السعودية/ نبأ- توقع الكاتب اﻷمريكي أندرو سكوت كوبر في تقرير نشر بصحيفة "نيويورك تايمز"- إفلاس المملكة بحلول عام 2020 إذا لم تتخذ إجراءات تقشفية، مؤكدا أن الرياض عرضت نفسها للأذى بسلاحها العظيم.
وأوضح الكاتب، انه وخلال نصف القرن الماضي، كان الاقتصاد العالمي رهينة لدولة واحدة فقط، المملكة العربية السعودية، التي سمحت احتياطياتها النفطية الهائلة، للعب دور كبير كمنتج يستطيع ملء أو استنزاف إرادة النظام العالمي.
الحظر النفطي بين عامي 1973-1974 أول دليل على أن آل سعود لديهم استعداد لتحويل سوق النفط لسلاح، وفي أكتوبر 1973، تحالف من الدول العربية بقيادة السعودية أوقف فجأة شحنات النفط، ردا على دعم أمريكا لإسرائيل خلال حرب يوم الغفران.
سعر برميل النفط ارتفع أربع مرات بسرعة، مما أدى لصدمة في الاقتصادات التي تعتمد على النفط في الغرب وارتفعت تكاليف المعيشة، وتزايدت البطالة والسخط الاجتماعي.
وحينها قال هنري كسينجر نائب الرئيس اﻷمريكي ﻷحد مساعديه، :" لو كنت الرئيس .. كنت أجبر العرب على تصدير النفط بالقوة.. ولكن الرئيس ريتشارد نيكسون كان في موقف لا يسمح له بإجبار السعوديين على شيء".
في الغرب، أهملنا بشكل كبير دروس عام 1974، وذلك جزئيا ﻷن اقتصاداتنا تغيرت، ولكن في اﻷساس لأننا لسنا الهدف الرئيسي للسعوديين. التوقعات بأن إنتاج النفط العالمي سيصل الى ذروته في النهاية التي بقيت ضمان ارتفاع الأسعار بشكل دائم، لم تتحقق.
واليوم، يتم تحديد أزمات النفط بانخفاض سعر البرميل الخام تبعا للسياسة اﻹقليمية، فحروب النفط في القرن الـ 20، تجري على قدما وساق.
في السنوات الأخيرة، ظهرت رؤية السعوديين بوضوح ونظرتهم ﻷسواق النفط، باعتبارها خط الجبهة الحاسمة في معارك الدول السنية ضد منافستها الشيعية إيران.
تكتيك "الفيضانات" – إغراق اﻷسواق بالنفط – في وسائل الحرب الاقتصادية، تعادل إسقاط قنبلة على المنافس.
في 2006، نواف عبيد مستشار أمني سعودي، حذر من أن الرياض مستعدة لخفض الأسعار لـ "خنق" الاقتصاد الإيراني، وبعد ذلك بعامين فعلها السعوديين، بهدف إعاقة قدرة طهران على دعم الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان، وأماكن أخرى.
وفي 2011، قال الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، لمسؤولي حلف شمال الاطلسي "الناتو"، إن الرياض مستعدة لإغراق السوق بالنفط لاثارة القلاقل داخل إيران، وبعد ثلاث سنوات، فعلها السعوديون مرة أخرى.
ولكن هذه المرة، هم مبالغون بما في أيديهم.
عندما نفذ المسؤولين السعوديين خطوتهم في عام 2014، والاستفادة من السوق المتخم بالفعل، لا يشكون في أن انخفاض أسعار ستقوض صناعة الصخر الزيتي الأمريكية، الذي كان يتحدى هيمنة السعودية على السوق، ولكن الغرض الرئيسي من تلك الخطوة جعل الحياة صعبة بالنسبة طهران.
وقال عبيد: ايران تتعرض لضغوط اقتصادية ومالية لم يسبق له مثيل لأنها تحاول الحفاظ على اقتصادها الذي يعاني من العقوبات الدولية".
البلدان المنتجة للنفط، وخاصة مثل روسيا، مع اقتصادات غير متنوعة نسبيا، وتعتمد ميزانياتها على أسعار النفط التي لا يجب أن تهبط دون مستوى معين، وإذا تهاوت اﻷسعار أقل من هذا المستوى، يلوح الانهيار المالي في اﻷفق.
ويتوقع السعوديون أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط لن يؤذي صناعة الصخر الزيتي الأمريكية فقط، ولكن أيضا لضرب اقتصادات إيران وروسيا، وهذا بدوره من شأنه أن يضعف قدرتهما على دعم حلفائهما وأتباعهما، ولا سيما في العراق وسوريا.
