أخبار عاجلة

الترفيه وتحسين “صورة الإسلام” في السعودية

صحيفة “القدس العربي” زاوية (رأي القدس)

خلال جولة العلاقات العامة الطويلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما لم يكفّ صاحب «رؤية 2030» عن تكرار أنه سيحسن «صورة الإسلام».

انصبّ «التحسين» على تخفيف القيود الكبيرة على النساء في المملكة، من قبيل فكّ الحظر التاريخي عن سياقة المرأة للسيارة وحضورها للملاعب الرياضية والفعاليات الفنية، وتكريس اهتمام هائل بقطاع «الترفيه»، الذي تعدّدت الأرقام المالية الهائلة التي تريد المملكة استثمارها فيه، ومنها رقم 64 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وعن خطط سريعة لافتتاح مدن ترفيهية، وفتح مئات الصالات السينمائية، وتنظيم أكثر من 5 آلاف عرض ترفيهي في العام.

على الجانب السياسي، يبدو واضحاً أن جزءاً من تحسين «صورة الإسلام» لدى ولي العهد ومستشاريه الأقربين، يتجه نحو التقرّب من إسرائيل وتملّق سياساتها الاحتلالية إلى درجة جعلت بعض الإسرائيليين والأمريكيين اليهود يستغربون هذا «الانفتاح» المجاني على حساب الفلسطينيين الذين صاروا، وليس الإسرائيليين، محط اللوم والنقد والاستهجان من قبل حاكم عربيّ ومسلم يفترض أن يكون الأقرب لهم لا أن يستسهل التنازل عن مقدساتهم وقضيتهم التي يقاتلون لأجلها منذ عشرات السنين.

إعلان هيئة الترفيه (اسم يبدو مقلوباً لاسم «هيئة النهي عن المنكر» الشهيرة) خطتها لبناء دار أوبرا استدعى رد فعل وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد بن صالح العواد الذي قال إن بناء دار أوبرا هو شأن ثقافي ولا دخل لهيئة الترفيه به، وقد انتبه أحد المعلقين السعوديين لإحدى مفارقات هذه الوضعية حين قال «من تشدّد لا يمتّ للدين بصلة إلى تضييع الأولويات في بلد يعاني من أزمة بطالة وسكن وفقر. عن أي فن تتحدثون والسعودي بلا سكن؟»، فيما قال الصحافي السعودي جمال خاشقجي: «دار الأوبرا خطوة متكلفة. لنبدأ بمدرسة غازي علي للموسيقى، أو مسرح جميل محمود. لنحي فنوننا المحلية ثم بعد ذلك يحلها الحلال».

والحقيقة أن ربط الأوبرا بالترفيه، لا بالثقافة، والعمل على استضافة أسبوع للموضة، واستدعاء مشاهير المصارعة الحرّة، يكشف جوهر هذا الاتجاه الذي لا يريد أن يستثمر في خلق ثقافة حقيقية تنعكس إيجابا على الاجتماع والاقتصاد والسياسة بل يريد أن يقدّم حملة علاقات عامة هائلة موجّهة للغرب، وأن يقدّم للسعوديين معادلة جديدة تقوم على الطاعة مقابل الترفيه.

هذه الغوغائية والاستخفاف بالناس وعقولها مقصودة لأنها تحاول، عمليّا، تجاهل معنى الحداثة الفعلي، وتستبقي، من دون خجل، كل صنوف الاستبداد القديم، ففي الوقت الذي يحاول النظام اشغال السعوديين بعري المصارعات (الذي اعتذر التلفزيون الرسمي عن إفلات لقطة لهن!)، فإن وسائل الإعلام تحصي كل يوم أحكام القتل تعزيرا بتهم تهريب المخدرات والشعوذة والزنا، من جهة، وتهم الإرهاب، من جهة أخرى، بحيث بلغ عدد المعدومين بين تموز/يوليو 2017 وشباط/فبراير 2018، 138 شخصا، أي بمعدل أكثر من 17 شخصا في الشهر.

وحسب منظمة العفو الدولية في تقريرها لعامي 2017 و2018 فقد تابعت السلطات السعودية فرض قيود مشددة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والقبض على كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة وحكم على بعضهم بالسجن مددا طويلة إثر محاكمات غير عادلة وحكم على كثيرين بالإعدام في محاكمات بالغة الجور وبقي التعذيب أمرا شائعا كما «ظلت المرأة تعاني من التمييز الممنهج في القانون والواقع الفعلي، وظلت تفتقر للحماية الكافية من العنف الجنسي»، واستخدمت السلطات الإعدامات بشكل مكثف، إلى آخر هذه الوقائع التي تدلّ أن «الترفيه» يتم في الطوابق العليا للتمويه على عمليات الظلم والتعذيب وقتل البشر في الأسفل.
وإذا كان هذا تحسينا لصورة الإسلام فما هي إذن طريقة الإساءة إليه؟