بريطانيا/ نبأ (خاص) – حتى الآن، لم يسمع الجميع ممن لا يعيشون في عزلة عن العالم بشأن فشل المحادثات في الدوحة بين كبار منتجي النفط في التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الانتاج. لكن من الصعب أن نبالغ في تقدير كم كانت مفاجئة النتيجة للمحللين في مجال الطاقة ومراقبي الأسواق.
من المقرر أن تهبط أسعار خام "غرب تكساس" الأميركي ومزيج "برنت" يوم الإثنين 16 أبريل/نيسان 2016م، في انعكاس لفشل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في التوصل إلى اتفاق، إذ أن تجار النفط كانوا قد راهنوا بشكل كبير على صفقة تجميد انتاج النفط في سعر الخام. ارتفعت أسعار النفط 40 دولاراً للبرميل في الأسابيع القليلة الماضية، بزيادة حوالي 50 في المئة عن أقل مستوى وصلت إليه في فبراير/شباط 2016م، حينما أعلنت كل من روسيا و"أوبك" اتفاقاً مبدئياً على تجميد الانتاج.
منذ أن حدد موعد قمة الدوحة قبل أسابيع عدة، بدا تجميد الإنتاج شبه مؤكد. وبالرغم من أنه كان هناك تذمر حول أطراف معينة متمسكة (بعدم تخفيض الانتاج)، وتحديداً السعوديين، الذين تعهدوا بعدم الموافقة على صفقة من دون مشاركة إيران، اعتقد معظم الناس أن ذلك كان تبجحاً. كان صعباً تخيل أن "أوبك" التي كانت عرضة للتهكم والتساؤلات حول علاقتها بانهيار أسعار النفط قبل عام ونصف العام، ستضع مصداقيتها على المحك مجدداً فقط لتخرج خالية الوفاض.
هذا كان صحيحاً خاصة أن أهداف قمة الدوحة لم تكن كبيرة. تجميد الإنتاج عند مستويات قياسية لجميع الأطراف المعنية تقريباً لم يكن ليشكل تأثيراً كبيراً على الخلل في إمدادات النفط العالمية.
معنى ذلك أن "أوبك" بالتأكيد كانت ستغادر الدوحة على الأقل مع اتفاق رمزي في متناول اليد. لكن السعودية تمسكت بموقفها وأصرت على أن أي اتفاق يجب أن يشمل إيران التي، بطبيعة الحال، لم ترد أن توقع عليه، بعد تحررها من العقوبات التي دامت لسنوات عدة. قال المسؤولون الإيرانيون الكثير منذ البداية.
يجعل ذلك الموقف السعودي أكثر حيرة . فإذا لم تكن السعودية عازمة على المضي باتفاق لتجميد الإنتاج من دون إيران، فلماذا وافقت أصلاً على القمة؟ إحدى الاحتمالات هو أنه كان لدى السعودية على الأقل بعض التوجه للتوقيع على التجميد، لكنها جعلت كراهيتها لإيران تبرز في اللحظة الأخيرة.
حقيقة أن السعودية تبدو أنها أجهضت الاتفاق هو مؤشر على حجم خضوع سياستها النفظية للصراع الجيوسياسي المستمر مع إيران، يقول مدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا الأميركية جايسون بوردوف لـ"بلومبرغ".
احتمال آخر هو التباينات بين المسؤولين السعوديين أنفسهم حول مقاربة قمة الدوحة. ظهرت الشكوك بشأن نجاح محتمل في الدوحة في الأسابيع الأخيرة عقب تصريحات ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي حدد موقف السعودية بعدم تجميد إنتاجها من النفط ما لم تقم إيران بذلك. كرر بن سلمان تصريحاته قبل ثلاثة أيام من موعد القمة، وقال يوم الخميس 14 أبريل/نيسان 2016م: "إذا لم يقم المنتجون الرئيسون بتجميد الإنتاج، سوف لن نقوم بتجميد الإنتاج. إذا لم نقم بالتجميد، سنبيع (النفط) بأي سعر نحصل عليه".
ظن الكثيرون في العالم، بمن فيهم كثير من الأطراف المتفاوضة، أن ذلك تهويل. أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى حقيقة أن لهجة الوفد السعودي إلى الدوحة وعلى رأسه وزير النفط علي النعيمي كانت مختلفة عن تلك لولي ولي العهد السعودي.
حتى وقت متأخر من يوم السبت 16 أبريل/نيسان، بدا أن الوفد السعودي عازم على التوقيع على اتفاق على الرغم مما وصفوه بالمواقف السياسية للأمير بن سلمان، كتبت ذلك "وول ستريت جورنال" استناداً إلى مصادرها المطلعة على المفاوضات. يوم الأحد 17 أبريل/نيسان 2016م، تراجع النعيمي بشكل غير متوقع، واستمرت مفاوضات الدوحة لساعات قبل أن تفشل في نهاية المطاف. وبرغم ذلك ليس واضحاً السبب وراء التغير، على المرء أن يخمن ما إذا كان الأمير بن سلمان تسيّد وفد بلاده لأخذ موقف متشدد اتجاه إيران.
قبل لقاء الأحد في الدوحة، استطلعت "بلومبرغ" آراء 40 من محللي ومراقبي أسواق النفط، توقع نصفهم نجاحاً لقمة الدوحة، بينما توقع النصف الآخر منهم فشلاً لها. وكان المتشائمون محقون. وهكذا، كان ممكناً أن تهبط أسعار النفط بشدة. وقال محلل النفط لدى "ناتيكسيس" أبيشك ديشاند، لـ"وول ستريت جورنال": "هذا سيناريو هبوط حاد ومن المحتمل أن نرى ردة فعل غير محسوبة في السوق. يمكن أن يلامس سعر برميل النفط 30 دولاراً خلال أيام".
توقع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن يحتاج سوق النفط ستة أشهر إضافية كي يتوازن بسبب انهيار قمة الدوحة، ويرى أن عبء الإمداد سيختفي منتصف العام 2017م. وفي إشارة تشاؤمية بشأن أسعار النفط، قال بن سلمان قبل أيام قليلة إن لدى بلاده القدرة على تكثيف الإنتاج بمليون برميل في اليوم وصولاً إلى مليون ونصف مليون برميل في اليوم "إذا أردنا ذلك". بشكل منفصل، يمكن أن يقوم عمال النفط في الكويت بالمزيد لمصلحة الأسواق أكثر من أي تجميد للإنتاج من قبل "أوبك".
في حين أن تجار النفط يركزون على محادثات الدوحة، تراجع إنتاج النفط في الكويت إلى النصف في عطلة الأسبوع الأخيرة بسبب إضراب عمالي. ذكرت "شركة النفط الكويتية" إن إنتاجها من النفط هبط إلى مستوى مذهل بـ1.1 مليون برميل في اليوم بعدما بدأ العمال إضراباً احتجاجاً على الأجور.
"شركة النفط الكويتية للتكرير" المملوكة للدولة أعلنت أن الإنتاج هبط من 930 إلى 520 ألف برميل يوم الأحد. وأمرت الحكومة الكويتية شركاتها باستبدال العمال المضربين، لكن من غير الواضح متى سيعود الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية. إذا بقي إنتاج الكويت على حاله لفترة طويلة، فإن تجار النفط سينسون بسرعة النتائج الكارثية لقمة الدوحة.
(نيك كانينغهام، موقع "أويل برايس" الإلكتروني)