقة الطائفية في تصفية الخلافات السياسية الخارجية.

عززت العريضتان من الغضبة السعودية ضد الموقعين، الذين لم ينسوا رد فعل القوى الأمنية، حينما زرعوا الرصاص في الأجساد والجدران، أواخر تشرين الثاني 1979. وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، تجدّد انزعاج الدولة من مواطنيها المشاغبين. اتُخذت إجراءات قمعية ضد العلماء والمثقفين (حوالى 170 شخصية بارزة)، تنوعت بين الإقامة الجبرية والمنع من السفر والاستدعاء للتحقيق وتوقيع تعهدات بالصمت، وهو ما ناله النظام بمجرد أن أعدم الشيخ نمر النمر وغيّب جثمانه، بداية العام الحالي. مثّلت تلك الحادثة صدمة ضاعفت حجم الخوف والتهديد، لمن عانى طويلاً التهميش والقمع في مملكة آل سعود.

محاكمة صورية واعدام مرتقب

بعد معركة طويلة استمرت ثلاث سنوات وسُجن فيها المتهمون إفرادياً، جرى التواصل مع «الخلية» بعد ضغط من المتهمين والأهالي. استطاعوا بعد جهد أن يوكلوا محامين إثر معاناة طوال السنوات الماضية من رفض السلطات لقاء المحامين بموكليهم. لم يطلع المحامون على ملفات القضية ولم يحضروا التحقيقات، حتى أشيع أنه لم يكن لهم دور يذكر.

استغلت المحكمة الجزائية في الرياض وجود المحامين لمصلحتها، لكي تظهر للمجتمع المحلي والدولي أنها محكمة عادلة ومستوفية للشروط. أدى ذلك التوكيل دوراً تجميلياً أمام المحكمة خلال الأسابيع الثلاثة من المحاكمة. الأمر الذي انعكس سلباً على المتهمين، وسيصب حتماً في مصلحو تمرير الحكم الابتدائي بالإعدام شنقاً للمجموعة المؤلفة من 32 مواطنا ومقيما.

وبحسب مصدر مقرّب من الأهالي، فإن «المحاكمة الصورية لم تكتمل فصولها، إذ اتفق الجميع على عدم تمكين المحامين من لقاء المتهمين واطلاعهم على ملف القضية من دون مضايقات». واشار في حديثه مع «الأخبار» إلى أنهم 30 متهماً «لذا يحتاجون إلى وقت طويل، ومن ضمن الطلبات إتاحة متسع من الوقت بين الجلسات لكل شخص، للتمكن من الاطلاع على القضية ودراستها».
وعن سبب تغيّب المحامين عن الجلسات أخيراً، قال استشاري قانوني لـ«الأخبار» إنه «واضح من خلال إجراءات المحكمة الأمنية استعجالها الكبير لإنهاء المحاكمة، ولهذا كان الهدف تأجيل إصدار الأحكام قدر الإمكان»، لافتاً إلى أن تسريع المحاكمات أخذ بعين الإعتبار «احتمال تغيّر الأجواء السياسية الإقليمية، وخاصة في ما يتعلّق بالعلاقة مع إيران». وأضاف المصدر أن «ذلك سينعكس على رأي القضاء، فكلما كان الحكم في وقت تكون فيه العلاقات متأزمة مع إيران ستشتد العقوبات، ولهذا ربما فضل المحامون التغيّب عن الجلسات».

لا ينتاب الأهالي وفريق المحامين المكلف القضية، مجرد الشك في أنهم «يلعبون على أرض العدو» الذي يمارس كل الألعاب القذرة للفوز وتجهيز تلك الساحة لدحرجة الرؤوس المطلوبة، إذ شهدت فصول القضية الكثير من الإنتهاكات، بداية بطريقة الاعتقال عبر اقتحام منازل «الخلية» المزعومة، إضافة إلى عدم تمكين المحامين من لقائهم خلال فترة التحقيق، وبقائهم مدة طويلة في السجن الإفرادي. وحتّى الآن، يصرّ القاضي على فريق المحامين لتقديم الرد دون الاطلاع على ملف القضية، ودراستها والاطّلاع على الإعترافات المصدقة إلى جانب عرقلته مقابلة المتهمين.

أراد النظام توظيف كل ذلك في ظل غياب قضاء مكتوب، ومرتهن لمزاج الحكّام من آل سعود. ورغم أن السببين الأخيرين يتعلقان بأجندةٍ سياسيةٍ حصراً، ما يضع منطقتي الأحساء والقطيف في حالة ترقب لسماع خبر إعدام ابنائها، بالتوازي مع حرص النظام على تغييب الجثامين، مستغلاً الموتى، وسيلةً لابتزاز وقف الانتفاضة المقبلة.

المتهمان «15 و16»: لم نقابل محامينا

مَثَلَ، أول من أمس، «المتهمان 15 و16» في قضية «خلية التجسس»، أمام المحكمة الجزائية المختصة. ويعمل المتهم الأول علي عبدالله الحاجي (الصورة) أستاذا جامعيا، بينما الثاني موظفاً في وزارة التعليم. واعتذر المتهمان عن عدم تقديم دفاعهما، وقال الحاجي إنه «لم يتمكن من مقابلة محاميه». وقال القاضي لابن الحاجي في الجلسة التي خصصت لمحاكمته: «هل ذهبت بصحبة المحامي إلى مكان التوقيف؟ هل رأيت أنه لم يسمح لمحامي والدك بالدخول؟»، فرد الحاجي الابن بالنفي. هنا كان جواب القاضي، حاسماً، «إذا رأيت ذلك بعينيك، فلكل حادث حديث». ويتهم الحاجي بمقابلة عناصر من الاستخبارات الإيرانية، والسعي «لتجنيد أعضاء من المذهب الشيعي في هيئة التدريس بجامعة الملك سعود» للتجسس لمصلحة إيران، فيما يواجه المتهم 16 تهمة بالتخابر مع إيران، وتزويدها بـ«معلومات لإثارة الفوضى والفتنة الطائفية في البلاد».

أما «المتهم 16»، فعمل مرشداً في حملة حج لمدة 12 عاماً، وانتقل إلى مكة واستقر فيها منذ 7 سنوات تقريباً، ومتهم بتقديم «معلومات حساسة عن الحجاج للاستخبارات الإيرانية».