تقدِّم المملكة الكثيرَ من الخُطب والمهرجانات الاحتفاليّة لتحكي عن دورها في محاربة الإرهاب، ولكنها حتّى الآن غير قادرةٍ على إثباتِ الجديّة الكافيةِ في هذا الخيار.
المشكلةُ أنّ المملكة تتردّدُ حتّى الآن في حسْم طريقها نحو إغلاق الأبواب والنوافذ على البيئات الفكريّة التي ترعى التطرّف وتغذّي العقلَ التكفيريّ. وهو تردّدٌ يتّصلُ بخشيتها من فقدانها نفسِها وهويّتها، إنْ هي أقدمت على قطْع الاتصال والتّواصل مع الحواضنِ المتطرّفة، والتي تنتشر في كلّ المؤسّسات والهيئات الرّسميّة في البلاد، ولاسيما في الهيئات الشرعيّة التي تتولّى مباشرةً إضفاءِ الشرّعية على الدّولة السّعوديّة.
فمتى يمكن للمملكة أن تقطع هذا الخيط الغليظ والمقيت؟
لن يتمّ ذلك إلا حين تستبدلُ المملكة شرعيتها المزيفة المستمدّة من رجال الدّين المتشدّدين، وتأخذ شرعيتها بدلاً من ذلك من شعبها مباشرةً، وهذا يتطلّب من المملكة أن تُجري عمليةً جراحيّة كاملة مع موروثها الاستبداديّ، ومع حمولتها المملوءة بالقمعِ والإلغاء.
حين تكتسب المملكة شرعيتها من الشعب، وتتحوّل البلاد إلى أيدي أبنائها، بلا قصور تتمايز على المواطنين، وبلا أمراء يرون أنفسهم أعلى درجةً وأنقى دماً من بقية النّاس.. حينذاك يُصبح الطريق سالكاً أمام المملكة لكي تُخلِي وتُنجي نفسها من الأبديّة الظلاميّة..
وحتّى ذلك الوقت، وإلى حين يصبح المواطنون مالكي أمر وطنهم وثرواته؛ فإنّ المملكة ستظلّ على حالها القائم اليوم؛ تتأرجح بين أزمةٍ وأخرى، وتدورُ في دوّامةٍ لا تنتهي من فقدان الهويّة، وضياع البوصلة، وانعدام الأفق.