لم تؤثر الأزمة الاقتصادية على نمط الحياة الذي يعيشه أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية. أرقام بأصفار كثيرة تمثل المبالغ التي يصرفها أمراء آل سعود خارج البلاد ويخفونها عن المواطنين الذي يدفعون وحدهم ثمن العجز في ميزانية الدولة.
تقرير هبة العبدالله
______
العائلة الحاكمة لازالت تنفق في زمن التقشف
مارك مازيتي دك – نيكولاس كوليش – "نيويورك تايمز"
"خلف جدار طويل يحيط به، تلفه كاميرات المراقبة ويحرسه الجنود المغاربة، يرتفع القصر الجديد مترامي الأطراف للملك سلمان بن عبدالعزيز على شاطئ الأطلسي" بهذا الوصف بدأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرها للحديث عن حالة الترف التي يعيشها أمراء وملوك السعودية، مشيرة إلى أن هذا القصر جرى إنشاؤه في الصيف الماضي.
وقالت الصحيفة إنه حتى مع إلغاء المملكة السعودية مشروعات بقيمة ربع تريليون دولار كجزء من برنامج التقشف المالي داخل البلاد، لا يزال العمال يواصلون الإنشاءات في منصة هبوط طائرات الهيلوكوبتر ويواصلون نصب خيمة بحجم السيرك لاستيعاب الملك وضيوفه وحاشيته الضخمة.
وأضاف تقرير الصحيفة: تأتي ثروة العائلة الحاكمة السعودية من احتياطات النفط المتضخمة المكتشفة في عهد والد سلمان، الملك عبد العزيز بن سعود، منذ أكثر من 75 عاما. يوفر بيع النفط عائدات بقيمة مليارات الدولارات تستفيد منها العائلة المالكة على هيئة مكافآت سنوية ووظائف اسمية في القطاع العام. كما أن الأكثر ثراء منهم يتملكون قصورا فرنسية وتخبأ أموالهم في البنوك السويسرية. في حين ترتدي النساء منهن الفساتين الراقية أسفل العباءات، ويمرحون على أكبر اليخوت في العالم بعيدا عن أنظار العوام.
وأشار التقرير إلى أن الملك سلمان يعتبر رئيسا لمؤسسة النشاط التجاري للعائلة المالكة والتي تعرف بشكل غير رسمي باسم «آل سعود وشركاه».
مضيفاً أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط أدى إلى صعوبات اقتصادية وطرح أسئلة حول إذا ما كان الآلاف من أعضاء الأسرة الحاكمة سوف يمكنهم الحفاظ على نمط الحياة الفخم في الوقت الذي يحكمون فيه سيطرتهم على البلاد.
وأشار التقرير إلى أن الناس لديهم الآن أموال أقل من ذي قبل، ولكن الوضع لم يتغير بالنسبة للعائلة الحاكمة، كما يؤكد الأمير خالد بن فرحان آل سعود، عضو منشق عن الأسرة يعيش في ألمانيا. ويضيف: هناك الكثير من أموال الدولة يتم حجبها عن الميزانية وتحدد من قبل الملك وحده.
وبحسب التقرير فإن هذه أوقات قلق للعائلة الحاكمة، التي يرأسها ملك يبلغ من العمر 80 عاما أصيب بالجلطة مرة واحدة على الأقل، ومن المرجح أن يكون الأخير الذي يصل للعرش من بين أبناء الملك المؤسس. ويجب عليه التعامل مع عصبة من الأقارب الذين تعودوا على تلقي الامتيازات منذ ولادتهم.
واستطرد التقرير أنه منذ وصول سلمان للحكم، تغيرت تقاليد الخلافة، وظهرت الانشقاقات بعد تجاوز عدد من الأخوة لوضع الجيل القادم في السلطة، وتغيير ترتيب ولاية العرش، وقد أطاح سلمان بأعضاء بارزين من الفروع الأخرى من العائلة وتم تحجيمهم وسحب بعض الوظائف العليا منهم بالوزارات المختلفة.
وهناك مشاكل خطيرة خارج حدود المملكة أيضا حيث الحرب المكلفة في اليمن، والعنف في العراق وسوريا، والمشاكل الاقتصادية التي تؤرق المواطنين العاديين الذين تم خفض امتيازاتهم، وفي ظل ذلك الوضع فإن أفراد العائلة الحاكمة يخشون الكشف عن أي معلومات حول ثرواتهم التي يمكن أن تثير انتقادات الشعب وتدفعه للتغيير، وفقاً لتقرير الصحيفة الأمريكية.
