أردوغان وداعش: تلاقي نهج ومصالح سياسيّة، وتركيا أمام مرحلة جديدة

تركيا / نبأ – تمتعت الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة بأهمية كبرى بالنسبة للتاريخ السياسي التركي، ويطرح فوز رجب طيب أردوغان أسئلة حول طبيعة الفترة القادمة في تركيا، وماهية التغييرات التي سيجريها على المستويين الداخلي والخارجي، في هذا السياق يتحدث الخبير في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين في حديث مع قناة “نبأ” عن محطة مفصلية في تاريخ الجمهورية التركية وعمّا يسمونه بعض الساسة الأتراك بـ”تصحيح مسار” السياسة الخارجية التركية، بعد المتغيرات والتطورات العديدة التي حدثت في المنطقة، خاصة بعد صعود “داعش” الإرهابي.

داخلياً: سياسة أردوغان الإقصائية

الخبير في الشؤون التركية أشار إلى أنّ “حزب العدالة والتنمية مرّ عليه في السلطة حتّى الآن 12 سنة، وطوال كل هذه المدة كان هناك شخصين يديران السياسة هذه السلطة، الأول هو رجب طيب أردوغان (زعيم الحزب، رئيس الحكومة على إمتداد هذه السنوات)، والثاني هو الرئيس التركي عبدالله جول، الذي كان حتّى العام 2007 أحد الروافع الأساسيّة والمدافع الثقيلة داخل حزب العدالة والتنمية”.

وأشار نور الدين إلى أنّ عبدلله غول “عندما أصبح أوّل رئيس إسلامي لتركيا في العام 2007، كان على إنسجام تام مع رجب طيب أردوغان وكانا يتوزعان الأدوار، وهو يمرر معظم القرارات الأساسيّة للحكومة والقوانين كونه رئيس للحكومة”.

ويرى نور الدين أنّ “مرحلة جديدة تتحضر مع إنتخاب أردوغان رئيس للجمهورية عنوانها الأساسي هو المزيد من الاستئثار بالسلطة في يتركيا”.

ويشرح الخبير في الشؤون التركية هذه المرحلة “بتناغم النهج بين أردوغان أو عبدلله غول وأيضا فيما بعد وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، لكن طريقة التعاطي مع القضايا إختلف بين هؤلاء بالشكل وبالأسلوب، حيث كان عبدالله غول أكثر موضوعية وهدوء وعقلانية بالتعاطي مع القضايا، بينما أردوغان ديناميكي وإنفعالي وخطيب ساحات وزعيم جماهيري”.

وتابع نور الدين معتبراً أنّ “ثنائية غول- أردوغان سقطت مقارنةُ مع ثنائية بوتين- مادفيديف في تركيا على إعتبار أنّ أردوغان عندما ترشح لرئاسة الجمهورية كان يردد ويطلق تصريحات مختلفة بأنّه يسفعّل صلاحيات رئيس الجمهورية، أي أنه سيترأس إجتماعات مجلس الوزراء ومن المؤكد معظمها إن لم نقل جميعها، على أساس أن الدستور يسمح له بذلك”، وأشار إلى أنّ “هذا الدستور وضع في العام 1982 من قبل العسكر ولا يزال معمول به رغم الكثير من التعديلات”، وأنّه “لم يترأس أي رئيس تركي إجتماعات مجلس الوزراء منذ وضع الدستور وحتّى الآن”.

وقول أردوغان أنّه سيترأس هذه الإجتماعات يعنّي أنّ ” الأخير يريد الإنتقال إلى رئاسة الجمهورية لكنه دون أن يكون هذا الإنتقال كعادة الرئساء الأتراك بأنهم يرتاحون من العمل السياسي حيث يصبح موقع الرئاسة شرفي بالنسبة لهم إن كان مع فولكان ديميريل سابقاً أو مع تورغوت أوزال مثلاً”، موضحاً أنّ “الزعيم في تركيا يمارس دوره وفعاليته من موقع رئيس الحكومة حيث الصلاحيات الأكبر، وعندما يريد أن يرتاح إذا صح التعبير، ينتقل إلى موقع رئاسة الجمهورية، لكن أردوغان بإعتبار شخصيته مختلفة كانت تحول دون أن يستمر عبدلله غول في السياسة بعد أن يخرج من موقع رئاسة الجمهورية”.

ويوضح الخبير في الشؤون التركية في هذا السياق سياسة أردوغان الإقصائية حيث “دعا إلى المؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية بعد أن تم إنتخابه رئيساً، على أن يكون المؤتمر في 27 أغسطس/آب، وذلك بعد ثلاث ساعات من تصريح غول بما معناه أن موقعي الطبيعي أن أعود إلى الحزب، أي إلى زعامة الحزب وأن يكون رئيس حكومة، لكن ما فعله أردوغان أنه حدد موعد المؤتمر قبل بيوم واحد إنتهاء ولاية عبدلله غول الرئاسية، وبذلك يقام المؤتمر ويتم إنتخاب أحمد داوود أوغلو ورئيس الحزب وبالتالي رئيس الحكومة وتحسم الأمور في الوقت الذي يكون غول لا يزال رئيساً للجمهورية فلا يحق له المشاركة لأن رئيس الجمهورية يجب ألاّ يكون حزبي”.

