اليمن/ نبأ- قال الكاتب فؤاد إبراهيم في تقرير لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، أنه وبمرور عامين على العدوان السعودي على اليمن، تتجدد صلاحية السؤال الأول: ماذا تحقق من الأهداف المعلنة؟ سؤال ينشق عنه طيف أسئلة من ذات السلالة الوثيقة الصلة بالأهداف التي تحوم حول قواعد الاشتباك، والمدى الزمني المتوقّع للحرب، والمساحة التي تدور فيها العمليات العسكرية.
وأوضح الكاتب، أن «استعادة الشرعية، وتأمين الحدود الجنوبية للمملكة السعودية، وتدمير مخزون الصواريخ الباليستية، وإخراج الحوثيين من المدن الكبرى ولا سيما العاصمة، صنعاء»، كلها صارت أهدافاً خارج سياق الحرب على اليمن في صورتها الحالية، وكذلك المدة الزمنية المقرّرة لتحقيق هذه الأهداف، وقد قيل حينذاك إنها تراوح بين أسبوع أو اثنين.
بيانات أحمد عسيري، وهو المتحدث الرسمي باسم «التحالف العربي» بقيادة السعودية، منذ بداية العدوان وتغيير وجهة الحرب، هي في الحد الأدنى على مستوى الشكل، وذلك بعد أقل من شهر على انطلاق العدوان بالانتقال من مرحلة «عاصفة الحزم» (26 آذار 2015) إلى «إعادة الأمل» (21 نيسان 2015)، التي وصفت بأنها «مرحلة لبناء مستقبل زاهر في اليمن» على حد قول صحيفة «عكاظ» السعودية بعد يوم من إطلاقها، مروراً بآلاف الطلعات الجوية، والزحوفات البرية، والإنزالات البحرية، وصور شتى من الحصار الشامل، والتجويع، والقصف المدفعي، والتدمير المنهجي للمنازل، وللمدارس، وللمستشفيات، ولمستودعات التموين، وللمختبرات، ولصوامع الغلال، ولرياض الأطفال، وصولاً إلى الموانئ وطرق المواصلات… كلها تؤول إلى نتيجة واحدة: إنها حرب على اليمن… كل اليمن.
لم يعد الحديث عن أهداف معلنة، ولا عن مدى زمني محدّد للحرب، لأن الركون إلى الأهداف والمدى الزمني يعني وفق القواعد العسكرية هزيمة صافية للتحالف السعودي. فبعد مرور عامين، يتصاعد الجدل حول المأزق الذي أوقع التحالف السعودي نفسه فيه بخوضه حرباً غير مكتملة الشروط لتحقيق نصر بات مستحيلاً. سقف التوقعات لدى الدول المشاركة في العدوان كان ينخفض بمرور الوقت، تعبيراً عن خيبة أمل شديدة من إمكانية حسم الحرب. باتت السعودية والإمارات، وهما الدولتان الأكثف حضوراً وضلوعاً في العدوان، على خصومة، تارة ظاهرة في تصريحات المسؤولين الإماراتيين (أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ونائب مدير شرطة دبي السابق ضاحي خلفان على سبيل المثال)، وقد حملت إشارات واضحة على خلاف إماراتي ــ سعودي في طريقة إدارة الحرب ومصيرها، وتارة في المواجهات الميدانية (النيران الصديقة)، بما يمثل انعكاساً لخلاف عميق حول مناطق النفوذ في الأرض اليمنية.
لكنّ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض جدّد الأمل لدى القيادة السياسية والعسكرية في الرياض لجهة: زيادة مستوى الدعم الأميركي للمملكة السعودية، وثانياً: زيادة مستوى الانخراط في الحرب على اليمن. كان مقترح إنشاء تحالف عسكري عربي يضم (السعودية، والإمارات، ومصر، والأردن)، تشارك فيه إسرائيل بالخدمات الاستخبارية، والولايات المتحدة بالدعم اللوجستي والاستخباري، هو الخط الأساسي لمرحلة جديدة تؤسس لتدخل عسكري أميركي في الحرب. مخاطر التدخل لم تعد غامضة، وقد ثبت من تجارب سابقة أن زيادة انخراط الولايات المتحدة في أزمات المنطقة، والنزاعات المسلّحة، يعني تعريض مصالحها وأمنها القومي للخطر.
