السعودية/ نبأ- كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، في تقرير كتبه الخبير العسكري روبرت سبرنجبورج، أمس الجمعة، بعنوان: «صحوة الجيوش العربية»، أن الثورات العربية الأخيرة والأحداث التى تلتها نتج عنها ما وصفه بـ«عسكرة العالم العربى بشكل عميق»، قائلة إنه «فى الجمهوريات، تمت إعادة الحكم العسكرى فى مصر من جديد، وترسيخ قوة الجيش الجزائرى فى البلاد، وربما يستعد الجيش التونسى لدور جديد غير معتاد فى المستقبل».
وأضافت الصحيفة، أنه «فى بعض الجمهوريات الأخرى، حرضت الأنظمة الداعمة للجيش ضد الميليشيات الخارجة من الحركات الاحتجاجية، ما جعلهم يحصلون على الدعم الخارجى».
وتابعت: «فى الأنظمة الملكية، عززت العائلات الحاكمة جيوشها عن طريق زيادة قدراتها، وذلك، فى المقام الأول، لمواجهة وإخماد الاضطرابات فى حال حدوثها، ولكنه أيضاً بمثابة جزء من الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة نفسها».
ورأى سبرنجبورج، الذى عمل مستشارا فى وزارة الخارجية الأمريكية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، ومختلف الدوائر الحكومية فى المملكة المتحدة، أن «الولايات المتحدة تكمن وراء هذه العسكرة، ولكن فى أشكال مختلفة، بما فى ذلك كونها المورد الرئيسى للأسلحة والمعدات لهذه الجيوش، والمدرب، والمشرف على الحملات المكافحة للإرهاب».
ومضى يقول فى التحليل: «هذا هو التطور الخطير الأخير فى العالم العربى، حيث لم يعد دور الجيوش كما فى السابق، حينما كان يقتصر دورها على حماية البلاد، بل باتت تنشط لمكافحة التهديدات الداخلية، ولمواجهة الإرهاب، وعدم الاستقرار فى الدول المجاورة».
وأشار سبرنجبورج إلى أنه «فى حين أن معظم الاهتمام الآن بات على الوجهات السياسية الجديدة للجيش فى جمهوريات مثل مصر، فإن آثار هذه العسكرة فى ممالك الخليج قد تكون أكثر أهمية».
وأوضح سبرنجبورج أن رجال الجيش فى الجمهوريات هم الأكثر وضوحاً فى مسيرة هذه البلاد، قائلاً إنه «فى مصر، التى يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسى، الرجل العسكرى سابقاً، استطاع الجيش صد القوى التى تمخضت عن الثورة بقوة، وذلك بعد هزيمة جماعة الإخوان المسلمين، وتهميش الثوار».
وأضاف أن «السيسى دعا بعض الأشخاص إلى نظامه الجديد، من رجال الدولة، وغيرهم، للعمل فى السياسة، والاقتصاد، والإدارة»، مشيراً إلى أن قائمة المرشحين «شملت الرأسماليين، وغيرهم من فلول نظام الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، والإسلاميين، والأشخاص التقليديين من القبائل، وأعضاء النقابات»، معتبراً أن «هذه المجموعة الواسعة من الخيارات تبرز قوة الجيش الملحوظة، وضعف الجهات الفاعلة الأخرى».
ورأى سبرنجبورج أن النقطة الأساسية التى استخدمها الجيش المصرى لـ«تلميع صورته» هى كونه «ينأى بنفسه عن واشنطن، وذلك على الرغم من كونها الداعم الخارجى الرئيسى له، ولكنه صوَر نفسه على أنه يجسد الناصرية الجديدة».
وتابع: «هذا التناقض سيصبح أكثر وضوحاً للمصريين مع مرور الوقت، ولكن الرغبة العامة فى التعتيم على هذه التناقضات تؤكد الخلل العميق بين جميع الجهات الفاعلة، العسكرية والمدنية، كما أنها تشير إلى الأمل اليائس للحصول على حياة أفضل، والذى يظن رجل الجيش القوى أنه فقط القادر على تحقيقه».