وإعتبر “أن نهج خطة أردوغان في الداخل هو تعزيز قبضة الحكم بيده، أي أنّ مشروعه هو الإستئثار الكامل بالسلطة، والإنتقال بمركز الثقل بالنظام السياسي إلى حيث هو يكون حتّى خارج الدستور، من هنا تم إخياره لشخص لا يشكل أي خطر عليه وهو أوغلو.. وذلك يعود إلى رغبة أردوغان بالإنتقال نظام الحكم من نظام برلماني متعدد إلى نظام رئاسي وفي حال عدم قدرته على تحقيق هذا الإنتقال، بجعل أوغلو رئيساً للحكومة يمكن له أن يتابع الحكومة ويترأسها كما في النظام الرئاسي”.

ويرى نور الدين “أنّ الإنتخابات القادمة ستكون التحدي الأوّل والأساسي والإستحقاق الأهم لتحقيق حزب العدالة والتنمية هدفه بإنتقال النظام إلى رئاسي”، ويوضح ” بأنّ الحزب (يملك 318 نائب) إذا إستطاع أن يحصل على نسبة ثلثي الأصوات (أي 367 نائب) في البرلمان يمكن له تعديل الدستور وفقاً لما يريد”، مشيراً إلى أنّ “330 صوت في البرلمان يتيح للحزب حسب الدستور أن يقوم بطرح إقتراح تعديل الدستور على إستفتاء شعبي”. ولذلك يرى المحلل السياسي أنّ “التحدي الأساسي لحزب العدالة والتنمية هو الحصول في الإنتخابات القادمة إمّا الثلثين أو على الأقل 330 نائب”.

خارجياً: علاقة تركيا بداعش

أشار نور الدين إلى أنّ “11 بالمئة (أي على الأقل مليونين) من حزب العدالة والتنمية لا يعتبر “داعش” منظمة إرهابية”، مضيفاً إلى أنّه “لم يعلق بكلمة حتّى الآن حول القرار 2170 لمحاربة داعش وجبهة النصرة”، معتبراً أنّ ذلك إن دل على شيء، دل على أن “داعش حليف يؤمن المصالح التركية في المنطقة”.

وإعتبر المتخصص في الشؤون التركية أنّ “سياسة حزب العدالة والتنمية وسياسة داعش تتشابهان من حيث الأسلوب، حيث أنّ لكل منهما سياسة إلغائية وتهدف إلى إبادة الآخر حيث يحاول أردوغان إبادة كل من لا يتناسب مع سياسته في تركيا”، معتبراً أنّ ذلك ليس فقط على الصعيد الداخلي، وإنما على الصعيد الخارجي، حيث “أراد إلغاء الرئيس السوري بشار الأسد ونوري المالكي في العراق لأنّه كان يشكل عقبة أمام تمدد النفوذ التركي”. مشيراً إلى أنّه على خلاف مع “السعودية والإمارات والكويت ومع المؤسسة العسكرية في مصر ومع شيخ الأزهر”.

وإعتبر أنّ “مركز الثقل لداعش كان في سوريا بالتحديد على الحدود التركية مع سوريا، حيث أباحت تركيا الباب بحراً وبراً وجواً لكل الدعم العربي والغربي لتمويل ودعم الجماعات الإرهابية عسكريا وماديا ومعنوياً وبشرياً” ما يعني أن أردوغان له اليد الطولى في تنامي هذه الجماعات.

وإعتبر نور الدين أن “الهدف الأساسي لسياسة الخارجية التركية مع بدء ثورات الربيع العربي هو الإطاحة بالنظام في سوريا الأمر الذي يحقق له كسر المحور الممتد من طهران إلى بيروت، وبالتالي تشديد الضغط على حزب الله والمقاومة في لبنان، وبالتالي كسر النفوذ الإيراني في المنطقة، بهذه المعادلة يتحقق المشروع التركي الكبير، الذي يكتمل فيما بعد بالسيطرة على مصر وليبيا وتونس وتبقى السعودية معزولة في الجزيرة العربية”. وإعتبر أنّ أردوغان “من أجل تحقيق هذا الهدف لجأ إلى التعاون مع الشيطان من أجل نجاح إسقاط النظام”.

وعمّا إّذا كانت تركيا ستشارك مع الحلف الدولي الجديد لمحاربة التنظيمات الإرهابية من بينها داعش، يرى الخبير في الشؤون التركية أنّ أردوغان إعترض على تصريح أوباما عندما تحدث عن إحتمال توجيه ضربة بطيران بدون طيّار لداعش في العراق، فهو لا يريد توجيه ضربة لداعش بينما كان هو من أكثر المتحمسين لكي تضرب أميركا سوريا بسبب الأسلحة الكيماويّة ومن دون قرار من مجلس الأمن أي الخروج عن الشرعية الدولية وهو الأمر الذي يتعارض من الدستور التركي”.

ويرى نور الدين أنّ “التحالف الدولي ضد داعش في حال ترجم على الأرض ستكون تركيا من أكثر المتضررين، لأنّه يضرب إحدى الأدوات الأساسية لسياستها في الشرق الأوسط”.
(نبأ)