وقال التقرير إن عائدات شركة النفط الوطنية قد ظلت لفترة طويلة شريان الحياة للإنفاق الحكومي. وقاوم عدد من أفراد الأسرة اقتراح نائب ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان بخصخصة الشركة جزئيا خوفا من أن إدراجها على قوائم البورصات العالمية في لندن ونيويورك سوف يجلب الرقابة على الشركة ويقلل من تدفقات الأموال للعائلة الحاكمة.
مضيفاً: دفع هذا القلق بعض أفراد العائلة الحاكمة لاستكشاف بدائل للخصخصة، على الرغم من تأكيد المسؤولين السعوديين أن الخطة لا تزال قائمة.
وتابع التقرير أنه مع مواجهتها لعجز كبير في الميزانية، قامت الحكومة بخفض رواتب القطاع العام جنبا إلى جنب مع الدعم، كما قامت برفع فواتير البنزين والكهرباء والمياه. وبدأت المملكة في اقتراض المليارات من الداخل والخارج. وقلصت الحكومة من خطط التوظيف في القطاع العام، مما زرع الخوف من المستقبل في نفوس الشباب العاجزين عن الحصول على فرص عمل.
وذكر التقرير أن العائلة الحاكمة تشارك الألم، وفقا لـ "أنس القصير"، المتحدث باسم وزارة الثقافة والإعلام الذي قال أن مخصصاتهم خفضت. ولكن هناك بعض الأمراء على الأقل لم تمس مخصصاتهم وفقا لتأكيدات عدد من السعوديين المقربين من الأسرة الحاكمة.
وأكد التقرير أنه تحت حكم الملك سلمان يتمتع الأمراء بالكثير من المميزات ولم يتم المساس بمخصصاتهم الأساسية، وفق ما يؤكده «ستيفن هيرتوج»، وهو أستاذ مشارك في كلية لندن للاقتصاد الذي كتب كتابا عن الاقتصاد السياسي للمملكة السعودية بعنوان: «الأمراء والسماسرة والبيروقراطيون».
وأشار التقرير إلى أن بعض أفراد العائلة الحاكمة السعودية لا يزالون ينفقون ببذخ. تؤكد «دانيا سينو» وكيلة عقارات في فرنسا أن العديد من أفراد الأسرة اشتروا عقارات في باريس خلال العام الماضي. وقالت إنها باعت مؤخرا شقة بمساحة 11 ألف قدم مربع لأحد الأمراء السعوديين بقيمة 30 مليون دولار.
وتابع التقرير أن الملك سلمان يمتلك بالفعل حيازات كبيرة في فرنسا. وتظهر سجلات الممتلكات هناك أنه يملك عشرات الشقق في الدائرة 16 في باريس تقدر قيمتها بأكثر من 35 مليون دولار. وهو يمتلك أيضا قصرا فاخرا في شاطئ لازور في فرنسا وقصرا على شاطئ دي سول في ماربيلا بأسبانيا.
واستطرد التقرير بالقول: بطبيعة الحال فإن الملك لا يفتقر إلى الممتلكات في بلاده، مع وجود شبكة واسعة من القصور الفارهة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج. ولكن هذا المنتجع في طنجة يبدو أنه مأواه المفضل في الوقت الحالي.
مشيراً إلى أنه خلال زيارته هذا الصيف، كانت هناك مئات من سيارات مرسيدس سيدان ورينج روفر ضمن الموكب الملكي تنتظر في جميع أنحاء المدينة. ويضم مجمع القصور المرافق الطبية الخاصة ومطاعم فارهة تستقبل الكافيار وجراد البحر والكمأ جوا من فرنسا.
ووفقا للتقرير فقد كان على العديد من الموظفين أن يتركوا هواتفهم عند البوابة منعا لترسب الصور. لكن «مجتهد»، المغرد الذي يكتب تحت اسم مستعار على تويتر، غرد لأتباعه بتفاصيل حول البناء والسيارات الفاخرة وفنادق الخمسة نجوم للوفد المرافق. وقال السيد «القصير» في بيان له أن كافة التكاليف تمت تغطيتها على حساب الملك الشخصي وليس على نفقة الحكومة. وقال بعض أفراد طاقم الخدمة، لم يفصحوا عن هويتهم، أنهم قاموا بتسليم هوياتهم من أجل الحصول على مكافأة سخية وهي رحلة مجانية للحج إلى مكة المكرمة.
