مقال | آل سعود والشيخ النمر: القتل قرار

كتب إيلي شلهوب في صحيفة الأخبار اللبنانية:

لعله التوصيف الأكثر دقة لما سمي أمس «حكماً» على الشيخ نمر النمر. قرار سياسي بالقتل، برداء قضائي، يستهدف شخصية علمائية رفيعة المستوى، كل ذنبها أنها قالت ذات يوم إن على الشعب أن يختار حكامه. شعار لتاريخ من النضال، قاده الشيخ الأسير لدى آل سعود، ضد نظام قمعي ومجرم وظالم. هذه هي الحقيقة بأبسط تعابيرها. محاولة لضرب انتفاضة شعبية ما هدأت يوماً في منطقة القطيف، تطالب بحد أدنى من الحقوق، عبر قطع الرأس الذي يقودها.

انتفاضة لطالما سعت السلطات إلى أن تسبغ عليه طابعاً مذهبياً، زادت من حدته عندما قررت استهداف إحدى أرفع الشخصيات الدينية لهذه الطائفة في المملكة.
لكنها في الوقت عينه ضربة تحت الحزام في إطار صراع داخلي، يسعى النظام إلى توظيفها في سياق إقليمي. وإلا فما الذي استجد، داخلياً، لتصحو معه قضية النمر بعد سبات طويل استغرق أكثر من 20 شهراً و17 جلسة وتأجيل مرتين للنطق بــ»الحكم». لعل كلمة السر تقبع في اليمن. هناك، حيث الحراك الحوثي الذي أسقط صنعاء في يوم كان فيه سعود الفيصل ومحمد جواد ظريف يتبادلان الكلمات المنمقة في نيويورك. وقتها، أدرك السعوديون، على ما يبدو، حدود قوتهم في هذا البلد، فقرروا التعامل مع
المتغير الجديد والانفتاح على طهران علها تكتفي بما جرى يمنياً وتقف عند هذا الحد. وهو ما يفسر، على الأرجح، كلمات الفيصل في تلك المناسبة.

لكن توالي الأحداث منذ ذاك اللقاء ـــ الاختراق، إن كان على مستوى تمدد الحوثيين في أكثر من محافظة، أو على مستوى فرضهم، ليس فقط معادلة سياسية جديدة، وإنما قيادة جديدة تمثلت برئيس وزراء من اختيارهم، أطلق صفارة الإنذار في الرياض، التي كانت قد حركت خلاياها من تنظيم «القاعدة» هناك ومعها القبائل الموالية لها. صفّارة دوت بأعلى طاقتها، على لسان الفيصل نفسه، مع بلوغ «أنصار الله» البحر الأحمر، ليأتي بعدها بيومين القرار الذي سبق أن حذرت طهران منه بقتل الشيخ النمر، علماً بأن الرجل لا ينتمي إلى مدرسة فقهية وسياسية من غير المحسوبين على الجمهورية الإسلامية.

محاولة الرياض وضع صراعها مع شعبها ومطالبه في إطار إقليمي ليست جديدة. هي تعمد دوماً إلى حرف الأنظار، للإيحاء بأن كل تظلم في داخل المملكة وراءه «أيادٍ فارسية». لكنها هذه المرة تضيف إلى غايتها السابقة هدف آخر: ابتزاز طهران. كل عويل الفيصل، ومعه القرار الخاص بالنمر، يبدو أن الغاية منهما إيصال رسالة للمسؤولين الإيرانيين تقول «تعالوا فاوضونا».

هي مقامرة إقليمية بدماء الشيخ الأسير.