هذا التكتيك كان فعال بصورة وحشية في الماضي، وهذا السيناريو الذي واجه الشاه عام 1977 عندما أغرقت السعودية أسوق النفط، لكبح جماح النفوذ الإيراني، وهذا اﻹغراق لم يكن السبب الوحيد للثورة الإيرانية، ولكنه كان عاملا مؤثرا في زعزعة حكم الشاه، حيث اندلعت ثورة الخميني لطرد النظام الملكي الموالي للغرب، ومع إقامة دولة دينية، في هذا اللحظة اشتعلت أسواق النفط، وصعد الإسلام السياسي.
ساعد انخفاض أسعار النفط أيضا في نهاية الحرب الباردة، روسيا اليوم، كانت القوة العظمى الشيوعية منتج الطاقة العالمي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، وبين عامي 1985-1986، القرار السعودي بإغراق السوق أدى إلى انهيار الأسعار التي وضعت الاقتصاد السوفياتي في حالة فوضى.
وكتب الخبير الاقتصادي الروسي "ايغور جايدار" : إن الجدول الزمني لانهيار الاتحاد السوفيتي يمكن أن يحدد بـ 13 سبتمبر 1985"، وفي هذا التاريخ أعلن الشيخ أحمد زكي يماني، وزير النفط حينها في السعودية، :إن" النظام الملكي قرر تغيير سياسته النفطية بشكل جذري".
اليوم في روسيا، نصف الإيرادات الحكومية تأتي من النفط والغاز، وحتى لو عاد سعر برميل النفط إلى أقل من 40 دولار، وهذا يشكل "سيناريو خطير"، بحسب ميخائيل ديميترييف، نائب وزير الاقتصاد الروسي السابق، الذي قال: التضخم في روسيا بلغ خانة العشرات العام الماضي، صندوقها للثروة السيادية، الذي يكافح الشركات الروسية، يستنزف، وإغلاق المصانع تغذي الاضطرابات العمالية.
لسوء الحظ بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، تزامن الأزمة المالية الروسية مع التدخلات العسكرية في شرق اوكرانيا، وسوريا. وإذا تدهور الاقتصاد الروسي وشعر الرئيس بوتين أنه في ورطة، فقد يبحث عن سبل لإلهاء الشعب الروسي بالمزيد من الاستفزازات التي تجمع الشعب حول العلم، وكذلك إحداث الذعر في اسواق النفط.
صدمة المستقبل وصلت بالفعل لمنتجي النفط مثل فنزويلا، حيث تهاوت عائدات النفط، الذي يعتمد اقتصادها بنسبة 95 % على عائدات التصدير، ومع ارتفاع معدلات التضخم التي تنبأ بها صندوق النقد الدولي لتصل لـ 720 % هذا العام، أصبحت فنزويلا دولة في غيبوبة المالية.
وهذا درس قاس على ما يمكن أن يحدث للبلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على سعر واحد لمنتج غير مستقر، الرئيس نيكولاس مادورو تحت رحمة الأسواق التي في كل يوم، تدفع نظامه للترنح ويقترب من الهاوية.
في الشرق الأوسط، قيد انخفاض عائدات النفط قدرة العراق على شن حرب ضد الدولة الإسلامية، ومنتجي النفط في الخليج العربي مثل قطر والإمارات العربية المتحدة تقدر خسائرها بحوالي 360 مليار دولار العام الماضي.
وهذه الخسائر تعتبر فجوة كبيرة في الميزانية تصعد معها مشاكل الحفاظ على النظام الداخلي، في الوقت الذي تقاتل في سوريا واليمن، وتدعم حلفاء تعاني من ضائقة مالية مثل مصر.
الحكومة السعودية لو لم تكبح جماح الإنفاق فإنها سوف تصبح مفلسه بحلول 2020، ومؤخرا طلبت المملكة قرضا بمليارات الدولارات.
دعوات الملك سلمان للتقشف وزيادة الضرائب، وخفض الدعم يثير تساؤلات حول التماسك الداخلي في المملكة، حتى قرر الملك تحمل عبء الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، مما زاد من التساؤلات حول مستقبل المملكة.
وفي الوقت نفسه، من خلال إبرام الاتفاق النووي التاريخي، إيران تخرج من تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، ولن تغفل على الرياض أن هذا يضيف منتج أخر للنفط للسوق العالمية، ويجعلها غير قادرة على السيطرة عليه.
عدم الاستقرار والبؤس الاقتصادي للدول الصغيرة المنتجة للنفط مثل نيجيريا، وأذربيجان تبدو مرشحة للاستمرار، ولكن هذه أضرار جانبية.
القصة الحقيقية تكمن في كيف أذى السعوديين أنفسهم بسلاحهم الخاصة؟.