مملكة النفط
وتحدث تقرير "نيويورك تايمز" عن "مملكة النفط" بالقول: "منذ البداية، كان العقد الاجتماعي بين الملوك والشعب أشبه بصفقة تجارية: حصة من ثروة البلاد في مقابل الحكم المطلق من قبل الملوك. ووصف مراسل مجلة لايف عام 1943 كيف أغدق الملك عبد العزيز بن سعود عدة قطع من الذهب على راع للجمال مر به أثناء توقف موكبه. في الرياض، كان الملك يدعم مطبخا لطهي الحساء للفقراء له فرن وصفه المراسل آنذاك أنه يسع جملا بأكمله.
ولد سلمان بن عبدالعزيز في عام 1935، بعد ثلاث سنوات فقط من إعلان والده للدولة الجديدة. استقرت شرعية الدولة الجديدة على ركيزتي العائلة الحاكمة وحلفائها من رجال الدين الوهابيين. ووفر النفط الذي تم اكتشافه شرقي البلاد عام 1938 مصدرا متناميا للتمويل لكل منهما.
دخل الملك عبد العزيز في العديد من الزيجات (له 17 زوجة معروفة) من أجل تعزيز تحالفه مع القبائل العربية. وقد أنجب ما لا يقل عن 36 ابنا. ويعتقد أن "سلمان" هو الابن رقم 25 لوالده. وهو أحد المحظوظين ضمن هذه الذرية مترامية الأطراف نظرا لأن والدته كانت الزوجة المفضلة للملك عبد العزيز، حيث حظي أبناؤها السبعة على وجه الخصوص بسلطة خاصة.
وأدت الصدمة العالمية من الحظر النفطي الذي فرضته المملكة السعودية عام 1973 إلى ارتفاع أسعار النفط وتدفق العائدات على البلاد. وعلى الرغم من فرضها التزاما صارما بالإسلام على رعاياها فقد أصبح بعض الأمراء السعوديين ضيوفا دائمين على عواصم المتعة العالمية مثل مونت كارلو.
من خلال العشرات من المقابلات مع الدبلوماسيين والمديرين الماليين والاقتصاديين ووكلاء العقارات والسفر والديكور وأعضاء مجلس النواب السعوديين، نجحت «نيويورك تايمز» في تجميع قدر كبير من التفاصيل حول إنفاق العائلة الحاكمة.
يحاط الحجم الحقيقي لثروة العائلة بجدار كبير من السرية. يتم تقسيم المال بين العديد من الأقارب وينتشر في عدة قارات ما يجعل حسابه صعبا للغاية. تم تصميم آلية التمويل كي تكون غير شفافة ولا تكشف عن حصة الموازنة التي يتم تحويلها إلى الخزائن الملكية.
ونتيجة للإزعاج المستمر من الصحف العالمية فقد تعلم أفراد العائلة المالكة كيف يخفون ثرواتهم عن العوام. أقام أفراد الأسرة أسوارا عالية حول قصورهم واشتروا أصولا في الخارج عبر شركات وهمية واستخدموا وسطاء للاستثمارات الكبيرة.
وكشفت وثائق بنما الصادرة في أبريل/نيسان الماضي أن الملك سلمان شارك في شراء شركات خارجية في لوكسمبورغ وجزر فيرجن البريطانية. كما ربطت السجلات اسمه بملكية يخت وعقارات بملايين الدولارات في لندن أحدها منزل مهيب قرب حديقة هايد بارك في حي مايفير توني.
بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج القومي، فإن المملكة السعودية ليست على ذات القدر من الثراء مثل قطر أو الكويت بسبب التفاوت الكبير في أعداد السكان. وعلى الرغم من شبكة الأمان القوية للتعليم والرعاية الصحية، لا يزال هناك العديد من الفقراء في السعودية، ناهيك عن الطبقة الوسطى التي تكافح بالكاد لتغطية نفقاتها.
ويمكن للأمراء والأميرات الاستفادة من الميزات الخاصة مثل الأجنحة الخاصة في المستشفيات والفنادق الفارهة ومهابط الطائرات الملكية. ولكن حتى بين أفراد العائلة المالكة، هناك اختلافات كبيرة بين ورثة الملوك وأبناء عمومتهم المهمشين. يعيش بعض الأمراء الصغار في منازل حداثية كبيرة، ولكنها ليست قصورا، في أحياء كاليفورنيا كما يقومون بركوب سيارات المرسيدس ورينج روفر مقارنة بلامبورجيني أو بوجاتي سوبر كارز التي يسيرها أبناء عمومتهم في المناطق الثرية من لندن.
