السعودية/ الأخبار- ينتظر السعوديون اليوم صدور الحكم بحق «الأسير» الشيخ، نمر النمر، في التهم الموجهة إليه من قبل الادعاء الذي طلب إنزال حكم «حد الحرابة» بحقه. قضية أرهقت نظام «آل سعود» ووضعته في مأزق، فمن جهة يدرك النظام خطورة إنزال عقوبة الإعدام بالشيخ على أمن المنطقة الشرقية، ومن جهة أخرى، فهو غير قادر بعد على القبول بمبدأ التسوية السياسية للقضية. ومهما تكن خيارات النظام، فإنّ الأكيد أن الشيخ انتصر على «جلاده».
خياران لا ثالث لهما اليوم أمام النظام السعودي في مواجهة «الأسير» الشيخ نمر النمر. إما الحكم عليه بحد الحرابة والذهاب إلى مواجهة مع أهالي المنطقة الشرقية، أو تأجيل إعلان الحكم إلى موعد جديد لحين نضوج تسوية تتيح الانتهاء من القضية.
قضية الشيخ النمر، التي بدأت فصولها منذ إلقاء القبض عليه في 8 تموز 2012، تنتظر اليوم النطق بالحكم بعد 11 جلسة قدّم فيها المدعي العام ادعاءه بحق الشيخ اتهمه فيها بـ«الخروج على ولي الأمر» و«إشعال الفتنة الطائفية» و«حمل السلاح في وجه رجال الأمن» و«جلب التدخل الخارجي» و«دعم حالة التمرد في البحرين».
وبناءً على هذه «التهم»، طلب المدعي العام في أولى الجلسات في 29 آذار 2013 الحكم على الشيخ بحد الحرابة (وهي أقصى أنواع الإعدام في السعودية) التي لا يمكن الرجوع عنها إلا بقرار ملكي. وفي الأول من أيلول الجاري، أنهت المحكمة الجزائية باب المرافعة، وحددت اليوم موعداً لإصدار الحكم.
لا يمكن النظر إلى الحكم الذي سيصدر اليوم من دون إلقاء نظرة على وضعية المحكمة التي سيصدر عنها الحكم أولاً، وثانياً على التناقض في التهم التي وجهها الادعاء العام بحق الشيخ والتي يطالب على أساسها بإنزال عقوبة الإعدام بحقه.
أولاً: تعاني المحكمة الاستثنائية التي أنشئت بقرار ملكي، خللاً في إجراءاتها وفي نظامها، فهي محكمة لا تقع ضمن النطاق القضائي السعودي. قرار إنشائها جاء بطلب من وزارة الداخلية، وتخضع لسلطة الوزارة التي تدخلت في تشكيلها وفي تعيين القضاة.
المحكمة التي أنشئت خصيصاً باختصاص «مكافحة الإرهاب» والتي عُمِّمت صلاحياتها لتشمل ما يسمى «الجرائم السياسية»، يفترض أن تطبق في نظام إجرائها نظام الإجراءات الجزائية السعودية، إلا أنه دائماً ما يُتجاوَز هذا النظام على الرغم من قصوره في تحقيق مبادئ العدالة القضائية.
كذلك ترتكز المحكمة على نظامين: نظام مكافحة الإرهاب، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية.
وتخضع المحكمة لنظام أمني معقد في أجراءاته اللوجستية، فمبنى المحكمة أشبه بثكنة عسكرية من حيث نظام الدخول إليها والتفتيش على مداخلها.
يمكن الاستنتاج بعد التعريف بالمحكمة ونظامها، بشأن وضع المتهم الماثل أمامها ووضع الدفاع وحرية حركته في الدفاع عن موكله.
بحسب مصادر حقوقية سعودية تحدثت إليها «الأخبار»، فإن المتهم الماثل أمام «المحكمة الاستثنائية» لا يمكنه توكيل محامٍ للدفاع عنه إلا بعد الانتهاء من التحقيقات الأمنية ورصد ما يطلق عليه «الاعترافات الخاصة» وتصديق اعترافات المتهمين في هذه القضايا، وبعد إحالة الملفات على هيئة التحقيق والادعاء لصياغة التهم القانونية الموجهة إليهم، على الرغم من أن نظام الاجراءات الجزائية يعطي المتهم الحق في توكيل محامين في فترتي التوقيف والتحقيق.
