أخبار عاجلة

فؤاد إبراهيم: آل سعود يتحملون مسؤولية فاجعة منى

السعودية/ نبأ- أشارت صحيفة "الأخبار" في تقرير للكاتب فؤاد إبراهيم، أن فاجعة الحجيج تزداد غموضاً والسلطات السعودية تزداد تعنتاً. هي تتهم الحجاج بالتسبب في مقتل أنفسهم.

وأوضح الكاتب أن السلطات السعودية ترفض الكشف عن المعلومات، كما ترفض مشاركة أي جهة في التحقيق. والمفارقة أن هناك مئات المفقودين مجهولو المصير، إلى جانب القتلى والجرحى بالمئات. مطالبات كثيرة بكسر احتكار آل سعود شؤون إدارة الحج. والسبب بديهي: آل سعود يتحملون مسؤولية الفاجعة

هو الأسوأ في غضون خمسة وعشرين عاماً، والثاني، حتى الآن وقبل الإعلان عن الأرقام النهائية لعدد الضحايا، من حيث عدد الضحايا بعد حادث نفق المعيصم عام 1990 الذي أودى بحياة أكثر من 1400 حاج معظمهم من الحجاج الآسيويين. وهي ثاني أسوأ مأساة في موسم الحج خلال نصف قرن، بعد حريق منى في كانون أول 1975، حين قضى المئات من الحجاج حرقاً أو خنقاً.

وبخلاف الحوادث السابقة، فإن ثمة ما يضفي خصوصية على مأساة منى هذه المرة، أن ثمة رواية ـ بل روايات أخرى ـ غير رسمية، إذ لم تعد الحكومة قادرة على احتكار الصورة وتالياً الرواية، وهذا ما جعلها تسارع الى مصادرة الكاميرات المرصودة بالقرب من مكان الحادث، واعتقال أصحابها حتى لا تتسرب مشاهد تقوّض الرواية الرسمية، أو ما عملت السلطات السعودية على حياكته من رواية بعد وقوع المأساة.

حتى اللحظة ليس هناك، وبحسب المصادر الرسمية، ما يمكن التعويل عليه بخصوص أعداد الضحايا، فهي مرشّحة للتزايد، بالنظر الى الأعداد الكبيرة من المفقودين والحالات الخطيرة من الجرحى. وبحسب مصادر طبيّة في مكة: حتى ليل الأحد الماضي جرى الإنتهاء من فرز 955 جثّة إلى الآن، وبقيت هناك 1250 جثة جرى إخراجها من البرادات… ونقلت طبيبة سعودية رفضت الكشف عن إسمها تعمل في مستشفى الحرس الوطني أن أعداد الضحايا تجاوز 2000 وهناك تكتّم من قبل السلطات السعودية.

في موقف استباقي بدا شديد الإضرار بالسلطات السعودية أكثر من أي طرف آخر، تواطأت فضائيات سعودية على تعميم رواية تقوم على تحميل الضحايا مسؤولية الحادث بدعوى عدم الالتزام بإرشادات السير، ولكن رواية كهذه بدت أقرب الى الإدانة للسلطات السعودية منها الى تفسير ما جرى، لكونها تنطوي على إقرار بفشل الخطط الميدانية، التي يفترض ان تكون مصمّمة لتفادي مثل هذه الحالات المزعومة، عن طريق تكثيف الارشادات وتنويعها وتوزيعها بكثافة على طول مسارات حركة الحشود. ما يزيد الأمر التباساً وارباكاً فتوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء نشرت في صحيفة (عكاظ) بعد يوم واحد من مأساة منى أن «تعمّد الموت في الأماكن المقدسة يعد انتحاراً».  وأرفق الفتوى بطائفة إرشادات للحجاج بالالتزام بقوانين السير، وختم حديثه بإعلان نتيجة التحقيق قبل بدئه «فما حصل مقدّر وكان بسبب التدافع..» بحسب قوله.

