السعودية/ نبأ- الآن أدركت إيمان حسين البصراوي سرّ تعلق شقيقها محمد بأبيات شعر من قصيدة بالعامية العراقية، كان يرددها بشكل دائم، يقول مطلعها: «يمه ذكريني من تمر زفة شباب.. من العرس محروم حنتي دم المصاب… شمعة شبابي من يطفوها… حنتي دمي والكفن ذاري التراب». فلقد رحل محمد ذو الـ15 ربيعاً، قبل أن يُزف، وإن كان الجمعة المقبل، سيشهد مسيرة زفاف غير اعتيادية لهذا الصبي وبقية رفاقه، الذي أردته رصاصة الغدر فيما كان يغادر حسينية المصطفى في قرية الدالوة (محافظة الأحساء).
وبحسب صحيفة "الحياة" السعودية، في الليلة التي خرج فيها محمد البصراوي، كانت والدته تضع يدها على قلبها، وذلك ليس بجديد عليها، كما قالت ابنتها لـ «الحياة» أمس، مضيفة: «هذا هو حالها كلما همّ محمد بالخروج من المنزل، تسبق خطوات أقدامه دعواتها له، ومعها تحذيرات: «لا تتحدث مع الغرباء، لا تركب سيارة لا تعرف سائقها»، إلا أن ما حصل لمحمد مساء الاثنين الماضي، لم يكن يرد في مخيلة أمه مطلقاً.
انضم محمد إلى قائمة الأيتام حين كان عمره ثمانية أشهر، لذا كان محط رعاية الجميع في أسرته، ولا يُذكر اسمه إلا مسبوقاً بكلمة «حبيبي». إلا أن أخته قالت: «كل هذا الحرص والاهتمام فشل في الحفاظ على حياة هذا الصبي، فكانت يد الغدر أقوى منا، لتسلب أمي روحها، بطلقات لم تخترق إلا جسدها قبل أن تستقر في جسده الصغير، ليفتقده المنزل والمدرسة والمسجد والحسينية».
كان البصراوي– بحسب شقيقته إيمان – يستمع يومياً لقصيدة مطلعها «يمه ذكريني من تمر زفة شباب»، مضيفة: «كنت أشعر بالضيق كلما سمعته يرددها، ويستمع لها، كنت أجهل السبب، ولكني اكتشفته الآن، بعد أن وصلنا الخبر، كما وصل كل الأحساء، وبلغنا بداية أن محمد من المصابين. وعلى رغم كوني ممرضة في المستشفى ذاته، الذي توجهوا بمحمد إليه، إلا أنني كنت إجازة، ومنذ تلك اللحظة، ونحن في صدمة ونحاول التماسك».
وأكملت: «محمد شهيد عند ربه، ولكن طريق الشوق طويل، والحسرة تكاد تقتلنا لفراقه، كان هادئ الطبع، لا يرفض طلباً لأحد، وابتسامته لا تفارق وجهه». محمد كان «كثير السؤال عن والده، كيف كان صوته، أسلوبه، وطريقة حياته، يفتقده كثيراً، وهاهو يلتقيه بعد كل تلك الأعوام».
وعلى رغم أعوام عمره القصيرة، إلا أن محمد ترك أثراً كبيراً فيمن حوله، كان معلمه يقول: «أترك مجالاً لغيرك يا محمد». تذكرت إيمان مراجعة محمد لدروسه، واسترجعت «درجاته الكاملة التي كان لا يقبل أن تقل، ولو بربع درجة، لا يرتاح إلا إذا أتقن وحفظ كل ما طلب منه. كان فرحاً بدرجاته العشر الكاملة في كل المواد، تعلو وجهه علامات الفرح والانتصار».
خرج محمد وترك خلفه «مستقبله الذي كان يرسمه باحتراف نحو النجاح، ترك كتبه ودفاتره، لن تعود أصابعه لملامستها، ولن يصدح صوته في المكان، وستتوقف والدته عن القلق، فهي تعلم مكانه ومستودعه الأمين، ولكنها ستبدأ رحلة الشوق الطويل، وستظل صورته في ذاكرتها، وتردد سؤالين حائرين: لماذا؟ وما جريمته؟». ولكنها ستذكره حتماً «كلما مرت زفة شباب».