نبأ نت – ليس ما جرى في عدن مجرد انقلاب من الإمارات على السعودية فقط، بل هو امتداد لمسار سارت فيه أبوظبي بموازاة الرياض في الجنوب اليمني، عبر إحكام سيطرتها على المحافظات والمناطق المحتلة، خاصة بعد الإعلان عن سحب عدد كبير من القوات الإماراتية من اليمن، الذي بدا أنه أربك السعودية ظاهراً، لكنه ظهر لاحقاً أنه جزء من مخطط إماراتي لتثبيت السيطرة والنفوذ ولتحجيم قيادة “الحليف” السعودي.
في يوم واحد أمسك ابن زايد تماماً بمقاليد الأمور في عدن. ففي الجانب الميداني سيطرت قوات “المجلس الانتقالي” على مراكز القوة المدينة بسرعة ناتجة عن تخطيط مسبق لم يدر بتفاصيله الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي. وفي الجانب السياسي، زار ابن زايد الرياض في محاولة منه لإظهار استمرار التحالف.
اشتغل ابن زايد طوال فترة العدوان على اليمن في تثبيت السيطرة والنفوذ الإماراتيين في الجنوب اليمني من وراء ظهر “الحليف”، وأمام ناظريه أحياناً. وبرغم المعارك والقتل اللذان كانا يحصلان فترة بعد أخرى بين قواتهما إلا أن ابن سلمان ظل مسلَّماً لإدارة نظيره الإماراتي، الذي كان يسارع بعد كل معركة إلى طمأنة السعودية بأن ما يجري عابر، غير أن علامات الصراع والتنافس بانت مراراً إن عبر المعارك أو إرسال قوات إلى جزيرة سقطرى أو استعراض القوى في محافظات يمنية عدة.
كان واضحاً وجود صراع بين طرفي تحالف العدوان، وفي الوقت الذي ركز فيه السعودي أكثر على القتل والتدمير رداً على ضربات الجيش اليمني و”اللجان الشعبية”، كان الإماراتي ينفذ أجندته على الأرض المحتلة تحت عباءة التحالف.
وبمعزل عن طبيعة التحالف بين الرجلين، فإن نزعة السيطرة موجودة في كل منهما وتظهّرت في طريقة حكمهما في بلديهما وفي اليمن. وفي نهاية المطاف، لن يبقى ابن سلمان من دون أن يحرك ساكناً وهو يرى أن البساط يُسحب من تحت قدميه. وهنا، يرى الكاتب والباحث السياسي السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يشعر أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد “يأكل الأخضر واليابس” في المناطق المحتلة من قبل التحالف في اليمن.
ففي عدن، يريد ابن زايد “تثبيت معادلة تخدمه بعد خروجه” النهائي من الأراضي اليمنية، بينما يريد ابن سلمان “كلمة الفصل”، بتقدير إبراهيم. أي أن تكون لولي العهد السعودي اليد العليا والنفوذ الأقوى. بيد أن الكفة مائلة حالياً إلى الإمارات.
الخلاف السعودي الاماراتي على الساحة اليمنية بات واقعا..وقد التحمت قوات الطرفين (أو بالاحرى مرتزقتهما) في سوقطرى والمهرة وسقط قتلى من الطرفبن..مبس يشعر بأن مبز أكل الاخضر واليابس على حساب تحالفهما..في عدن يريد مبز تثبيت معادلة تخدمه بعد خروجه ومبس يريد كلمة الفصل
— فؤاد ابراهيم (@fuadibrahim2008) August 14, 2019
ويمكن تطبيق رسالة المجلس إلى ابن سلمان بالقبول بالوضع الحالي في عدن على باقي المحافظات المسيطر عليها بأذرع إماراتية، فعدن هي العاصمة مقر حكومة الرياض ولذلك أتت الرسالة منها.
أما اشتراط حكومة هادي انسحاب المجلس من المناطق التي سيطر عليها قبل البدء بأي حوار فهو يعبر عن الخسارة السعودية أولاً ونجاح الإمارات ثانياً في لعبة موازين القوى بعد توزيع الأدوار الذي تحدث عنه رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، بتلميحه إلى أن السعودية غير مدركة لما يجري في عدن.
لا أفهم طبيعة العلاقات بين حليفين في توزيع الأدوار غير المتكافئة. فإذا كان الأمر توزيع أدوار، فهناك طرف يظهر من دوره أنه غير مدرك لما يجري حوله بينما يظهر أن الطرف الآخر هو الذي يوزع الأدوار ويظهر عن قصد أن القرار عنده وليس عند شريكه الآخر والأمثلة كثيرة.
— حمد بن جاسم بن جبر (@hamadjjalthani) August 14, 2019
بديهي القول إن ما جرى في عاصمة الجنوب اليمني سبّب هزة للتحالف يحاول طرفاه إخفاءها، ريثما تنجلي الصورة عن الوضع النهائي ويتخذ كل طرف موقفه بناء على الموازين على الأرض والزيارات والرسائل بين العاصمتين.
عاد حديث التقسيم في اليمن بوضوح بعد الأحداث الأخيرة. قُيل إن أبوظبي تريد يمناً مقسماً يسهل عليها الإحكام بمفاصل السيطرة عليه حيث يوجد عسكرها المحلي والأجنبي. وترددت أنباء عن أن السعودية، بحكم “الجيرة”، تحبذ اليمن موحداً كي لا تتضرر من كيانات بولاءات مختلفة وإمكان انعكاس ذلك على المملكة سلباً.
أخرجت الإمارات مظاهرات في عدن مؤيدة لها، ومدافعة عن “الانقلاب” على ما يسمى “الشرعية” أي حكومة هادي. في المقلب الآخر، توجد شريحة كبيرة من الجنوبيين عمادها الحراك الجنوبي ساخطة على التحالف وتعتبره احتلالاً، ولها قيادات عسكرية على الأرض ذات وزن. من المحتمل أن تسير الأمور بعكس رغبة المسيطرين حالياً، إذا استمرت الفوضى وضاق الجنوبيون ذرعاً بما يجري على الأرض.