السعودية / المونيتور – في يوم 7 نوفمبر الجاري، شرعت فيديريكا موغيريني، في زيارة تستغرق يومين لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، في أول زيارة رسمية لها في الخارج بعد توليها منصب ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. وتأتي الزيارة في وقت حرج، مع اشتعال العنف الآن بانتظام في القدس الشرقية، وسط انهيار عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة. حيث يشعر الكثير من الفلسطينيين بأن آفاقهم السياسية تنحسر، بعد السلسلة من الإجراءات الإسرائيلية، التي زادت من تقويض آفاق التوصل إلى حل الدولتين وأشعلت المزيد من التوترات.
وفي تصريحات أدلت بها قبل رحلتها، أكدت موغيريني على اعتقادها بأن “الإجراءات الأوروبية، يمكن أن تكون حاسمة في هذه اللحظة الحاسمة، ولكن ذلك يتطلب من الاتحاد الأوروبي المضي قدمًا”.
وعلى الرغم من أن تصريحاتها قد قوبلت بالرفض من قبل البعض، حيث تأتي في ظل تزايد الإحباط الأوروبي من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تجاه الأراضي المحتلة، حذر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، من “أن التنمية المستقبلية للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تعتمد على المشاركة في التوجه نحو سلام دائم على أساس حل الدولتين”.
على مستوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن مثل هذه الإحباطات تأتي في الواجهة، فإن المعظم يتفقون مع قرار السويد بالاعتراف بدولة فلسطينية.
حيث شهد الشهر الماضي أيضًا، تصويت مجلس العموم البريطاني بأغلبية ساحقة لصالح الحركة التي دعت الحكومة البريطانية للاعتراف بدولة فلسطين. وتلاه مجلس الشيوخ الأيرلندي، مع حركات مماثلة يرجح أن تثير نقاشًا ساخنًا في البرلمانات الإسبانية والفرنسية في المستقبل القريب؛ بل وقد أشار وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إلى أن “الحكومة الفرنسية، يمكن أن تفعل الشيء نفسه، إذا ثبت أن المفاوضات أصبحت مستحيلة”.
ومع الصخب الذي يحدثه السياسيون في ثلاث من أهم دول الاتحاد الأوروبي حول دعمهم لتطلعات الدولة الفلسطينية، يبدو من المرجح أن ذلك الزخم سينتقل إلي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وسيكون له تأثير لا محالة على سياسة الاتحاد الأوروبي. وبدلًا من أن يكون الأمر مجرد علامة على “الجهة التي تهب منها الرياح”، كما اعترف سفير المملكة المتحدة لدى إسرائيل، ماثيو غولد، يمكن للاعتراف بدولة فلسطين أن ينتج بعض النتائج العملية.
فالاعتراف الثنائي بفلسطين، سوف يقوي من عدم الاعتراف بالمستوطنات والكيانات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وبعبارة أخرى، إذا تم الاعتراف بسلطة واحدة على أرض معينة، يصبح وجود سلطة بديلة على نفس الأرض إشكاليًا. وقد تكون السويد البلد الوحيد في الاتحاد الأوروبي، في الوقت الحاضر، التي اعترفت بفلسطين، ولكن عدم اعتراف بالسلطات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، هو حجر الزاوية طويلة الأمد لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصراع.
أدى تنفيذ سياسة عدم الاعتراف هذه، إلى إصدار المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي في صيف عام 2013، الذي منع تمويل الاتحاد الأوروبي للكيانات الإسرائيلية الواقعة وراء الخط الأخضر.
وقد جاءت سياسة الاتحاد الأوروبي هذه، نتيجة للالتزام بالقانون الدولي، الذي يعتبر أساسيًا بالنسبة للاتحاد؛ وبالتالي، يتطلب قرارات سياسية قليلة جدًا. حيث يعد ذلك نوعًا من الانضباط الذاتي الذي ينص على التفريق بين تعميق العلاقات مع “إسرائيل القانونية” (إسرائيل داخل حدود 1967)، وبين أنشطتها غير القانونية في الأراضي المحتلة.
