مقالات مختارة -صحيفة الاخبار اللبنانية – لقمان عبد الله – الخميس 5 تموز 2018
بعد فترة هدوء نسبي، عادت أجواء التوتر والشحن بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، و«المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي. توتر تجلّى في مظاهر عديدة، على رأسها قيام «الانتقالي» بحشد قواه العسكرية في العديد من النقاط الحساسة عند مداخل مدينة عدن، عقب تواتر معلومات عن استقدام تعزيزات عسكرية من مأرب إلى المدينة تابعة لنائب الرئيس المستقيل، علي محسن الأحمر. يُضاف إلى ذلك إدلاء رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، العائد حديثاً من أبو ظبي، بتصريح قال فيه إن «صبره على حكومة أحمد عبيد بن دغر شارف على الانتهاء»، واصفاً هذه الحكومة بـ«المعادية»، ومعتبراً أنه «لن تكون هناك حلول إلا بعد إقالتها والانتهاء منها». تصريحات الزبيدي، معطوفةً على التحشيد العسكري، تعيد إلى الأذهان ما شهدته عدن أوائل العام الجاري، وتنبئ باحتمال اندلاع جولة جديدة من المعارك شبيهة بما حصل بين الطرفين أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الفائت.
وتأتي هذه التطورات الجديدة بعد وصول الحملة العسكرية التي أطلقها «التحالف» في محافظة الحديدة إلى طريق مسدود، ما يحمل البعض على الاعتقاد بأن تصعيد «الانتقالي» ضد «الشرعية» إنما هو بإيعاز من الإمارات لصرف الأنظار عن المأزق العسكري والسياسي الذي أوقعت نفسها فيه عقب إعلان عزمها على «تحرير الحديدة». وهو مأزق كان إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، تحت شعار إفساح المجال أمام المندوب الأممي مارتن غريفيث لانتزاع الحديدة بالطرق السلمية، محاولة للتغطية عليه، فضلاً عن كونه تعبيراً عن سعي أبو ظبي والرياض إلى إيجاد فرصة للتفكير في الخطوة التالية إثر فشل الخطة الأصلية، علماً بأن سلطات صنعاء لا ترى في الإعلان الإماراتي أكثر من «مزحة سمجة»، مُصرّةً على أن ما بعد معركة الحديدة ليس كما قبلها، خصوصاً أن قواتها استطاعت هزم القوات الموالية لـ«التحالف»، وبالتالي فلا معنى لمطالبتها بالاستسلام وهي الواقفة موقف القوي.
قبل أيام، ضجّت وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي بأخبار استقدام ثلاثة ألوية تابعة لنائب الرئيس المستقيل من مأرب إلى عدن، وهو ما اعتبره النشطاء الموالون لـ«الانتقالي» استفزازاً للمجلس. وإذا كان من الطبيعي أن يقرأوا فيه كذلك بالنظر إلى شراكة الأحمر في ما لَحِق بأبناء جنوب اليمن من تهميش وإقصاء إبان عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن ما لا يبدو مفهوماً بالنسبة إلى المراقبين هو رفض وجود الأحمر وقواته وفي الوقت نفسه ارتضاء وجود نجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد صالح، في المناطق الجنوبية، واتخاذه إياها مقراً لقواعده العسكرية وملاذاً آمناً لقواته ومنطلقاً للهجوم على الجبهات.
ومن هنا، يُقرأ في موقف «الانتقالي» الجديد ترجمة للصراع «الإخواني» ــ الإماراتي، تماماً مثلما كان موقفه من قوات طارق صالح مندرجاً في السياق نفسه. بمعنى آخر، لا تعير دولة الإمارات أي اهتمام للملتحقين بها، سواء في القضايا السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، بل إن السطوة الإماراتية على هؤلاء تصل حدّ إرغامهم على تكييف حساسياتهم التاريخية والسياسية بما يلائم مصالح أبو ظبي. ولا عجب في ذلك، فالصلف والغرور الإماراتيان لا يتركان للقوى المحلية حتى مجال الاحتفاظ بماء الوجه ولو شكلاً، كما حصل مع إعلان الإمارات وقف إطلاق نار مؤقت في الحديدة من دون علم سلطة الرئيس المستقيل، علماً بأن عودة الأخير إلى عدن جاءت في سياق تسوية تقضي بتأييد هادي (بصفته الرئيس المعترف به دولياً) الهجوم على الحديدة بهدف كسب التأييد الدولي، مقابل السماح له بالاستقرار في ما يسمى «العاصمة المؤقتة». لكن، وبعد انتفاء الحاجة اليه، يبدو أن الإمارات أعادت إطلاق جوقتها (الغائبة منذ شهور) ضده، للتهجّم على «الشرعية» والعمل على إسقاط حكومة بن دغر، بعدما تمكنت من تطويع قياديي جنوب اليمن الموالين لها، والتحكم في صداقاتهم وعداواتهم وفق أجندتها المبنية على العداء المتجذّر لـ«الإخوان المسلمين»، وكذلك وفق رغبتها في السيطرة على مرافق البلاد الحيوية، وعلى القوى المحلية التي زرعت بينها الأحقاد، فيما زجّت بالشباب في أتون معاركها.