وتستمر صفوف العائلة الحاكمة في التضخم. لكل ابن من أبناء الملك المؤسس أبناؤه أيضا. الملك سعود وحده لديه 53 ابنا بحيث لا يكفي ملعب بكامل لاستيعاب ذرية الملك سعود وحده من الأبناء كما كتب دبلوماسي أمريكي في مذكرة في عام 2009.
ويقدر عدد أمراء العائلة بالآلاف. وفق "جوزيف كشيشان" الذي درس العائلة المالكة على مدى 3 عقود فإن هناك ما بين 12 إلى 15 ألف أمير وأميرة. وقدرت الأميرة "بسمة" ابنة الملك سعود أعداد العائلة بقرابة 15 ألف أمير قبل 5 سنوات. لكن السيد "القصير" يؤكد أنه لا يوجد أكثر من خمسة آلاف عضو ضمن أسرة آل سعود.
الغمس في النعم
كما تحدث تقرير الصحيفة الأمريكية عن "الغمس في النعم" حيث قال:يعتمد أعضاء العائلة الحاكمة على البدلات، والوظائف الحكومية والمراكز التجارية التي يحصلون عليها بحكم أنسابهم. ويؤكد أن السيد "كشينشان"، وهو زميل بارز في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض ،أن الطريقة التي توزع بها هذه الفوائد بخلاف الأقدمية والخبرة تبقى غير معروفة.
ويؤكد: "ما نعرفه أن العاهل السعودي لديه ميزانية نثرية يوزعها على مختلف أعضاء الأسرة لمشاريعهم، وأعمالهم وحياتهم".
ربما تمكننا من أخذ نظرة أقرب للأمور المالية داخل العائلة الحاكمة عندما منح مسؤول في سفارة الولايات المتحدة في الرياض وصولا غير مسبوق إلى مكتب القرارات والتنظيمات في وزارة المالية عام 1996. حيث لاحظ أن الموظفين «يقومون بتوزيع الأموال على رؤسائهم».
وتراوحت الرواتب آنذاك من 270 ألف دولار شهريا لأحد أبناء الملك المؤسس إلى 8 آلاف دولار لأحد أحفاده. تم إنفاق ما بين مليون إلى 3 ملايين دولار كهدايا زفاف لبعض الأمراء. وقدر المسؤول آنذاك هذه المدفوعات، التي شملت مدفوعات لعائلات أخرى، بقرابة 2 مليار دولار بما يمثل 5% من ميزانية البلاد التي كانت تبلغ آنذاك 40 مليار دولار.
ويؤكد السيد "القصير" أن إجمالي البدلات السنوية لا يتجاوز حاليا 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار) تذهب معظمها إلى زعماء القبائل والمحافظات وليس إلى أفراد العائلة المالكة.
"هؤلاء الذين على دراية بالتسلسل الهرمي الاجتماعي في المملكة السعودية يعرفون جيدا أن هؤلاء الآلاف من وجهاء القبائل والمحافظات ينفقون بشكل مباشر وغير مباشر أكثر مخصصاتهم على مئات الآلاف من البشر المسؤولين عنهم".
ونقلت المذكرة أن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال أخبر السفير الأمريكي أن عائدات مليون برميل من النفط يوميا تذهب إلى البرامج الخارجة عن الميزانية تحت سيطرة الملك وعدد من أمراء الصف الأول.
وقال مستشار لعدد من أعضاء الأسرة ومسؤول حكومي أمريكي سابق إن البرامج الخارجة عن الميزانية لا تزال قائمة رغم أنه لا يعرف حجمها بشكل دقيق. ويؤكد السيد "القصير" أن كل عائدات شركة أرامكو يتم توجيهها إلى الموازنة العامة للدولة.
والخط الفاصل بين أصول العائلة والدولة يمكن أن يكون غير واضح. يصف مسؤولون أمريكيون في مذكراتهم تحويلات لمساحات كبيرة من الأراضي إلى أبناء الملك وأحفاده وأن الأمور يتم التعامل معها كلقمة سائغة. يمكن ببساطة لأمير أن يقوم بمد السور المحدد لأملاكه ليضم 30 ميلا مربعا آخر دون غضاضة.
وكسب الأمير بندر بن سلطان، سفير لفترة طويلة إلى الولايات المتحدة، والأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، ابن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، مئات الملايين من الدولارات من بيع الأراضي لمدينة مخططة حكوميا شمال جدة كانت لا تزال قيد الإنشاء وفقا لدبلوماسي أمريكي في مذكرة عام 2007.