وتلفت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، إلى أن «الأسوأ من ذلك كله» أنه وفق إجراءات المحكمة لا يترتب على المحكمة بطلان الإجراءات الواردة وفق ما يقتضيه نظام الإجراءات الجزائية ومبادئ العدالة القضائية الناجزة في كل بلاد العالم.
في حالة الشيخ نمر النمر، طبقت هذه الإجراءات بحذافيرها. فمنع محاميه صادق جبران من حضور جلسات التحقيق مع الشيخ، كذلك لم يتمكن جبران من الاطلاع على ملف القضية إلا عندما بدأت جلسات المرافعة في القضية.
أما من ناحية التهم الموجهة إلى الشيخ، فلا يمكن النظر إليها دون ظروف التحقيق الذي أجري معه.
فكما هو معلوم، أُصيب الشيخ أثناء إلقاء القبض عليه بأربع رصاصات بقيت واحدة منها في ظهره، أصيب على إثرها بالإعاقة. وجرى التحقيق في ظروف صحية ونفسية قاسية. مورست بحقه أصناف من التعذيب النفسي، من وضعه طوال العامين في سجن انفرادي في سجن الحاير في الرياض (أكبر سجون السعودية)، كذلك منع من الاتصال بأهله في الفترات الأولى. ومنع أيضاً من المشاركة في دفن زوجته التي توفيت بعد 20 يوماً من إلقاء القبض عليه، وحتى المشاركة في عزائها.
وجد الادعاء نفسه أمام مأزق «صدقية» التهم التي وجهها إلى الشيخ، في مقابل صمود الشيخ ودفاعه عن نفسه أولاً، وقدرة محاميه، صادق جبران، في دحض التهم وفي الوقوف في وجه الادعاء، ووصلت المواجهة بين المحكمة والمحامي إلى حد منع القاضي محامي الشيخ من التصريح الإعلامي. وباستثناء صحة الادعاء بأن الشيخ دعم الثورة في البحرين، وبأنه خرج في تظاهرات تطالب بالحرية والعدالة والحقوق لأهالي المنطقة الشرقية، إلا أن الادعاء لم يستطع في كل جلسات الاستماع تثبيت التهم بحق الشيخ في قضايا «إشعال الفتنة الطائفية» و«حمل السلاح في وجه رجال الأمن» و«جلب التدخل الخارجي».
وفي الجلسة الأخيرة، تحديداً في الأول من أيلول، عمد الادعاء إلى استعمال خطب «ممنتجة» للشيخ لإدانته بتهم «التحريض على العنف» و«دعم أهل البحرين». إلا أن الشيخ ومحاميه تمكنا من رد التهم وإظهار بطلان ادعاء المدعي.
كذلك رفضت المحكمة طلب الدفاع باستجواب الفرقة الأمنية التي ألقت القبض على الشيخ في 8 تموز، لدحض التهمة بأن الشيخ واجه الفرقة بإطلاق النيران عليهم، في وقت أن الشيخ أصيب بأربع رصاصات في الصدر، وفي ذلك انتهاك لحق الشيخ في إثبات بطلان التهم الموجهة إليه.