من جهة ثانية، لا يكفّ بعض المفتونين من الكتّاب السعوديين بالتشابك السياسي بخلفية طائفية عن استحضار الصراع الايراني السعودي، والتشديد على الدور الايراني في سوريا للرد على مطالبة ايران للسعودية بالاعتذار لمصرع الحجاج بفعل خطأ بشري. وإذا كانت مقاربة من هذا القبيل سوف تنتج حلاً، فبإمكان الآخرين استحضار المشهد اليمني بكل الاقترافات الشائنة للنظام السعودي. وفي النتائج، أن مقاربات الإعلام والمفتي والكتّاب السعوديين تزيد في تشويش وتشويه المشهد أكثر من إيضاحه، لأننا أمام قضية تتطلب تحليلاً عميقاً وميدانياً.

الاعتصام بذريعة عدم التزام الحجيج تعليمات السير لم يمنح السلطات السعودية شهادة براءة، فلا الحجيج، ولا المراقبون، ولا علماء النفس المختّصون في إدارة الحشود يجدون مبرراً لتكرار المآسي، واستخدام كلمة «التدافع» تقترب من الفعل العمد وغير الواعي لدى الحجاج، وهو سبب في حد ذاته، حتى على صحة وقوعه، غير كاف لتفسير سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، ما لم تكن هناك أسباب أخرى أفضت الى التدافع، أي باعتباره نتيجة لا سبباً.

الأقلام الموتورة في الاعلام السعودي لم تبرح لغة الاسفاف حين أطلقت العنان لكل ما هو بذيء وهابط من لفظ وما هو ساذج وعقيم من تفسير، كالقول بأن ثمة نوايا إيرانية مبيّتة سبقت المأساة أفصحت عن أجندة سياسية بعد ذلك بتحميل السعودية مسؤولية ما جرى في منى ومطالبتها بالاعتذار، مع أن تحميل المسؤولية لم يصدر عن إيران وحدها، بل هناك شخصيات إسلامية في تركيا واندونيسيا ومصر وغيرها تبنّت مواقف مماثلة، وفعلت الشيء ذاته صحف ووسائل إعلام ومؤسسات بحث دولية. وقد خلص الجميع الى نتيجة واحدة أن تكرار الحوادث المأساوية يكشف عن فشل في تنظيم وإدارة شؤون الحج.

ما أثار مخاوف السلطات السعودية ليس تحميل المسؤولية، بل ما يترتب على ذلك، وهو الأخطر، وخصوصاً الشكوك في قدرتها على إدارة الحرمين الشريفين. فلأول مرة منذ عام 1926 أي بعد احتلال عبد العزيز آل سعود للحجاز يعاد طرح الوضع الإداري للحرمين الشريفين.

ولإنعاش الذاكرة، فقد أثار غزو عبد العزيز مكة والمدينة شكوك قادة العالم الاسلامي وحتى يتفادى غضب الشعوب العربية والاسلامية تذرّع بأنه جاء ليسلّم مقاليد الحجاز للحجازيين، وهم يختارون من يحكمهم على أن تكون السيادة للأمة الإسلامية عامة، وما لبث أن أحدث تغييراً بأن أصبح هو مجرد مشرف على شؤون الحجاز فيما يترك لسكانه تقرير نظامه الإداري، ثم أصبح حاكماً عليها على أن يعطى لمجلس الشورى المنتخب في الحجاز ولاية عليه، ولما تمكّن من إحكام قبضته على الحجاز بالكامل وتبدّدت مصادر تهديد سلطانه على الحجاز سحب البساط من مجلس الشورى وبدأ في توهيب الحجاز قضائياً وإدارياً وحتى سياسياً.

