دفعت السياسة العبثية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفرض استبداده وسطوته على المملكة بالعديد من أصحاب الرأي والكفاءات إلى الهروب خارج البلاد، فيما يبحث البعض تشكيل نواة معارَضة.
عاطف محمد
فور تولي محمد بن سلمان ولاية العهد عقب عزله لابن عمه محمد بن نايف من المنصب، وفرض الإقامة الجبرية عليه في أواخر شهر يونيو / حزيران 2017، بدأت السلطات السعودية حملة قمع واعتقالات واسعة اتجاه معارضيها في سبتمبر / أيلول من العام نفسه، حيث اعتقل المئات من الأكاديميين والسياسيين والاقتصاديين بالإضافة إلى رجال الدين.
“السعودية تحوّلت إلى زنزانة كبيرة في عهد ولي العهد وحاكم البلاد الفعلي محمد بن سلمان”، كان هذا العنوان لافتتاحية صحيفة “واشنطن بوست” عندما بدأت حملة الاعتقالات. واليوم، يستهدف ابن سلمان أصحاب الفكر والسلطة والجاه والنفوذ والمال، وهي ظاهرها يسوقها على أنها حرب على جبهتي الفساد والإرهاب، أما في باطنها رغبة في التخلص والانتقام من خصوم حقيقيين أو محتملين.
ليست الحملة عبثية إنما يديرها بن سلمان نفسه، وقد استحدث تطوراً خطيراً في سياسة الاعتقالات الداخلية بعد إنشائه لجهاز أمن الدولة الذي يتبع له بشكل مباشر، حيث بدأت السلطات بملاحقة عائلات المعتقلين أو المعارضين الهاربين إلى خارج المملكة والتضييق عليهم واعتقال بعضهم.
آخر ضحايا بن سلمان كان أستاذ الفقه في “جامعة الإمام” والمشرف على موقع “فضيلة” الإلكتروني، الداعية جمال الناجم. وقبل اعتقال الأخير بيومين، اعتقلت السلطات الإعلامي تركي الدوسري، لينضم هذان المعتقلان إلى آلاف معتقلي الرأي في سجون المملكة. فابن سلمان لم يرحم حتى والدته التي وضعها تحت الإقامة الجبرية.
وكانت “الفيدرالية العربية لحقوقِ الإنسانِ” قد اتهمت السلطات السعودية بابتزازِ نشطاء الرأي من خلال تهديدهم واعتقال عوائلِهم. واعتبرت، في بيان، أنَّ الأحكام المستهجنة ضد النشطاء والمعارضين السلميين تظهر غياب أيّ تسامح من السعودية اتجاه حقوقِ الإنسان.
ووسط حالة من الكبت ومنع التعاطف أو التغريد على “تويتر”، يُغيّب دعاة وقادة رأي وحقوقيون وإعلاميون في غياهب السجون من دون تهم أو محاكمات، بينما يشتري أصحاب المليارات حرية مشروطة وغير مكتملة المعالم، وهو ما حصل مع الذين أفرج عنهم من فندق “ريتز كارلتون” في الرياض.
على الرغم من القمع غير المسبوق، إلا أن ابن سلمان تسبب في نشوء أعداء أقوياء للرجل داخل الأسرة الملكية ووسط النخبة المالية، كما أن سياساته دفعت بالمزيد من الكفاءات إلى الهرب خارج السعودية والانضمام إلى المعارضة.