أما في تهمة «جلب التدخل الخارجي» والمقصود هنا طلب دعم إيران، فلم يستطع الادعاء الإثبات والكشف عن أي مستند يدين الشيخ، بل على العكس من ذلك، فإن الشيخ معروف عنه أنه ليس على حالة وفاق مع النظام الإيراني ومشروعه في المنطقة، كذلك لديه ملاحظات على نظام «ولاية الفقيه»، وهو قد سجن سابقاً في إيران إبان دراسته في قم لمدة عشرة أشهر نهاية سنة 1979 نتيجة آرائه المعارضة. كل ذلك يقودنا إلى رأي أهل الشيخ بأن قضيته في الأساس قضية سياسية تحل في الإطار السياسي، الذي يتضمن بالأساس تنفيذ المطالب التي خرج بسببها أهالي المنطقة الشمالية، وهي الحرية والعدالة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
عائلة الشيخ أكدت أن إنزال عقوبة الإعدام بحقه دونه عواقب كثيرة، ليس أقلها عودة الحراك إلى وهجه إبان انطلاقته في 2011، وما يترتب على ذلك من عودة الأزمة إلى مواجهات بين النظام وأهالي المنطقة الشرقية.
كذلك رأى العديد من الناشطين في حراك المنطقة الشرقية، في رد على سؤال «الأخبار»، «أن حكم الإعدام من شأنه التأسيس لمرحلة جديدة في علاقة الشيعة مع الدولة السعودية، إذ ستترتب عليه تداعيات على المستوى الوطني والإقليمي. من ضمنها انخراط مجموعات شبابية متحمسة ومقهورة وتشعر بغبن النظام في مواجهة مع النظام تدخل المنطقة في أتون الصدام».
موقف يؤكده الناشط في الحراك، علي الدبيسي، الذي قال إنه «إذا ازدادت السلطة في حماقتها، وحكمت بالإعدام على الشيخ، فإن ذلك بكل تأكيد سيشعل الحراك بشكل غير مسبوق، ليس في المنطقة الشرقية فحسب، بل أوسع من ذلك، وبمختلف الوسائل والآليات». وأوضح الدبيسي في حديث لـ«الأخبار»، أن نظام «آل سعود» «سيكون المتضرر الوحيد من حكم الإعدام، على المستويين الشعبي والمستوى الدولي».
ويضيف أن الحكم بالإعدام «سيلحق ضرراً بصورة النظام السعودي في المحافل الدولية، لن تتمكن من تحمله، وسيؤكد سمعتها السيئة على مستوى حقوق الأفراد، بما لا تستطيع تجميلها أو تحسينها».
بدوره يرى الكاتب السياسي، علي الغراش أن «تداعيات الحكم لن يكون النظام السعودي قادراً على التكهن بآثارها ولا بحجم تداعياتها، فهي أشبه بـ«الحريق الذي سيتجاوز حدود الوطن»».
في مقابل ذلك، توقع الغراش في حديث لـ«الأخبار» أن «تدرك الجهات المسؤولة مدى خطورة إصدار حكم الإعدام على شخصية بحجم الشيخ النمر»، وبالتالي تأجيل الحكم إلى جلسة أخرى لحين نضوج حل يحفظ للسلطات ماء وجهها.
من جهته، رأى الناشط حمزة الشاخوري أن «الظروف الداخلية والمعطيات الإقليمة والدولية لا تخدم ولا تساعد النظام لكي يلجأ إلى التصعيد عبر إصدار حكم الإعدام»، موضحاً في حديث لـ«الأخبار» أن «النظام يبحث عن مخرج لإغلاق ملف القضية وحله عبر تسوية شاملة للملف السياسي في المنطقة». واستدرك بالقول إن «النظام حين يقرر الإفراج عن الشيخ النمر، فسينتظر حدثاً يمنحه الفرصة لتجاوز النقمة الوهابية السلفية التي قد تنتج من مثل هذه التسوية. قد يلجأ النظام إلى مزيد من التأجيل والمماطلات لحين بلورة اتفاق لا يكون فيه مضطراً إلى الظهور بموقف الضعيف في المواجهة».
أما حل القضية، فبإجماع أهل الشيخ و«النخب الشيعية» لن يكون إلا بالعودة عن التهم الموجهة إلى الشيخ، كذلك ضرورة العفو عن جميع معتقلي الرأي والحراك في المنطقة الشرقية وفي بلورة حل سياسي للأزمة في المنطقة الشرقية يجنب المنطقة الكثير من المخاطر على غرار المصالحة التي جرت في ايلول 1993 بين الملك فهد والمعارضة «الشيعية» يومها.