بدأ التصعيد الذي انتهجته الدول الأربعة في أزمتها مع قطر، والذي رافقه دعمٌ أميركي مطلق، ينتج تراجعاً للدور الأميركي في المنطقة، تحاول واشنطن لملمة تبعاته عبر الإعتراف بالدرو العُماني المقرّب من إيران في بلورة الحلول.
تقرير عباس الزين
أثبت انعكاس الأزمة الخليجية تقارباً أكثر بين قطر وإيران فشل دول المقاطعة في فرض شروطها، على الرغم من الدعم الأميركي. وضع انطلاق الأزمة من ضرورة قطع قطر لكامل علاقاتها مع إيران، ودعم واشنطن لهذا الخيار، الأخيرة أمام حائطٍ مسدود، لعدم إمكانية تحقيق هذا المطلب.
ليست قطر الوحيدة التي لديها علاقات مع إيران، وضع هذا الشرط كأساسٍ لعضوية مجلس التعاون الخليجي، سيبقي السعودية وحيدة في المجلس. فالإمارات، الحليف الأبرز للسعودية في حملتها ضد قطر، لديها علاقات تجارية واقتصادية مع إيران، لم تتأثر بأي شكلٍ من الأشكال بالأزمة الأخيرة. وتستحوذ الإمارات على نسبة 90 في المئة من حجم التجارة بين إيران ودول الخليج مجتمعة.
مع تنامي الدور التركي – الإيراني الداعم لقطر، ومخاوف أميركية من انهيار مجلس التعاون الخليجي الذي تم تأسيسه لمواجهة إيران، بدأت واشنطن اتخاذ خطواتٍ بعيدةٍ عن التوجهات السعودية. ووصفت صحفٌ أميركية عدة منها “فورين أفيرز” و”واشنطن بوست” المرحلة الحالية للدبلوماسية الأميركية بأنها “الأسوأ منذ عقود”، مقدمة النصر للبيت الأبيض بأنّ سلطنة عُمان الأقدر على حل الأزمة الخليجية، وأنّ الانحياز إلى دول المقاطعة ضد قطر سيؤدي إلى تراجع الدور الأميركي في المنطقة.
في 8 يوليو/تموز 2017، وقبل ثلاثة أيام على استقبال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون نظيره العُماني يوسف بن علوي في واشنطن، أجرى الرئيس الأميركي اتصالاً هاتفياً مع سلطان عُمان، قابوس بن سعيد، تناول فيه المساعي القائمة حالياً لمعالجة الأزمات في المنطقة.
سلطنة عمان من أكثر الدول بعداً عن الموجة الأميركية في الخليج، أضحت باب الحل الذي يسعى ترامب إلى طرقه من أجل لملمة تبعات الأزمة، وما خلفته من تراجعٍ للدور الأميركي. فترامب الذي ألقى خطاباً في القمّة العربية الأميركية أثنى فيه على جهود جميع دول مجلس التعاون بمكافحة الإرهاب، باستثناء عُمان، ها هو يعود إلى الأخيرة، في خطوةٍ تحمل دلالات تراجع.
كانت العلاقة المتميزة بين مسقط وطهران سبباً لشبه قطيعة بين إدارة ترامب والبلد الخليجي. حافظت سلطنة عُمان على علاقاتها مع طهران. وأبلغت واشنطن مسقط مؤخراً عدم توقّعها قيام الأخيرة بقطع علاقاتها مع إيران، ما يعني تخلي إدارة ترامب عن شرطها لعودة العلاقات الطبيعية بينها وبين مسقط.
ينافي تقدير واشنطن للقيمة التي تلعبها مسقط في بلورة حلول المنطقة أي قبولٍ بسياسات الرياض. وتؤكد الهوة العميقة بين الرياض ومسقط في التعامل مع الأزمات أن واشنطن بدأت تعي الخطورة التي تشكلها السياسات السعودية على دورها في المنطقة، ويقابل ذلك، كنتيجة حتمية، اعتراف أميركي بالدور الإيراني في المنطقة على الصعد كافة، من بوابة الحليف الخليجي لطهران.