صحيفة “الاخبار” اللبنانية – لقمان عبد الله – مقالات مختارة
على الرغم من دخول العدوان على اليمن عامه الرابع، ما زال الشعب اليمني عازماً على مواصلة الكفاح حتى نيل استقلاله، مهما كلّفه الأمر من تضحيات. ما يزيد على ثلاث سنوات من القصف والحصار والتجويع لم تفلح في تركيع اليمنيين وإجبارهم على الاستسلام. ظلّت القابلية على الصمود (وهي بالمناسبة متصلة بعوامل جينية ومعنوية ومادية) السمة الغالبة على المشهد في هذا البلد، بل إن قبائل اليمن وشرائحه الاجتماعية المتنوعة استمرّت في رفد الجبهات من دون خوف أو تردد.
قد يكون ما تعرّض له الشعب اليمني هو أقصى ما تعرّض له شعب في العصر الحديث، وفق ما توحي به تقارير المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. إلا أنها قليلة هي الدول والشعوب التي واجهت مثل ما واجهه اليمنيون، وسط أجواء من الخذلان والتآمر والخيانة من القريب والبعيد. في كل جولة من جولات القتل والإجرام، يخرج اليمنيون ليجدوا سبيلاً إلى الحياة من بين الركام والأنقاض، رافعين شارة النصر والتحدي والأمل بمستقبل أفضل لا هيمنة فيه لآل سعود. وهم بهذا الإصرار، وبامتلاكهم الفنون والتكتيكات العسكرية، أضحوا مدرسة جديدة في العالم ومثالاً يحتذى عبر التاريخ.
ولو أردنا تلخيص الأسباب الكامنة خلف ذلك الصمود الأسطوري، لبرز لدينا ما يأتي:
1- الطبيعة القبلية اليمنية بما تنطوي عليه من عادات وتقاليد فيها الكثير من القوة والصلابة، علماً بأن القبائل تشكّل قرابة 85% من سكان اليمن، ومعروف دورها التاريخي في تكوين السلطات ودعم الثورات ضد الاستعمار. وهو دور برز في هذه المواجهة أيضاً، حيث مثلت القبائل الرافد الرئيس للجان الشعبية على جبهات القتال، جنباً إلى جنب الجيش. يضاف إلى ذلك أن الطبيعة الجغرافية الصعبة في اليمن، وكثرة الجبال الوعرة والأراضي الجرداء، جعلت الإنسان اليمني أصلب عوداً، ومعتاداً الصعاب وتحمّلها، وهذا ما تجلّى أخيراً في مواجهة العدوان، بل يمكن القول إن الاستغلال المثمر للتضاريس في التكتيكات العسكرية المرنة والمتجددة باستمرار شكّل أساساً في تطوير مستوى التحدي بين الجيش واللجان من جهة والغزاة وحلفائهم المحليين من جهة أخرى.
2- الوحدة والتلاحم الوطني في مواجهة العدوان، إذ على الرغم من محاولة الدعاية الخليجية صبغ «أنصار الله» والجيش اليمني بصبغة مذهبية، إلا أن اليمنيين ــ بقبائلهم وأحزابهم ومذاهبهم ــ توحّدوا في وجه آلة «التحالف» التي لم تستطع تفريقهم إلا ما ندر. وهذا ما أظهرته التطورات في المناطق التي تدور فيها مواجهات، لا سيما على الساحل الغربي، حيث تنخرط قبائل تهامة في القتال إلى جانب «أنصار الله»، وكذلك محافظة تعز التي تُعدّ أكبر تجمع للمذهب الشافعي، ويقاتل أبناؤها جنباً إلى جانب الجيش واللجان، كما ويتفاعلون مع الفاعليات المناهضة للعدوان، حتى إن المراقب لا يستطيع التمييز بين تظاهرات في صعدة وأخرى في تعز من حيث كثافة الحضور والشعارات. والأمر نفسه ينطبق على بقية المحافظات، حيث يتآلف الناس بمذاهبهم وفئاتهم وقبائلهم رغم محاولات دول الخليج المتكررة اختراق النسيج الاجتماعي، واستغلال حالة الفقر والعوز لدى المواطنين. كذلك، يحرص اليمنيون على الحضور باستمرار في الميادين والساحات، والتوحّد خلف القيادة السياسية، والتماهي معها في مستوى الوعي والتدرج في المواجهة ورفض الاستسلام. وعلى الرغم من انخفاض مستوى التنمية في هذا البلد، إلا أن نسبة لا يستهان بها من أبنائه متعلمة ومثقفة، وهو ما انعكس إيجاباً على قوة اليمنيين ووعيهم، فضلاً عن اعتزازهم بأنفسهم بوصفهم من مؤسسي إحدى أقدم الحضارات في المنطقة، مع ما يعنيه الأمر بالنسبة إليهم من رفض مطلق لأي وصاية خارجية.
3- التوق إلى التحرر، ونيل الاستقلال الكامل، وممارسة حق السيادة، والتطلع إلى أن يتبوّأ اليمن مكانته الطبيعية ويحوز دوره الطليعي في المنطقة، والتفاعل السياسي مع قضايا الأمة، لا سيما قضية فلسطين، التي يتمسك بها اليمنيون ويحرصون على إحيائها بفعالياتهم ومناسباتهم، على الرغم من كل الظروف التي يعيشونها.
كل تلك العوامل منعت دول «التحالف» من تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي شنّت العدوان من أجلها، لا بل تحوّلت السعودية من دولة قوية وآمنة إلى دولة عاجزة وفاشلة وأقلّ أماناً من السابق. ومهما بالغت في التصعيد العسكري، وفي البحث عن قيادات الشعب اليمني لقتلهم والنيل منهم، فإنها لن تصل إلى مبتغاها، وستبقى عاجزة أمام إرادة القتال وقوة التحدي لدى اليمنيين.