ليس على سبيل التهويل حول المشهد الإقليمي والدولي في حال قررت إدارة ترامب اعتناق الرؤية السعودية في تغيير قواعد الاشتباك، وإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية في ضوء نزاعات المنطقة، والتحذير من ظاهرة «إيرانفوبيا»؛ إن سجّلاً من الأخطاء القاتلة في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم كفيل بإيصال صانع القرار الاستراتيجي في الولايات المتحدة إلى التأمل طويلاً في العبر من الحروب السابقة. مع ذلك، شكّل وصول ترامب انفراجاً لدى فريق الحرب في السعودية، مقابل الفريق الذي يمثّل محمد بن نايف قطبه الأبرز، ويرى أن الاستمرار يفضي إلى إنضاب المخزون المالي التراكمي لدى المملكة، وتدمير صدقية الأخيرة ومكانتها وهيبتها، إذ تخوض حرباً بلا أفق وخاسرة، والأنكى ما تبطنه من تداعيات خطيرة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
محمد بن سلمان زار واشنطن والتقى ترامب في 14 آذار، وكان ملف الحرب على اليمن في مقدمة الملفات المطروحة للمناقشة في سياق صفقة شاملة، كان فريق ترامب قد عرضها على الجانبين السعودي والإماراتي والمتمثلة في شن حرب على المحور الايراني، كما يسموّنه، وتكون اليمن الجبهة الأولى فيها. لناحية ابن سلمان، فإن الحفاوة التي حظي بها من ترامب خلال استقباله في البيت الأبيض، وقبوله مبدأ الحرب على إيران، يحملان دلالة على ترجيحه وريثاً للعرش بعد والده، في مقابل ابن نايف الذي أوحى تقليده وسام جورج تينيت، وهو مدير «سي آي أيه» السابق في شباط الماضي، بأنه خيار واشنطن لتولي الحكم بعد سلمان.
وبرغم أن حسماً نهائياً في ملف العرش لا يزال بعيد المنال نسبياً، في ظل الغموض الذي يلف أداء ترامب نفسه ومصيره، وفي ظل مخاوف الشركاء في الشرق الأوسط من تغييرات دراماتيكية في واشنطن قد تحدث انقلاباً في المواقف، فإن ثمة إشارات معاكسة قد تكون صدرت عن إدارة ترامب. يلفت سيمون هندرسون في «فورين بوليسي» في 23 آذار إلى أن دخول ابن سلمان إلى أميركا ليس كخروجه منها، فبعد الحفاوة المبالغ فيها من ترامب، وحرس الشرف، والضيافة، كان رحيله من الولايات المتحدة باهتاً، وبعيداً عن الأضواء وغير معلن، ومن دون حشود من المعجبين. يزداد الأمر غموضاً حين يوضع بجانب خبر العودة السريعة للملك سلمان الذي قطع جولته الآسيوية وعاد على عجل إلى الرياض من دون موعد سابق.
الثابت في زيارة ابن سلمان، أن صفقة باهظة الثمن جرى التداول حولها مع ترامب. إعلان برنامج استثماري بقيمة 200 مليار دولار يشي بتغيير جوهري في أصل الصفقة. لناحية
واشنطن، فإن زيادة وتيرة الانخراط العسكري الأميركي في اليمن، والموافقة على صفقة تكنولوجيا الصواريخ الموجّهة بدقة إلى السعودية التي كان الرئيس السابق باراك أوباما قد منعها بناءً على طلب 60 عضواً في الكونغرس، «ترسل إشارات مهمة حول أولوية الإدارة الأميركية الجديدة، وطبيعة المرحلة المقبلة التي ستقود خلالها واشنطن تحالفاً قوياً من أجل محاربة الجماعات المسلحة، وأيضاً من أجل تحجيم دور إيران في المنطقة»، وفق صحيفة «واشنطن تايمز» في 7 شباط الماضي.
مهما يكن، وفي ظل انقسام سياسي واجتماعي حاد داخل الولايات المتحدة، من الصعوبة بمكان التكّهن بما سوف يسفر عنه القرار الاستراتيجي الأميركي. ترامب، الذي يخوض حرباً مع الإعلام، والقضاء، والمجتمع الاستخباري، ويواجه انقسامات حادة على مستوى المؤسسة، والمجتمع الأميركي بصورة عامة، وكذلك على مستوى دول «حلف شمالي الأطلسي» المتصدّع، فيما تغذّي تصريحاته التوتر في العلاقات بين واشنطن وبكين، إلى جانب العلاقة الملتبسة بين واشنطن وموسكو، يعرف أن الانزلاق نحو حرب شاملة في المنطقة مغامرة معلومة العواقب.
من منظور استراتيجيين كلاسيكيين، إن مثل هذه الحرب ضرورية لإنقاذ الإرث الإمبريالي الكوني للولايات المتحدة، ولكن شروط نجاحها غير متوافرة؛ حلفاء واشنطن في المنطقة، السعودية والإمارات على وجه الخصوص، حاضرون لدفع فاتورة التحالف، على قاعدة التضامن الجماعي أمام أي عدوان خارجي (هنا إيراني)، وفق الصيغة التي أرادها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق مايكل فلين، ولكن قد تحمل استقالته إشارة سلبية، تتجاوز مجرد التخابر مع العدو، أي الروس، وخصوصاً أن الرجل كان الأشد حماسة لسياسة المواجهة مع إيران.
لا شك أن الرياض تطمح إلى أن تقود واشنطن مبادرة المصادمة مع إيران، وإن كانت البداية في اليمن، وهذا ما يعني الجانب السعودي أولاً وقبل أي مواجهة أخرى في الجبهات السورية والعراقية واللبنانية وحتى الإيرانية. بالنسبة إلى ملك الرياض ونجله، يمثّل اليمن مختبراً لجديّة ترامب في تنفيذ التزاماته للجانب السعودي في مواجهة سياسات إيران.
