السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "السفير" اللبنانية في تقرير للكاتب البحريني عبدالهادي خلف، أن الحملة التسويقية التي رافقت الإعلان الرسمي عن "رؤية السعودية 2030" في 26 نيسان / أبريل الماضي غطت على ما عداها.
وأوضحت الصحيفة، ان حماس المشاركين في تلك الحملة ازداد بعد أن ظهر صاحب الرؤية نفسه، محمد بن سلمان، في مقابلات صحافية أكد فيها إن خطته تتضمن "أهداف المملكة في التنمية والاقتصاد لـ 15 سنة قادمة". ولكن تصريحات الأمير، سواء للإعلام الغربي أو العربي، لم تتجاوز الحديث عن العموميات من قبيل تخليص بلاده من "حالة الإدمان على النفط". بل ربما بالغ كثيراً. فحين شرح دور الصناديق الاستثمارية السعودية (في مداخلة على قناة "العربية") ادّعى أن تلك الصناديق السيادية ستكون "محركاً رئيسياً للكرة الأرضية وليس فقط للمنطقة. لن يكون هناك أي استثمار أو حراك أو تنمية في أية منطقة من العالم إلا بصوت الصندوق السيادي السعودي". في غياب التفاصيل، استمر الإعلام السعودي والقريب منه في ترديد عبارات حماسية عند الحديث عن "الرؤية" باعتبارها "شُجاعة وجريئة"، وتشكل "بداية تغيير جذري يتضمن تحويل المملكة إلى اقتصاد ما بعد النفط".
وأشارت الصحيفة، أنه ومباشرة بعد إقرار مجلس الوزراء للخطة، كان لافتاً – وإن لم يكن مستغرَباً ـ أن يعقد وليّ وليّ العهد جلسة خاصة مع عددٍ مختار من رجال الدين والإعلاميين لشرحها. وحسبما نشر المشاركون في تلك الجلسة على مختلف المواقع والقنوات الإعلامية، فقد رحبوا بالخطة من جهة ودعوا للأمير بالتوفيق، كما دعوا له من الجهة الأخرى بالثبات على مذهب التوحيد والسنة. قد يعتبر الأمير تلك اللقاءات بداية حسنة، إلا أنه سيكتشف قريباً أنه في حاجة إلى أكثر من تلك الأدعية وإلى أكثر من ترويج رجال الدين والإعلام لمشروعه. فهو يواجه احتمالاً واقعياً أن تندرج رؤيته ضمن سلسلة من مشاريع التنمية الفاشلة التي أهدرت ثروات وطاقات مجتمعات كثيرة، بما فيها مجتمعاتنا العربية، خلال العقود الأخيرة الماضية. وأغلب هذه المشاريع الفوقية، هي في أحسن نماذجها نتاج أحلام حاكم مستبدٍ سخّر موارد البلاد لتمويل تحقيق تلك الأحلام، وجنّد بيوت الاستشارات لتخطيطها ومكاتب العلاقات العامة لتسويقها. ففي الأنظمة الاستبدادية بأنواعها يتخيّل الحاكم أنه قادر على التحكم في جميع الأمور. وهذا الطراز من خداع النفس يتغذى على التكاذب والنفاق والخوف.
العامل المشترك في أغلب حالات فشل خطط التنمية الفوقية هو استفراد السلطة الحاكمة بالقرار. ولهذا الاستفراد في كثير من الأحيان تداعيات مركّبة تتضمن حماية الفساد والهدر وسوء الإدارة، علاوة على قمع المنتقدين والمتضررين.
وفيما يتعلق بالسعودية بالذات، فثمة حاجة للتذكير بأن التمهيد لتنمية حقيقية يتطلب إزالة معيقاتها، بما فيها الفساد.. وبأن الفساد أداةٌ أساسية من أدوات إدامة حكم العائلة المالكة في البلاد، فهو وسيلة من وسائل توزيع الريْع داخل العائلة نفسها، بمقادير يحددها ميزان القوى بين أجنحتها، وهو أيضاً وسيلة ناجعة لضمان ولاء زعماء القبائل والنخب الاجتماعية والسياسية.