وقد برر الأمير بندر الفساد المالي في مقابلة شهيرة له عام 2001 بالقول: "إذا كان بناء البلاد قد تكلف 350 مليار دولار من إجمالي 400 مليار دولار وأن هناك فساد بقيمة 50 مليار دولار فسأقول لك نعم إن هذا وارد». ويضيف: «ولكن ذلك يحدث في كل الأحوال".
ونجح الكثير من أفراد العائلة المالكة في مجال الأعمال التجارية من خلال القيام بدور وكلاء حصريين للشركات الأجنبية في المملكة. وتشارك آخرون في شركات تعتمد على الإنفاق الحكومي وتزدهر على إعانات الدولة الكثيفة.
وخلص المسؤول الأمريكي إلى أنه "طالما تتعامل العائلة مع هذه البلاد على أنها مؤسسة آل سعود وشركاه، فمهما توسع عدد الأمراء فسوف يعتبرون أن حقهم الطبيعي هو الحصول على هذه المدفوعات الضخمة بحكم مشاركتهم في ملكية هذه الشركة الضخمة".
ومع نمو حجم الأسرة وعدد سكان البلاد بشكل عام يقول بعض المراقبين أن ميزان المكافآت صار من الصعب الحفاظ عليه.
"في المستويات العليا هم يعلمون أن عليهم أن يتركوا شيئا للبلاد وإلا سوف يغرقون إلى آذانهم". هكذا يؤكد "جان فرانسوا سيزنيك"، زميل بارز في مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي. "إذا كانت تطلب من الشعب أن يضحي من أجل البلاد فليس من المعقول أن تتمتع فئة بعينها بكل المميزات".
"خط أحمر"
عندما صعد الملك عبد الله، الأخ غير الشقيق للملك سلمان إلى العرش في عام 2005، فقد قال إنه حاول كبح جماح بعض تجاوزت الأسرة الحاكمة. قام الملك الجديد بقطع الهواتف المحمولة المجانية والرحلات المجانية على شركات الطيران الوطنية وحجوزات الفنادق. حاول الملك عبد الله أيضا التقليص من ممارسات الاستيلاء على الأراضي وإساءة استخدام نظام تأشيرات العمال الضيوف عبر الاستيلاء عليها وبيعها.
ولكن جهود الملك عبد الله لاقت معارضة كبيرة. ووفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية كان على رأس قائمة المعارضين كل من الأمير سلمان وشقيقه الأمير نايف. ولكن شقيقهم الأكبر سنا سلطان أخبرهم أن تحدي الملك خط أحمر، وحذرهم من ورطة كبيرة إذا لم تلتحم الأسرة ببعضها البعض.
يدرك كبار الأعضاء في أسرة آل سعود أنهم فقدوا دولتهم السابقة خلال القرن التاسع عشر بسبب الاقتتال الداخلي. وقد أطيح بالملك سعود على يد أخيه الملك فيصل عام 1964، وقتل الأخير بدوره على يد ابن أخيه.
وبوصفه حاكما للرياض، ساعد الملك سلمان في الإشراف على الأسرة وقام بسجن صغار الأمراء الذين عاثوا في الأرض فسادا. وقال السفير السابق للولايات المتحدة "شاس فريمان": "عندما تكون هناك مشكلة في الأسرة تحتاج إلى تدخل كان يتم استدعاء الأمير سلمان على الفور".
هناك فائض من حكايا بذخ الأمراء في الخارج، مثل تلك الأميرة التي أنفقت 20 مليون دولار على فواتير التسوق في باريس عام 2009. وعادة لا يتم تداول هذه القصص داخل المملكة بسبب الرقابة الصارمة المفروضة على الإعلام السعودي.
عندما وقعت الاضطرابات في البلدان حول المملكة السعودية خلال الربيع العربي، استجاب الملك عبد الله بإنفاق 130 مليار دولار على الرواتب والبرامج الاجتماعية. وقد أنفق الملك سلمان لدى وصوله إلى السلطة منذ عامين قرابة 32 مليار دولار على رعاياه منها راتب شهرين لموظفي الحكومة. وكانت أسعار النفط قد بدأت تراجعها الحاد، لكنه لم يكن واضحا بعد إلى أي مدى سوف تنخفض.