ومع استمرار سياسة عدم الاعتراف هذه، فسوف تتزايد المشاكل التي سوف تسببها للاقتصاد الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، كل البنوك الإسرائيلية لها فروع في المستوطنات؛ لذا، فقد يقرر الأوروبيون في مرحلة ما وقف التعاون مع تلك البنوك تمامًا، ما لم يثبت أن أنشطتها لا تمول المستوطنات غير الشرعية. كما كان عدم قدرة إسرائيل على التفريق بين إسرائيل وبين المستوطنات في وجه السياسة الأوروبية، على سبيل المثال، أحد الأسباب وراء قرار انسحاب بعض الصناديق الأوروبية من إسرائيل.
نتيجة أخرى لسياسة التفريق هذه، يمكن أن تكون مقدمة لوضع علامات إلزامية لمنتجات المستوطنات، وهو الإجراء الذي سيكون له آثار عميقة، بسبب الطبيعة غير المتمايزة للاقتصاد الإسرائيلي.
وباعتراف الجميع، فإن هذه الخطوات لا تزال تمثل تناقضًا واضحًا بين قيم وإجراءات الاتحاد الأوروبي، فالتقصير في فرض حظر تام على المنتجات القادمة في المستوطنات الإسرائيلية، مثل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على استيراد السلع التي منشؤها شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول “ضمتا بشكل غير قانوني من قبل روسيا” يثير الانتقادات.
مع ذلك، فباعتباره الشريك التجاري الرئيس لإسرائيل، بدأت سياسة عدم الاعتراف التي يتبناها الاتحاد الأوروبي تعطي بعض الآثار، كان أبرزها على الزراعة الإسرائيلية.
ففي الصيف الماضي، تم حظر واردات الدواجن ومنتجات الألبان من المستوطنات الإسرائيلية؛ لأن الشهادات الصادرة من قبل الأطباء البيطريين الإسرائيليين في الضفة الغربية، لم يعد معترفًا بها من قبل الاتحاد الأوروبي. وما ينطبق على الدجاج يمكن تطبيقه على العديد من المنتجات الأخرى.
كما يمكن استخدام الاعتراف بفلسطين لزيادة بعض هذه الآثار، مما لن يؤثر على بضائع المستوطنات فقط، ولكن يحتمل أن يؤثر أيضًا على حرية السفر بدون تأشيرة، التي يتمتع بها حاليًا المستوطنون الإسرائيليون. كما يمكن أن يؤدي الاعتراف بالسيادة الفلسطينية والاتفاق الثنائي في مجال القانون والنظام، إلى أن تقوم دولة فلسطين بطلب تسليم المستوطنين المتهمين بارتكاب جرائم على أراضيها.
في هذه اللحظة، فإنه من غير المحتمل أن منظمة التحرير الفلسطينية سوف تريد تصعيد المواجهة القانونية مع إسرائيل؛ وخاصة لأن النتيجة المباشرة ستكون إحراج الدول الأوروبية التي اختارت الاعتراف الثنائي.
وبصورة أكثر واقعية، يمكن أن يساعد الاعتراف الفلسطينيين في معالجة عدم التكافؤ بين الجانبين في ضوء مفاوضات جديدة، من خلال معالجة حسابات التكلفة/الفائدة من استمرار الاحتلال الاسرائيلي.
في نهاية المطاف، إذا اتجهت المزيد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتجاه الاعتراف الثنائي، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من الضغط، فقط لمطابقة الأقوال بالأفعال، من خلال الجمع بين السياسات الوطنية للاتحاد الأوروبي، بما يتماشى مع المبادئ والمعايير التي ترفض الاحتلال.
في حين أن رد الفعل الإسرائيلي المباشر، سيكون الاستمرار في تخفيض النفقات وإلقاء اللوم على العالم الخارجي، وعلى المدى المتوسط، فإنه سيتم تغيير الحسابات وزيادة تركيز الجمهور الإسرائيلي على علاقاته مع الفلسطينيين.
ترجمة التقرير