ومضى يقول إنه «فى تونس، عمل الجيش على حراسة الساحة السياسية فى ظل صراع القوى المتنافسة على السلطة، وذلك فى الوقت الذى كان يواجه فيه العناصر الجهادية، حيث كان بمثابة (راعى الثورة)، وهو يتمتع الآن بوضع أفضل بكثير مما كان عليه فى عهد الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي».
ورأى أنه «فى الجزائر، يعد الجيش هو الأكثر قوة من بين الجيوش فى الجمهوريات الأخرى، وذلك على الرغم من الانقسامات الداخلية، حيث طالما عمل على تقويض المنافسين الآخرين على السلطة داخل الدولة، أما فى الجمهوريات الأخرى مثل سوريا واليمن وليبيا، فقد تم تفتيت الجيوش، ففى هذه الجمهوريات كانت القوات المسلحة ليست مؤسسات كما هى عليه فى تونس أو مصر، بل كانت شبيهة بالميليشيات».
وأشار سبرنجبورج إلى أن «الوضع فى الأنظمة الملكية يختلف تماماً عن الجمهوريات، حيث تقع السلطة فى يد الأسر الحاكمة، وليس الجيوش أو الميليشيات»، قائلاً إنه «للوهلة الأولى فإنه يبدو أن السلطة الحاكمة فى الممالك لم تنزعج من الثورات المجاورة، ولكن هذا رأى قصير النظر».
ورأى أن هناك مؤشرات على ما يمكن أن يكون «تحولاً تاريخياً» فى السلطة من العائلات المالكة للضباط، وربما يكون مماثلاً لذلك الذى وقع قبل سنوات طويلة فى معظم الجمهوريات.
وأضاف أنه «بسبب خوفها من الاضطرابات، عززت العائلات المالكة جيوشها، من خلال زيادة معدل التجنيد، وزيادة المعدات والأجهزة، والتركيز بشكل أكبر على البعد الأمنى لسياساتها الداخلية والخارجية، وعلى مكافحة الإرهاب»، معتبراً أن «اعتماد الحاكم المتزايد على الجيش قد يؤدى فى النهاية إلى تبعيته له».
وأشار إلى أن «إستراتيجية الممالك الخليجية الجديدة شملت وضع أفراد الأسر الحاكمة فى قيادة الجيوش، وتقسيم الجيش نفسه، وتجنيد المرتزقة»، قائلاً إن الملوك الرئيسيين فى دول مجلس التعاون الخليجى، وعلى رأسهم السعودية، دعموا القوات المسلحة، الداخلية والخارجية، لمواجهة الاضطرابات، دون أى اعتبار لعواقب هذا الأمر.
ورأى أن هذه التدابير الجديدة تعكس «التغيير النوعي» فى دور الجيوش فى ممالك الخليج، أو على الأقل فى دول مجلس التعاون الخليجى، قائلاً إن «الجيوش فى الممالك أصبحت سيوف ذو حدين، فهى قادرة على هزيمة الثورات الداخلية، أو الخارجية، ولكنها تدخل إلى النخبة السياسية، مما يمكن أن يؤدى إلى نهاية حكم هذه الممالك».
وحذر سبرنجبورج من أن الرهانات باتت متزايدة على «عسكرة الممالك الخليجية»، وذلك فى ظل إمكانية حدوث انقسامات داخل الأسر الحاكمة، بين المعتدلين والمتشددين، الأمر الذى يبدو أكثر وضوحاً فى البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، بحسب قوله.
وختم مقاله قائلاً إن «هذه الانقسامات الداخلية ستفتح آفاقاً للضباط غير الملكيين، فالجيوش الملكية التى تعززت بشكل كبير، نتيجة للاضطرابات العربية، لا تزال تحت السيطرة الحازمة لهذه الملكيات، ولكن قدرتها على تكثيف الانقسامات داخل الأسر الحاكمة، وبالتالى خلق فرص للحكم، سواء للضباط أو للمدنيين، باتت تنمو هى الأخرى فى خط مستقيم مع نمو حجم هذه القوات».