ما عُرف حتى الآن عن "رؤية السعودية 2030 " يكرر ما تضمنته خطة نشرتها مؤسسة "ماكنزي" الأميركية في نهاية العام الماضي. الخطة تقضي بما يسميه صندوق النقد الدولي تقليص الدور الخدماتي والرعائي للدولة، والتركيز على دورها كمحفّزة للسوق وأصحاب الرساميل المحليين والخارجيين، وذلك عن طريقيْن أولهما خصخصة أقسام رئيسة من الخدمات الأساسية والرعائية، أما ثانيهما فهو استخدام موارد الدولة واحتياطياتها لإطلاق مشاريع ضخمة داخل البلاد وخارجها. وفي مرحلة لاحقة يأمل واضعو الرؤية في إغراء المستثمرين المحليين والدوليين بدخول السوق السعودية بقوة. وفي هذا الإطار، يأتي الإعلان عن نية السعودية تسييل جزء من قيمة شركة النفط السعودية، أرامكو، عبر طرح نسبة لم تُحدّد بعد من أسهمها للاكتتاب في السعودية وخارجها، وكذلك يجري الحديث عن مداخيل جديدة لاستثمارات في أراضٍ وعقارات تملكها الدولة. ويضاف إلى ذلك المداخيل التي يتوقع الأمير تحصيلها من رفع عدد حجاج العمرة من ثمانية ملايين إلى خمسة عشر مليوناً في خلال أربع سنوات، ليصل العدد إلى ثلاثين مليوناً في 2030. كما يُضاف المداخيل التي يُتوقع أن تدّرها مناجم اليورانيوم والذهب والفضة والنحاس والفوسفات وغيره من المعادن.. حسبما ذكر محمد بن سلمان. بهذه الطريقة في الحساب، فلا غرابة أن يتحدث الأمير ومروجو خطته عن تريليونات الدولارات التي ستسهل تنفيذ رؤية 2030.
في أحسن الأحوال يمكن إدراج أرقام التقديرات التي تتضمنها "الرؤية" تحت عنوان " تفاءلوا بالخير تجدوه" استناداً إلى "براهين" تؤكد على أهمية التفكير الإيجابي. إلا أن الإفراط في التفاؤل قد يصبح خداعاً للنفس، وقد يقود إلى المهالك في حال استند إلى رؤية غير واقعية، أي إن لم يرتكز العمل إلى دراسة جدية لإمكانيات التنفيذ وامتلاك القدرة على معالجة المعيقات البنيوية. على أية حال، لا يمكن في غياب التفاصيل وانعدام الشفافية التدقيق في تلك التقديرات. وحتى بافتراض صحتها اليوم، فلا يمكن ضمان أن تتم المحافظة على الاتجاهات الراهنة في البورصات العالمية، أو ألا يستمر سعر برميل النفط في الانخفاض وكذلك غيره من المعادن.
تعيد "رؤية 2030" إلى أذهان المهتمين بدراسات التنمية أطروحة "الدفعة القوية" التي قدمها بول روزينشتايْن – رودان في بداية أربعينيات القرن الماضي. جوهر تلك الأطروحة هو أن تحقيق النمو يتطلب القدرة على توفير رأسمال كافٍ تديره وقفيات استثمارية أو صناديق سيادية، للقيام باستثمارات ضخمة وشاملة ومتزامنة في جميع القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية. لم تلق تلك الأطروحة رواجاً بسبب أنها تتجاهل الأكلاف الاجتماعية والسياسية لتلك الاستثمارات، علاوة على أن ضخامتها، التي يتطلبها تنفيذ "الدفعة القوية"، تفوق قدرات القطاع الخاص والحكومات في أغلب الدول. لم يتطرق محمد بن سلمان ولا الذين صاغوا رؤيته إلى المعطيات التي يستندون إليها لتقرير أن "الرؤية" قابلة للتنفيذ في ظل المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السعودية.
برغم الضجة المثارة حول هذه الرؤية، فلا يمكن أن نتوقع أن تحقق ما عجزت عنه الخطط العشر المتتالية التي أعلنتها العائلة المالكة السعودية طيلة الخمس وأربعين سنة الماضية. فالخطة الخمسية الأولى (1970) التي صيغت في عهد الملك فيصل، حددت ثلاثة أهداف لها هي: "1) زيادة معدلات نمو الإنتاج. 2) تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية. 3) تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى". تكررت أهداف الخطة الأولى في تسع خطط خمسية لحقتها، كما يكررها الآن ولي ولي العهد. وهي اعتبرت فاشلة، وكان لافتاً أن تنفيذ الخطة التاسعة 2010-2014 أدى مثلا إلى ارتفاع معدل البطالة بدلاً من خفضه كما كان مقرراً.
لقد أنفق ملوك السعودية منذ 1970 وحتى الآن مبالغ تزيد قيمتها الحقيقية عما يعتزم محمد بن سلمان إنفاقه على رؤيته. ولكن لو توقف لينظر لماذا فشل أسلافه في تنفيذ خططهم، فلربما عرف العوامل التي ستعيق تحقيق الأهداف المعلنة لـ "رؤية السعودية 2030".