الفينانشيال تايمز: هل فقدت السعودية سيطرتها على أسواق النفط في العالم؟

السعودية / الفينانشيال تايمز – تكثر نظريات المؤامرة حول انخفاض أسعار النفط؛ فالانخفاض بنسبة 25 في المائة في أقل من ثلاثة أشهر هو أمر يثير، بالتأكيد، الافتراض بأنه في السوق المدفوعة سياسيا، فإن قرارا سياسيا من قبل شخص ما، في مكان ما، يجب أن يكون هو ما أجبر الأسعار على الهبوط.

نظرية المؤامرة الأكثر شعبية هي التي تجمع بين الولايات المتحدة والسعوديين، وأنهم يسعون لأخذ المال بعيدا عن أعدائهم الرئيسيين، روسيا وإيران. ففي كلتا الحالتين، فإن نقص الإيرادات يمكن أن يساعد على جلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمرشد الأعلى المريض، آية الله علي خامنئي، إلى طاولة المفاوضات لتسوية صفقة حول أوكرانيا وطموحات إيران النووية.

وعموما، فإن أي شيء في هذا العالم المعقد يمكن أن يكون صحيحا. وأنا لا أميل للاعتقاد بنظرية المؤامرة، ولكنني أقبل أيضا فكرة أنها احتمال وارد. ولكن الشيء المثير للاهتمام هو ما سيحدث بعد ذلك، والأخطار التي تهدد الصناعة بأكملها، وخاصة العديد من البلدان التي تعتمد على عائدات النفط.

وهل أدت الألعاب التي يمارسها السعوديون إلى فقدانهم السيطرة على السوق؛ فالأسعار يمكن أن تنخفض أكثر ضمن صفقة جيدة مع عواقب واسعة معظمها سلبي، بدءا من المزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، إلى تراجع الاستثمارات التي يمكن أن تغذي فقط الدورة القادمة.

لدينا صورة ذهنية عن المملكة العربية السعودية ترجع للأحداث التي جرت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. إنها صورة البلد الغنية الرائعة التي تعوم على بحر من النفط بعدد سكانها القليل.

ويديرها ملك تقليدي ولكنه خلوق، ويعمل بها التكنوقراط الرائعون الذين تمكنوا من خلق وضع يمكن البلاد من أن تحدد السعر العالمي للنفط عن طريق ضبط المخرجات والصادرات، وهذه السلطة من المفترض أن تعطي المملكة العربية السعودية ليس فقط إيرادات هائلة، ولكن أيضا حماية الولايات المتحدة في عالم خطر.

ربما كانت تلك الصورة تعكس الحقيقة في وقت مضى، ولكنها الآن خاطئة في جميع النواحي تقريبا؛ ففي الواقع، تحكم السعودية الآن من قبل الشيوخ المتشبثين بعصبية بالقوة في مواجهة المعارضة التي ولدت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على حد سواء من قبل جيل الشباب الذين يأملون في ربيع عربي، وبالأصوليين الدينيين الذين تخضع الدولة لسيطرتهم.

غير أن السعودية لم تعد الدولة ذات عدد السكان الصغير؛ فعدد سكانها الآن يبلغ 30 مليون نسمة تقريبا، ارتفاعا من 5.7 مليون في عام 1970. كما فشل التكنوقراط في تطوير الاقتصاد الصناعي، أو البحث عن الغاز لتوفير الطاقة المحلية، وكانت النتيجة أن ارتفع الطلب المحلي على النفط.

فهناك 30 مليون من السعوديين الآن يستخدمون الكثير من النفط (3 مليون برميل يوميا) كما يفعل 203 مليون شخص من البرازيليين. ولأسباب واضحة فإن المملكة مكروهة من الكثيرين، حتى من قبل حلفائها؛ فقد قال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن المواطنين السعوديين كانوا يدعمون الجماعات الإرهابية.

ولكنه اضطر إلى سحب هذه التصريحات، غير أنه لا أحد يشك في أن وراء ذلك “الخطأ” قصة أكثر قتامة. كما قال إد لوس ذلك في مقال لصحيفة فاينانشيال تايمز، إن ارتباط الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية هو اتفاق شيطاني خطير.

