السعودية / جالف ستاتس نيوز – قصةٌ قصيرة نشرها موقع مكة أون لاين الإخباري السعودي، في منتصف أكتوبر، تقول: إن 334 شخصًا ممن أكملوا برنامج إعادة تأهيل الإرهابيين في المملكة عادوا إلى صفوف الجماعات الإرهابية. بنسبةٍ تصل إلى حوالي 12 % من المشاركين، و19 % من نزلاء جونتانامو السابقين، حسبما نقلت الصحيفة عن "مصدر مسؤول".
حدث ذلك بعد تفاخر السعوديين سابقًا بانخفاض معدلات الانتكاسة. ففي عام 2209، زعم الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز- وزير الداخلية منذ عام 2012، وحامل لواء برنامج تأهيل الإرهابيين رفيع المستوى نسبيًا- أن من بين ثلاثة آلاف مشارك، عاد 35 فقط إلى درب الإرهاب، ويُذكَر أيضًا أن النسبة تبلغ 3 %.
واكتسب "إعادة التأهيل" سمعته، كأحد أفضل البرامج على مستوى العالم، من معدلات النجاح التي رُوِّجَت على مدار سنوات، واستعداد السعوديين لفتح المركز- الذي تجري فيه إعادة التأهيل- أمام الصحفيين للقيام بجولات داخله.
إستراتيجية يغلب عليها الفشل
وتفترض المملكة، في صميم استراتيجيتها، أن معظم الإرهابيين يتصرفون وفقًا لتفسيرٍ مضلل للإسلام؛ وبالتالي يهدف البرنامج إلى إعادة توجيه تفكيرهم الديني. وتستند استراتيجية (مكافحة الإرهاب) على تجفيف الموارد، وتقديم النصيحة الدينية للعودة إلى حظيرة الإسلام الصحيح، وحماية المواطنين من أفكارهم الضالة، على حد وصف المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، خلال مؤتمر أمني استضافته الرياض في أوائل نوفمبر.
وزعم "التركي" أن عدد الإرهابيين السعوديين انخفض بنسبة 50 % العام الماضي، منذ أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز مرسومًا بفرض عقوبات قاسية على أي شخص ينتمي أو يدعم منظمات إرهابية، وعزا الانخفاض إلى "زيادة تنوير المواطنين وتضافر جهود الوزارة".
لكن قبل بضعة أيام فقط من خطابه، استهدف هجوم إرهابي شيعة المنطقة الشرقية، أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص؛ ليُذَكِّر بأن السمة الغالبة على استراتيجية الوزارة هي الفشل. كما نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصدر أمني، يوم 7 نوفمبر، أن غالبية المعتقلين على خلفية الهجوم شاركوا سابقًا في حروب خارجية، أو احتُجِزوا في تهم تتعلق بالإرهاب، بما في ذلك بعض الذين كانوا ينتظرون المحاكمة، وغيرهم ممن أُفرِج عنهم بعد خضوعهم لإعادة التأهيل.
البرنامج ليس ترياقًا سحريًا
ورغم الصخب الحكومي، يكاد يكون من المستحيل قياس برنامج إعادة التأهيل في ظل عدم وجود إحصاءات غير حكومية، وغياب لجنة مراقبة مستقلة كتلك التي أعدت تقريرًا عن خطة الإفراج المبكر التي كانت جزءًا لا يتجزأ من خطة السلام في أيرلندا الشمالية عام 1998. وحتى مع تطبيق آلية أكثر موضوعية، يبقى قياس معدلات الانتكاسة بدقة أمرًا بالغ الصعوبة.
كما يشكك الخبراء في جدوى إعادة التوجيه الديني. وفي هذا السياق كتب آدم لانكفورد وكاثرين غيلسبي من جامعة ألاباما في عام 2011: "صحيح أنها قد تكون الطريقة الأسرع، لكنها أيضًا الأكثر هشاشة. فمثل أي تعليم إلزامي، يمكن أن يصبح المكون التعليمي في السعودية قسريًا، وهناك خطر دائم يكمن في أن اهتمام رجال الدين والعلماء ذي الصلة أصبح منصبًا على الغايات وليس الوسائل".
