السعودية / نبأ – “لا مدانين لدينا في قضايا رأي مجرد”، الكلام لوزير العدل السعودي محمد العيسى على هامش مؤتمر تدشين منظومة المحاكم المتخصصة. العيسى حاول التقليل من خطورة الإنتهاكات المرتكبة في المملكة بحق المعارضين السياسيين وتبريرها بالقول: “إن لبعض الآراء فعلا ضارا”. هي أقوال تثبت من جديد سياسة الإعتباط والهروب المتبعة من قبل النظام السعودي.
وهكذا بكل ثقة قال وزير العدل السعودي إنه لا مدانين لدينا في قضايا رأي مجرد، بالنسبة إليه، الشيخ نمر النمر، وليد أبو الخير، الشيخ توفيق العامر، رائف بدوي، محمد القحطاني، مخلف الشمري وغيرهم الآلاف محاكمون بتهمة الإخلال بسكينة المجتمع.
يتقن العيسى تنميق الكلام والإلتفاف على الوقائع وعلى نحوٍ يُشبه الأسطوانة التي تتكرّر في كلّ المشيخيات النفطية.
يسهب الوزير في الحديث عن اختلاف الدساتير والمفاهيم والأعراف والثقافات من دولة إلى أخرى، ومجتهدا في تبرير المحاكمات والأحكام غير الإنسانية. يخيل للمستمع للوهلة الأولى أن أحد رواد عصر التنوير أو الوجودية ينظر الحرية، لا قمع للآراء المجردة في المملكة، حرية التعبير مضبوطة بالدستور والنظام والمشاعر العامة، هذا ما قاله محمد العيسى.
قول تدحضه بيسر المعطيات والأدلة المستقاة من الواقع الحقوقي في السعودية، لا قواعد أساسية هنا تبين شكل الدولة ونظام الحكم ومدى سلطتها إزاء الأفراد والجموع، ولا مشاعر عامة إلا تلك المفروضة من قبل التحالف السياسي الديني الحاكم في بلاد الحرمين. غياب مزدوج يتيح للملوك والأمراء ومشائخ السلطان تفعيل الهوى إلى أقصى الحدود في تكميم الأفواه ومصادرة الحريات وهضم الحقوق والتعدي على المفكرين والمثقفين، منظمات حقوقية وإنسانية وتقارير إعلامية أكثر من تحصى في عجالة أثبتت ذلك، العفو الدولية على رأس القائمة، الأخيرة اتهمت المملكة بالقيام باعتقالات عشوائية ومحاكمات جائرة والتعذيب وغيرها من صنوف المعاملة السيئة.
إتهامات تبنتها أيضا منظمة هيومن رايتس ووتش متحدثة عن تصاعد حملات التوقيف ومحاكمة المعارضين السلميين وخضوع آلاف الأشخاص لمحاكمات غير عادلة وتعرض آخرين للإحتجاز التعسفي خصوصا خلال العام ألفين وثلاثة عشر. وبحسب تقديرات المنظمات الحقوقية العاملة في الخليج فإن عدد المعتقلين السياسيين في المملكة يتراوح بين 25000 و 30000 معتقل، وهي حالات سبق أن أحيل معظمها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة والموصوفة من قبل كثيرين بأنها مجحفة وفاقدة للعدالة والمشروعية.
يؤكد نشطاء حقوقيون أن أهواء الدولة القمعيّة تتحكم بشكل تام بالقضاء السعودي، واصفين معاملة سجناء الرأي في المملكة بأنها متعارضة مع القواعد النموذجية الدنيا الواردة في أحكام الأمم المتحدة.
وهو تعارض يتجلى بوضوح في حرمان المعتقلين السياسيين من مقابلة محاميهم واستجوابهم لعدة أشهر من دون اتخاذ أي إجراء ضدهم ومنع الزيارات عنهم والحجب بينهم وبين أية معلومات متعلقة بمواعيد المحاكمات والإجراءات الخاصة بقضاياهم. كما يتجلى هذا التعارض في الضرب والتعذيب والحبس الإنفرادي والمنع من النوم والإهمال الصحي المتعمد والتهديد بالقتل وانتهاك العرض والتضييق على أهالي السجناء وصولا إلى اعتقالهم. وهي عقوبات تطال الآلاف بتهم فضفاضة ملتبسة غير واضحة المعالم تبدأ من ازدراء القضاء والتواصل مع جهات أجنبية والمطالبة بملكية دستورية ولا تنتهي بالإساءة إلى الدين الإسلامي والسعي إلى تقويض سياسات الدولة وتعبئة الرأي العام ضد المؤسسات الأمنية. ولعلّ المحاكمة التي يُلاحق بها الناشط الحقوقي مخلف دهام الشمري خير مثال على “سخرية” التّهم التي يُوجّهها القضاء السعودي إلى النشطاء، حيث يُلاحق الشمري بتهمة الصلاة جماعةً في سيهات مع إخوانه من المسلمين الشيعة، ومناداته بالوسطيّة والتعايش، وبسبب دعوته لوجبة عشاء عامة تتدّعي السلطات بأنّها دعوة غير مرخّصة.
نماذج كثيرة يمكن إيرادها للتدليل على ذلك، ما تعرض له النشطاء السياسيون والحقوقيون مؤخرا في المملكة من سجن وتوقيف وجلد ومنع من السفر يكفي وحده لإثبات “البدع” التي نفى وزير العدل السعودي محمد العيسى وجودها. في صفوف المحامين ومؤسسي المواقع الإلكترونية والأكاديميين والكتاب والمغردين والمتضامنين مع غزة تجلى الصلف السعودي بأوضح صوره. صلف يصر وزير العدل على إنكاره واعتباره محاولة لتشويه سمعة المملكة. ويخطئ الوزير العيسى مرة أخرى، آلاف المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في السعودية لم يقلقوا سكينة المجتمع، هم فقط تجرأوا على انتقاد سلطة تعطيل الحياة وإعطاب المفاهيم والإجهاز على الحرية.
(تقرير دعاء علي)