وكان عبد العزيز ال سعود قد تفاوض مع وفد هندي مؤلّف من جمعية الخلافة الهندية وجمعية العلماء بخصوص إدارة شؤون الحرمين في تموز 1925 ووعد بالحفاظ على استقلال الحجاز وأن «لا يسمح لغير المسلمين بأي نفوذ فيه». وكتب عبد العزيز في 6 تشرين ثان 1925 رسالة الى ملك مصر، ملك الأفغان، رئيس الجمهورية التركية، شاه إيران، ملك العراق، الأمير عبد الكريم (الخطابي) أمير الريف (في المغرب)، الإمام يحيي (حميد الدين إمام اليمن)، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، رئيس جمعية الخلافة في بومباي، جمعية الحديث في أمرتسر (بالهند)، جمعية العلماء في الهند، صاحب الدولة باي تونس، رئيس حكومة طرابلس الغرب، الشيخ بدر الدين الحسيني، الشيخ بهجت البيطار في دمشق، النظارة الدينية المركزية في بلدة أورفا من بلاد روسيا، القاضي مصطفى شرشلي في بلدة تيزي أوزو بالجزائر، رئيس شركة إسلام في بلدة جو كجاكارتا من بلد جاوه، الشركة المحمدية في جاوه، تشتمل على خطة تسليم الحجاز وتشمل عدّة نقاط منها: «أن الحجاز للحجازيين من جهة الحكم وللعالم الإسلامي من جهة الحقوق التي لهم في هذه البلاد». ووعد بإجراء استفتاء عام لاختيار حاكم الحجاز «تحت إشراف مندوبي العالم الإسلامي» وتعهّد قائلاً: «وسنسلم الوديعة التي في أيدينا لهذا الحاكم».

نكث إبن سعود بوعوده، وعيّن نفسه ملكاً على الحجاز، وأصبحت مكة والمدينة جزءاً من المملكة السعودية. رفضت الأخيرة أن يكون هناك دور لأي دولة إسلامية في تنظيم أو رعاية أو إدارة شؤون الحج، بالرغم من أن مؤسسات دينية عريقة في تركيا ومصر وشبه القارة الهندية، فضلاً عن نظيراتها في ايران والعراق وسوريا واليمن، تتمسك بحق النظارة في الديار المقدّسة.

اليوم، وبعد وقوع مأساة منى، يعاد طرح مقترح الاشراف الدولي على شؤون الحرمين، وهذا سر فزع النظام السعودي، الذي وجد نفسه محاطاً بموجة عارمة من الانتقادات لقصوره عن الخروج ولو لمرة واحدة بـ «حج آمن»، أي بدون ضحايا.

لجوء السلطات السعودية الى تكثيف وجبات الدعاية حول إنجازات فرق تنظيم الحج تبدو مفتعلة حين توضع في سياق تقديم إجابة عن سؤال الأسباب وراء مأساة منى، كمن يذكر كفاءة سائق شاحنة ويغفل عن عمد أنه تسبب في مقتل عدد من المارة.

تأليف لجنة تحقيق، أو حتى إقالة وزير الحج وأمين العاصمة المقدّسة ومدير أمن مكة هي تدابير مطلوبة، ولكن هل تحل المشكّلة، وهل الوزير أو من دونه يتصرف بملء إرادته في دولة شمولية يمثّل فيها الملك سلطة مطلقة؟ وهل يمكن التعويل على نتائج تصدر عن لجنة لا تتسم بالشفافية وليس فيها من الأعضاء المستقلين القدر الذي يبعث الاطمئنان الى حيادية مهمته؟!

في النتائج، سوف تسعى السلطات السعودية الى احتواء تداعيات الحادث ولو تطلب تقطيع الحقيقة الى أجزاء بدلاً من تقديمها كاملة ومرة واحدة فتحدث صدمة، وإن استدعى فبركة روايات عن «مؤامرة إيرانية» من شهود عيان غب الطلب، والخروج من الفضيحة بشهادة بطولة، وأما الضحايا فلا تجوز عليهم سوى الرحمة وقراءة الفاتحة بقلوب ميتة.