كما وصف مدير مركز أبحاث الإرهاب والأمن في جامعة ماساتشوستس لويل، جون هورجان، "فكرة أننا بحاجة إلى التصدي للأيديولوجيا؛ باعتبارها الوسيلة الأكثر أهمية لإبقاء الناس بعيدًا عن الإرهاب"، بأنها "افتراض خطير"، قائلًًا: "إعادة الاندماج هو الحل الناجع".
وأوضح كورت برادوك، الباحث في التواصل المتطرف في جامعة ولاية بنسلفانيا، أن العملية كانت عبارة عن فك ارتباط وليس إعادة تأهيل الإرهابيين. قائلًا: "هناك المزيد من برامج الحد من المخاطر بدلًا من برامج إعادة التأهيل. والإجماع على أنها مفيدة، لكنها لا يمكن أن تكون ترياقًا سحريًا، وإن كان بعض الناس يريدها كذلك".
سؤالٌ آخر، طرحه آدم لانكفورد من جامعة ألاباما خلال حديثه مع جالف ستاتس نيوز، مفادة: مَن الأشخاص الذين يستهدفهم البرنامج؟، قائلا: "إنهم منفتحون جدًا حول حقيقة أنهم لا يحاولون إعادة تأهيل أسوأ السيئين. فالأشخاص المشتركون في البرنامج قد يكونوا تورطوا مع منظمات إرهابية، لكن بطرق غير عنيفة؛ عبر تزوير الوثائق، ونشر الدعاية، والحصول على الأسلحة، وإجراء المراقبة، إلخ".
الوقاية خيرٌ من العلاج
هناك أيضًا من يقول بوجوب المزيد من التركيز على التدابير الوقائية. صحيح أن المملكة العربية السعودية تطبق عددًا من هذه الخطط، من خلال حملات التوعية في المساجد والمدارس، على سبيل المثال، لكن الوقاية صعبة التحقيق عمليًا.
ولمَّا كانت "المنظمات الإرهابية.. تفخر بكونها قادرة على تجنيد الأشخاص- سواء بصورة شخصية أو عبر الشبكة- على اتساع الخارطة السكانية؛ فإن منع التطرف بشكل فعال، يوجب على الحكومة الوصول إلى كافة الشباب الذكور الذين لا يراقبهم والديهم عن كثب"، على حد قول "لانكفورد".
وشهد البرنامج بعض الإخفاقات البارزة؛ ففي عام 2009، أفادت التقارير أن علي شاري- القادم من جوانتانامو في عام 2007، والذي خضع لبرنامج إعادة التأهيل، ثم أفرج عنه- كان من بين المتورطين في محاولة عمر فاروق عبد المطلب الفاشلة لتفجير طائرة كانت متوجهة من أمستردام إلى ديترويت.
نجاحٌ نسبيّ
لكن رغم هذه النماذج، وكل الشكوك حول إحصائيات الحكومة، يبدو أن الاستراتيجية السعودية تحرز بعض النجاح. فالترف النسبي للمراكز الرئيسية، والمساعدات المالية السخية لمن تعرضوا للإساءة- يحصلون على مساعدة لإيجاد وظائف ومنازل وأثاث وسيارات، وحتى زوجات- وإن كان يُنظَر إليها أحيانًا على أنها غير مناسبة، إلا أن النجاح قد يتوقف على هذا الدعم المادي، بدلًا من محاولات إعادة التأهيل.
وفي هذا السياق، قال تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي عام 2010: "مما لاشك فيه أن البرنامج السعودي هو الأكثر شمولًا. ذلك أنه يخلق الكثير من الواجبات والالتزامات الشخصية باسم السجناء السابقين، تجعل من غير المنطقي- إن لم يكن مستحيلًا- على أي شخص أن يعود إلى العنف".
ترجمة: علاء البشبيشي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.