تعاني السجون البحرينية أو «مراكز الإصلاح والتأهيل»، كما يحلو للسلطات تسميتها، من اكتظاظ واختلاط بين من هم دون الثامنة عشرة من العمر وأولئك الأكبر سنا في الزنزانة الواحدة، وذلك بحسب تقرير صادر مؤخرا عن «الأمانة العامة للتظلمات» في وزارة الداخلية البحرينية، والتي شكلت في شهر تموز الماضي. فقد اشتكى العديد من السجناء من سوء المعاملة داخل السجون ومن الأوضاع المزرية من ناحية النظافة ومن عدم توافر الخدمات الصحية وغيرها من أساسيات الحياة.
ودأبت الجهات الرسمية على تجاهل هذه الشكاوى أو الرد عليها، معتبرة أن كل شيء على ما يرام، وذلك حتى جاء تقرير الأمانة العامة، الذي أوصى بضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة لتلافي مشكلة اكتظاظ الزنازين، والعمل على فصل النزلاء من الفئة العمرية بين 15 و18 عاماً، مع إيجاد وسائل لمعاملتهم تلبي احتياجاتهم المختلفة ووضع قواعد مكتوبة تحدد طرق وحالات تفتيش النزلاء وتدريب الطاقم على هذه القواعد.
وجاء في أبرز التوصيات تخصيص فصول دراسية تمكن النزلاء الطلاب من مواصلة دراستهم وعقد دورات تدريبية متخصصة لجميع الموظفين بهدف الإلمام في كيفية التعامل مع النزلاء، وكذلك تعيين أخصائيين اجتماعيين. وأوصى التقرير بزيادة عدد الطاقم الطبي في العيادات واتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع مستوى النظافة فيها.
صدر التقرير المشار إليه بعد زيارة دامت ثلاثة أيام قامت بها الأمانة العامة للتظلمات إلى «مركز الإصلاح والتأهيل» في شهر أيلول الماضي، وقامت خلالها بمقابلة عدد من النزلاء، ما ساعد على إجراء تقييم حقيقي وموضوعي لطريقة المعاملة التي يتلقونها والظروف التي يعيشون فيها.
وأكد التقرير أن الإجراءات المقررة في السجن تضمن توافق استخدام القوة بدرجاتها المتعددة في الحالات التي تستدعي ذلك مع أحكام القانون والقواعد المنظمة، إلا أنه تحدث عن ضعف التدريب النظري والعملي على كيفية استخدام القوة في حالات الضرورة لدرء المخاطر وحفظ النظام.
وانتقد التقرير عدم شمول برامج إعادة التأهيل مختلف فئات النزلاء، بمن فيهم الذين يقضون مدة عقوبة قصيرة، وقصور في طريقة الإعلان عن تسجيل النزلاء للدراسة بنظامي المنازل أو الانتساب، برغم أن إدارة السجن تتيح للنزلاء فرصاً لمواصلة تعليمهم بمختلف المستويات. وفي حديث لرئيس دائرة الحريات وحقوق الإنسان في «جمعية الوفاق» المعارضة السيد هادي الموسوي إلى «السفير»، قال إنّ «ما ذكرته الأمانة العامة للتظلمات في تقريرها هو مؤشر على صحة ومصداقية ما ذكرته الجهات الحقوقية المختلفة المحلية والدولية حول اكتظاظ السجون وافتقارها للحقوق الأساسية التي يجب أن تتوفر للسجناء».
وأشار الموسوي إلى أن أماكن الاحتجاز والتوقيف تعاني من تردي الرعاية الصحية، مضيفاً أن «إدارة التفتيش على السجون لا تستمع إلا إلى كم بسيط من الشكاوى، ولكن لا يحدث في المقابل أي تحسن على أرض الواقع». ولفت كذلك إلى مشكلة عدم توافر الأماكن المخصصة للنوم للجميع وعدم توافر المياه في أحيان كثيرة. وتحدث أيضاً عن الحاجز الزجاجي الذي وضع مؤخرا بين الموقوف وأهله أثناء فترة الزيارة والذي خلق مشكلة كبيرة، «لما يشكله من عزل واضح وفج».
وطالب السيد هادي الموسوي بإعادة النظر في الأعداد الهائلة للموقوفين الصادرة بحقهم أوامر بالحجز لفترات لا تقل عن 45 يوما في قضايا لا تتطلب ذلك، داعياً الجهات الرسمية إلى السماح للمؤسسات الحقوقية المحايدة المحلية أو الدولية بزيارة أماكن الاحتجاز والسجن، مضيفاً أنه يجب محاسبة رجال إنفاذ القانون في المحتجزات ممن ارتكبوا تجاوزات وجرائم بحق الموقوفين وإيقاع العقاب بهم وعدم اقتصار العقاب على السجناء.
من جهته، أكد نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان رئيس لجنة الشكاوى والرصد والمتابعة الدكتور عبد الله الدرازي في حديث إلى «السفير» أن مركز الاحتجاز المعروف بـ«الحوض الجاف» يعاني من الاكتظاظ، ما يؤثر على توافر المساحة للجميع وتوفير الخدمات الرئيسية.
وقال إنه «من الملاحظ أن الجهات القضائية في البحرين تستخدم التوقيف أكثر من استخدام إطلاق السراح بضمان محل الإقامة، وهو ما يؤدي إلى اكتظاظ مراكز التوقيف، وبالتالي الضغط على العاملين الموجودين والموارد البشرية من حيث قدرتهم على إدارة المكان». وأشار الدرازي إلى أن الاكتظاظ هو المشكلة الرئيسية التي تؤدي إلى مشكلات أخرى، أهمها نقص الخدمات الأساسية لجميع الموقوفين، الصحية والطبية وكذلك ترتيب الزيارات وغيرها.
واقترح الدرازي، من موقعه في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، على الجهات المسؤولة اتخاذ عقوبات بديلة عن التوقيف، كتقديم خدمات مجتمعية لفترات معينة، أو حتى قضاء نصف المدة مع حسن السيرة والسلوك ومن ثم الإفراج مع القيام بخدمات للمجتمع.
كما دعا الدرازي إلى إيجاد سبل قانونية ترمي إلى إطلاق سراح المتهمين في قضايا الجنح البسيطة كالتجمهر غير المرخص وغيرها. ويشار إلى أن المعارضة البحرينية سلطت الأضواء مؤخرا على قضية أحد المعتقلين الذي توفي بعدما أعلنت المصادر الطبية وفاته سريريا اثر نقص في الرعاية الصحية ومنع الأدوية عنه أثناء اعتقاله لمدة شهرين، ما أدى إلى تدهور في حالته الصحية حيث كان يعاني من مرض عضال أدى إلى مضاعفات شديدة ووفاته في المستشفى.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.