الجيل الجديد
وتحدث التقرير كذلك عن "الجيل الجديد" وقال إنه: بعد 3 أشهر، قام الملك بترقية ابن أخيه محمد بن نايف إلى موقع ولي العهد ونجله الأمير محمد بن سلمان كنائب لولي العهد. وفاجأ الملك دائرته المقربة بمنح نجله سلطات موسعة من وزارة الدفاع إلى رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والإشراف على شركة أرامكو. كما أزال العديد من أبناء الملوك السابقين من المناصب الهامة.
ويقول السيد "فريمان" إن هذا التمكين المفاجئ أثار استياء الأفرع الأخرى من العائلة.
في العام الماضي، نشرت رسالة مجهولة من ابن شقيق الملك على الإنترنت داعيا أعمامه لإزالة أخيهم الملك سلمان. زعمت رسالة لاحقة نشرت بعد أسابيع أن مائة مليار دولار قد منحت لأبناء الملك سلمان في حين أن عائدات مليوني برميل من النفط يوميا صارت في يد نجله. بينما يقول السيد "القصير" أن هذه المعلومات كانت خاطئة وأنه تم التلاعب بالأمير المنشق.
ولا تزال أسرة آل سعود تختلف بهدوء حول كيفية المضي قدما مع الشكوك حول خطط الإصلاح الاقتصادي للأمير محمد، والحرب التي يقودها في اليمن.
ويقول أمير ونجل لملك سابق تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "إن العائلة تود أن تكون موحدة حتى لو كان الجميع غير راضين".
في واقع الأمر فإن انتقاد الحكم السعودي ينطوي على مخاطر عدة، وقد اختفى ثلاثة من الأمراء الذين كانوا يعيشون في الخارج وانتقدوا السياسة السعودية عن الأنظار منذ تولي الملك «سلمان» السلطة. ويرجح أنه تمت إعادتهم إلى المملكة حيث لا يمكنهم التعبير عن خلافاتهم. (يؤكد السيد القصير أن أيا منهم لا يقبع في السجن أو تحت الإقامة الجبرية).
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة أن أميرا من ذوي الرتب المتدنية قد أعدم بتهمة القتل. وقد فسر البعض ذلك على أنه علامة على أن لا أحد فوق القانون، وأن أفراد العائلة الحاكمة لن يكونوا بمأمن من عواقب أفعالهم.
وبينما يستثمر أفراد الأسرة في الخارج منذ عقود من الزمن، فقد تسارعت وتيرة شرائهم للمنازل في العامين الماضيين، وفقا لـ«أمير أصلاني»، وهو وكيل أعمال يشرف على بعض عمليات استحواذ العائلة الحاكمة في فرنسا. يقول: "في حال ساءت الأمر بالنسبة لهم فإنه يمكنهم اللجوء إلى العيش في تلك الأصول. هم لا يقومون فقط بتأمين رؤوس أموالهم ولكن حياتهم المستقبلية".
وبعد انتهاء شهر رمضان في يوليو/ تموز، سافر العديد من أفراد العائلة المالكة إلى البحر الأبيض المتوسط. قام الأمير عبد العزيز، نجل الملك الراحل «فهد بن عبد العزيز»، باستقلال طائرة تزلج الصيف الماضي قبالة جزيرة فورمينترا الأسبانية قبالة يخته الذي يبلغ طوله 500 قدم.
وتقول "نيكول بولاد"، الرئيس التنفيذي لشركة تصميم أزياء في لوس أنجلوس، أن عميلاتها من الأميرات السعوديات اشترين حقائب من جلد التمساح وعبايات راقية مرصعة بالماس والذهب بمئات الآلاف من الدولارات.
وقال الأمير خالد، الأمير المنفي في ألمانيا، أنه سيكون من الصعب على نائب ولي العهد الضغط على دائرته الانتخابية إذا كان راغبا في الوصول إلى العرش. ويضيف: "لن يستطيع أن يصبح ملكا دون دعم العائلة الحاكمة".
والتوقعات بأن الانقسامات داخل بيت آل سعود قد تهدد قبضته على السلطة تكررت كثيرا عبر عقود. وعلى الرغم من تقدمه في السن، قام الملك سلمان بجولة خليجية مؤخرا ليبرهن على وجوده.
ويختم تقرير الصحيفة الإمريكية بالقول "اعتادت العائلة على التعامل مع هذه الأمور على مدار أكثر من ثلاثين عاما"، كما يؤكد "فورد فريكر" سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية. ويضيف: "نكمل معا أو نغرق معا".. هذه هي القناعة المتأصلة في الحامض النووي للعائلة الحاكمة".
Related
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.