أيضاً، كانت النشرة اليومية «ذي أتلانتيك» قد انتقدت في 13 آذار سياسة ترامب في اليمن، قائلة إنها تكرار لخطأ ارتكبه أوباما بدخوله حرباً من دون موافقة الكونغرس، لخدمة المصالح السعودية لا الأميركية. وكان ترامب قد منح البنتاغون صلاحية العمل في ثلاث مناطق يمنية مصنّفة بوصفها «معادية»، وفي الوقت نفسه أعطى أوامره بتصعيد وتيرة الغارات الجوية من «طائرات دراون» برغم تزايد أعداد الضحايا من المدنيين.
على أي حال، إن تطابق أولولويات الرياض وواشنطن في المنطقة غير ممكن كما يبدو. فابن سلمان وضع في أجندته، خلال لقائه مع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أولويتيين: إيران والإرهاب. قد تشمل أجندة ترامب هاتين الأولويتين أيضاً، ولكن بمقاربتين مختلفتين. هزيمة «داعش» ليست أولوية سعودية، لكنها بالتأكيد أميركية، لمنع وصول التنظيم الإرهابي إلى أماكن أخرى من العالم، ولا سيما داخل الولايات المتحدة. وكذلك الحال بالنسبة إلى إيران، ففي حال استثنينا اللهجة الإعلامية المفهومة الأغراض، فلا مصلحة للولايات المتحدة في خوض حرب الوكالة عن السعودية أو حتى إسرائيل ضد إيران.
يواجه ترامب ضغوطاً أشد مما واجهها سلفه، أوباما في الحالة اليمنية، لذلك يزيد الإصرار على رفع مستوى الانخراط في الحرب في الانقسام العمودي، على مستوى المؤسسة الحاكمة، والانقسام المجتمعي. أما التحالف السعودي، فيواجه بعد عامين من العدوان تحديّات جديّة من داخل الولايات المتحدة وبريطانيا بكونهما أكبر مصدّري الأسلحة والقنابل المحظورة إلى السعودية، وهذا ما دفع الملك سلمان إلى التوجّه آسيوياً، وبدرجة أساسية صينياً لإبرام صفقات لشراء صواريخ ذكية وطائرات من دون طيّار، كون الصين تفتقر إلى آليات رقابة ومحاسبة كما حال الغرب.
يبقى السؤال: الحرب إلى أين؟ وهل من أفق لنهاية قريبة؟ وما مصير الحل السياسي؟ تجمع أطراف الحرب في الضفتين على أنه لا نهاية قريبة لها، وأن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، واستعداده لزيادة مستوى المشاركة في الحرب إلى جانب التحالف السعودي يمدّان في عمر العدوان بكل متوالياته (المجاعة، والمجازر، والدمار، وتعطيل كل أشكال الحياة). وفي النتائج، إن الحل السياسي غير وارد في المدى القريب، إنما تُنتظر مفاجأة ما ميدانية أو جيوسياسية ترغم النظام السعودي على قبول الحل السياسي.
واشنطن أحد أسباب المجاعة
في 22 آذار الجاري، تناول موقع «ذي أنترسيبت» تداعيات استئناف شحنات الأسلحة الأميركية إلى السعودية في إطار دعم حملتها العسكرية الكارثية في اليمن. مسؤول في الخارجية الأميركية أبلغ الكونغرس أن النزاع الذي مضى عليه سنتان أدّى إلى «أكبر مجاعة طارئة في العالم». ونُقل عن غريغوري غوتليب، وهو مدير مساعد بالنيابة لـ«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) قوله لأعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إن النزاع الذي تشارك فيه الولايات المتحدة بكونها شريكاً صامتاً، ترك غالبية الشعب اليمني تصارع من أجل الحصول على الغذاء. فهناك أكثر من 17 مليون يمني، أي ما يعادل 60% من السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، إلى جانب 7 ملايين غير قادرين على البقاء من دون مساعدة، وهذا «يجعل اليمن أكبر حالة طوارئ للأمن الغذائي في العالم».
لقد ازداد الوضع سوءاً، فيما تتحضر القوات المدعومة من السعودية للسيطرة على ميناء الحديدة، الذي منه يتمّ تأمين 70% من المساعدات الغذائية لليمن. في بداية الحرب، استهدفت الطائرات الحربية السعودية الشاحنات التي يتم استخدامها لإفراغ البواخر، مذّاك، تسببت الغارات الجوية من التحالف السعودي في تعطيل وصول المساعدات إلى الميناء. وفيما تطالب المنظمات الإنسانية إدارة ترامب بالتدخل لتأهيل الميناء من أجل تسهيل وصول المساعدات، فإن السفير الأميركي السابق لدى صنعاء فيرستاين قدّم شهادته أمام الكونغرس في 9 آذار الجاري وطالب بتدفق السلاح المطلوب إلى السعودية والسيطرة على الحديدة!