التحدي الآن هو ما إذا كان السعوديون في موقف يمكنهم من وقف هبوط الأسعار؛ فخطورة الاتجاه الذي شهدناه منذ يونيو هو أنه مع كل خطوة إلى أسفل، يتزايد الإغراء أمام المنتجين الآخرين لزيادة الإنتاج في المدى القصير من أجل تحقيق أقصى قدر من الإيرادات اللازمة. كما تم تأجيل مواعيد الصيانة العادية وهلم جرا. وهذا ما يبدو أنه يحدث؛ فانخفاض السعر على مدى الأشهر الثلاثة الماضية لم ينتج أي انخفاض في الإنتاج.

فعلى أساس النظرية الاقتصادية القياسية، يجب أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى تحفيز الطلب، ولكن سوق النفط هو مكان خاص جدا حيث يتم تغطية كثير من تكاليف الإنتاج من خلال الضرائب على المستهلك (كما يحدث في المملكة المتحدة، حيث تشكل الضرائب أكثر من ثلاثة أرباع السعر النهائي) أو الدعم (كما هو الحال في الهند حيث السعر المدفوع من قبل السائقين لا يزال جزءًا صغيرًا من سعر السوق العالمي).

لذا فإنه ليس من المحتمل أن نرى تأثيرا دراماتيكيا على الطلب نتيجة لما حدث، لأسباب ليس أقلها أن الطلب على النفط في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، في حالة انخفاض هيكلي. لذلك فحتي هذه اللحظة، تستمر زيادة العرض في ملاحقة ثبات الطلب مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار.

التصرف الوحيد الذي من شأنه كسر هذا الاتجاه هو الخفض الحاد والمستمر في الإنتاج من قبل المملكة العربية السعودية. وقد عملت السعودية على هذا النحو في الماضي ولكنها لم تكن وحدها؛ فقد كان تخفيض الإنتاج دائما جزءا من استراتيجية متفق عليها، ولو بطريقة متواضعة، من قبل الشركاء في أوبك. ولكن العالم تغير وأصبح من الصعب التفكير في أن تكون أية دولة في أوبك، ربما باستثناء الكويت، في وضع يسمح لها بقبول أي خفض مستدام في الإنتاج والإيرادات.

هل يستطيع السعوديون بأنفسهم أن يفعلوا ذلك؟ فمن أجل استعادة ذلك، سيتطلب الأمر خفضا خطيرا في الإنتاج ربما بمعدل 2 مليون برميل في اليوم لفترة طويلة لإعادة التوازن إلى السوق الذي يعاني من وجود فائض، حتى مع عدم وجود إمدادات كبيرة من ليبيا وإيران.

وفي المدى القصير يتطلب مثل هذا العمل إعادة صياغة الميزانية، وتخفيض ميزانية الرعاية الاجتماعية المحلية والإنفاق على الدفاع، وخفض بعض الإعانات التي تبذلها لحلفائها في المنطقة الذين يسعون للحفاظ على أنظمتهم بعد الربيع العربي.

إذا كانت نظرية المؤامرة صحيحة، فإن كل ذلك قد تم التخطيط لحدوثه مسبقا؛ فانخفاض الأسعار سوف يجبر روسيا وإيران على التفاوض واستعادة سلطة السعودية على سوق النفط العالمية من خلال عدم تشجيع الاستثمارات الجديدة عالية التكلفة.

ولكن نطاق سوء التقدير كان هائلا؛ فالأسس لديها عادة في إعادة تأكيد نفسها. فمتى بدأ انخفاض السعر سيكون من الصعب جدا استعادته. غير أن الكثير من سلطة المملكة العربية السعودية هي نفسية في الطبيعة؛ فقد يعتقد الناس أنه لأنها كانت تسيطر على الأسعار في الماضي فهي سوف تفعل ذلك الآن. وترتكز العديد والعديد من الاستثمارات في جميع أنحاء العالم على هذا الاعتقاد. ولكن بمجرد أن تنهار تلك الواجهة، فإن معايير اللعبة سوف تتغير تماما.