لم تكد تمر ساعات على إعلان السعودية عن مشروع “نيوم” حتى بدأت تتكشف أبعاده السياسية والاستراتيجية، والتي تمهد جميعها لصالح التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
تقرير رامي الخليل
عادت الانظار إلى جزيرتي تيران وصنافير من جديد، وهذه المرة عبر بوابة مشروع “نيوم” الذي اعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع ما سيرافقه من تغيرات جيوسياسية في المنطقة، تجعل من التطبيع بين السعودية واسرائيل أمراً واقعاً. وعلى الرغم من نفي المملكة المتكرر لهكذا أمر، إلا ان كيان الاحتلال يؤكد على ان الحضور السعودي في البحر الأحمر يخدم وجوده.
مخطط مشروع “نيوم” الذي شمل جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازل عنهما نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للرياض، كشف أبعاداً اقتصادية وسياسية جديدة للمشروع تتخطى ما كان أعلنه محمد بن سلمان، وهو لن يشمل السعودية، الأردن ومصر فقط، بل باتت إسرائيل طرفاً رابعاً فيه بحكم الأمر الواقع، لتصبح الأطراف الأربعة التي شكلت نواة التحالف العربي – الإسرائيلي برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب شركاء في مشروع سياسي واقتصادي يؤكد وحدة المصير.
يعيدنا المدى الجغرافي لمشروع “نيوم” إلى معاهدة السلام الموقعة بين مصر وكيان الاحتلال في عام 1979، وقد باتت السعودية بملكيتها لتيران وصنافير، ملزمةً بالمحافظة على حرية مرور سفن الكيان الإسرائيلي في مضيق تيران وخليج العقبة في البحر الأحمر، وبالتالي حماية أمنه الاقتصادي.
يأتي مشروع مستقبل المملكة الاقتصادي والعملي والفكري، في حين لا تنكر الرياض وجود علاقات مع الاحتلال، إذ يزعم مديرُ “مركزِ الشرقِ الأوسط للدراساتِ الاستراتيجيةِ والقانونية” اللواءُ السعوديُّ المتقاعد أنور عشقي، أن طبيعةِ التواصلِ بين المملكةِ والكيانِ “علميٌّ وفكريٌّ وإنساني فقط”، نافياً في مقابلةٍ على قناةِ “روسيا اليوم”، أي تواصل سياسي.
يتقاطع هذا الواقع مع ما كانت ذكرته صحيفة “التايمز” البريطانية في يونيو / حزيران 2017 عن وجود مباحثات ديبلوماسية بين السعودية وإسرائيل لبناء علاقات إقتصادية، ترى فيها تل ابيب ضمانة وجودية.
وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس اقترح في يوليو / تموز 2017 إنشاء شبكة سكك حديد إقليمية تربط إسرائيل بدول الخليج مروراً بكل من مصر والأردن والسعودية، وهو اقتراح قد يجد طريقه للتحقق عبر مخطط تنفيذ جسر الملك سلمان الذي يمر بتيران وصنافير ويربط السعودية بمصر، مع ما سيترتب عليه ذلك من تغييرات في سياسة المنطقة واقتصادها وجغرافيتها.
وفيما كان لسيطرة الرياض على مضيق باب المندب الأثر الايجابي لدى كيان الاحتلال، وضعت تهديدات قائد حركة “أنصار الله” السيد عبدالملك الحوثي إسرائيل أمام معضلة الحفاظ على أمنها الاقتصادي في البحر الأحمر.
يرى رئيس قسم الأبحاث في “مركز هرتسليا” الجنرال شاؤول شاي في المملكة “الضامن لحماية وتأمين خطوط الملاحة التي تسلكها تجارته”، مشيراً إلى أن سيطرة ما يحلو له وصفه بـ”التحالف العربي السني” الذي تقوده السعودية على مضيق باب المندب، “يعد من أهم التحولات الإيجابية التي طرأت في منطقة البحر الأحمر بالنسبة إلى إسرائيل”.