مصر / نبأ – تطرح تبرئة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك من تهم قتل متظاهرين أسئلة كثيرة حول ما ستؤول إليه قضية القرن كما تعارف الوسط الإعلامي على تسميتها. مسارعة الأوساط المعادية لجماعة الإخوان المسلمين ومعها تلك التابعة لممالك وإمارات الخليج إلى اتهام الجماعة بالمسؤولية عن القتل تشي بتصعيد سياسي وقضائي قد تشهده الساحة المصرية في الأيام المقبلة.
محمد حسني مبارك بريء، من تهم قتل متظاهرين واختلاس أموال وبيع غاز طبيعي لإسرائيل بأسعار بخسة بريء، هو ونجلاه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعدي الأخير، هكذا انتهت قضية القرن أو شارفت نهايتها، بعد نحو ثلاثة أعوام من الأخذ والرد أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها، حكم يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول الخلفيات والتوقيت والتداعيات، تعامل الأوساط المصرية والخليجية المعادية للإخوان المسلمين مع نبأ البراءة يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها.
لم تكد تمر ساعات على إصدار المحكمة قرارها حتى سارعت هذه الأوساط إلى التسليم به والطرق المكثف على سؤال: من قتل ثوار يناير؟ بتعبير آخر، لا مجال لمناقشة حكم تبرئة مبارك أو التشكيك فيه أو تغليطه أو رفضه، الحكم صحيح وسليم ومستوف لشروط العدالة والنزاهة وما على الرأي العام إلا البحث عن الحقيقة التالية، حقيقة سرعان ما تستدعى جماعة الإخوان المسلمين للصقها بها، بالنسبة لأعداء الجماعة وأصدقائهم الخليجيين لا دليل ماديا واحدا على تورط حسني مبارك ومساعديه في القتل والفساد والخيانة، ثلاثون عقدا من الإختلاس والقمع وتصدير الثروات بالمجان لا تساوي شيئا في ميزان العدالة المصرية.
وحدهم الإخوان يمكن تلبيسهم جريمة يناير 2011 بكل سهولة، ما الدليل على ذلك؟ تقرير لجنة تقصي حقائق ثورة 30 من يونيو، التقرير سحب أذرع الرئيس عبد الفتاح السيسي من دماء رابعة كما تسحب الشعرة من العجين، كل تقارير هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تلفيق ودجل واختلاق، تقرير اللجنة السلطوية كاف بمفرده لتجلية الحقيقة، ما حدث إبان ثورة يونيو يشبه إلى حد كبير أحداث ثورة يناير، وبما أن الرئيسين المخلوع والمنتخب بريئان من سفك الدماء تصبح جماعة الإخوان المسؤول الحصري عن الجريمتين، معادلة لا يجد أنصار براءة مبارك أكثر من سوالف المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء والفضائيات وفي مقدمتها فضائية العربية للتدليل عليها.
بعبارة "يحيا العدل" استقبل وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد، حكم براءة الرئيس الأسبق حسني مبارك. إنها، إذن، العدالة بنسختها المصرية المدعومة خليجيا، أين منها محاكمة لويس السادس عشر وبقية العملاء في عهود الثورة الفرنسية؟ كلمتان سحريتان تفككان الطلسم، الإخوان المسلمين والسلطة، بكل ما لديه من أساليب ضغط ووسائل تعقب يريد المعسكر المصري الخليجي المعادي للجماعة تضييق الخناق عليها، خناق لا يمكن لعشاق مصر الجدد السماح بالتفافه على من وصف يوما بأنه حليف إستراتيجي لعواصم الخليج، خطوة من هذا النوع قد تفتح الباب عرفيا على محاكمة الباطشين بالسلطة جميعهم، وهنا مكمن الخطورة، لا يقبل الملوك والأمراء سيرورة ثورية حقيقية في أرض الكنانة، الإستبداد السياسي والعسف القضائي والفجور في الخصومة مطلبهم الذي لا يحيدون عنه، مطلب يشكل حكم محكمة جناية القاهرة بعضا من تجليات إجابته إلى جانب كونه تلبية لاحتياجات محلية.
إحتياجات النظام المصري الحالي إلى الإستقرار وترحيبه بالمصالحة الخليجية يبعثان الإرتياب من قرار تبرئة مبارك في هذا التوقيت بالذات، القرار لن يمر من دون تداعيات سواء على المقلب المتضرر من سياسات مبارك أو الآخر الإخواني، يضاف إلى ذلك أن توجه الأصابع إلى الإخوان وتركيز العداء عليهم وانصباب الإهتمام جله على محاربتهم سيستنفر المعكسر القطري التركي في الحد الأدنى، تغطية قناة الجزيرة لأحداث مصر يومي السبت والأحد نموذج من الإمتعاض الإخواني الذي قد يتجاوز حدود ما هو حاصل راهنا.
في خلاصة المشهد، يعسر التوقع بمرور حكم محكمة جنايات القاهرة مرور الكرام، إثارته اضطرابات في مصر المفتقرة إلى استقرار مستديم وتشويشه على المصالحة الخليجية الوليدة بعض تلك التداعيات وأسرعها وأكثرها بروزا.