السعودية/ نبأ- كتبت ملاك عواد في صحيفة "الأخبار" اللبنانية، إن أمراء وأميرات يتجولون في أوروبا والولايات المتحدة. يبذخون، يحتفلون، يستثمرون ويخالفون قيوداً كثيرة أرساها جدّهم عبد العزيز ذات يومٍ في نجد والحجاز. والإعلام الغربي يتصيّد بروحه «الاستشراقية» ما يجد من سلوكهم خارج الإطار الذي يراهم فيه. ليسوا أميراً أو اثنين.
إنهم بالعشرات، وأحياناً أكثر. محمد بن سلمان. الوليد بن طلال. خالد بن عبدالله. ماجد بن عبد العزيز. بدر بن سعود. عبد العزيز بن فهد. تركي بن عبد الله. فهد بن سلطان. تركي بن عبدالله وفهد بن خالد الفيصل…. هؤلاء هم من شغلوا الإعلام الغربي أخيراً.
أبرز «نجوم» العائلة الحاكمة اليوم هو محمد بن سلمان، إلى حدٍ كبير، هو ولي ولي العهد السعودي وابن الملك الحالي. إنه الأكثر انتشاراً على صفحات الصحف وفي تقارير نشرات الأخبار بين كل الوجوه السعودية. لا يخُفي الإعلام الغربي «افتتانه» بالشاب الذي سقط حديثاً على هذا المنصب النافذ. «دايلي ستار» وصفته بالـ «قوي»، و«مونيتور» صنّفته «السلطة العليا السعودية». «واشنطن بوست» رأت فيه «وجه تغيير السعودية». وصل المديح إلى نعته من قبل قناة cnbc الأميركية بالـ«الأمير الذي يريد تغيير العالم». ما هذه المزحة. انشغل الإعلام الغربي فعلياً بسيرة محمد بن سلمان ونمّقها. حُكي عن فضائله، هواياته، مهاراته وإنجازاته. آخر إنجازات الأمير اليوم مشروع «رؤية 2030» الذي حدد أهداف المملكة في التنمية والاقتصاد لـ15 سنة مقبلة. يعد الأمير المختال بنفسه بسعودية غير معتمدة على النفط في غضون 4 أعوام!
لا ترى الصحف الغربية الأمور «سلبية» دائماً، فمشروع محمد بن سلمان «تحدٍّ»، تقول «اندبندت» التي تعبّر عن استيائها من «سلوك» الأمراء السعوديين بين الحين والآخر. استياء «استشراقي» بطبيعة الحال. لكن التخلي عن النفط، في 4 سنوات، تحدٍّ؟ ما هذه المزحة. يبدو أن ثمة «أميراً بسمنة وأميراً بزيت». وسائل الإعلام الغربية تختار الصورة الرسمية السعودية التي تروّج للأمير الشاب. تعرف على من تصوّب من الأمراء، ومن يجب «تلميع» صورته. وبالنسبة إلى قرائها العاديين، تقدّم أحياناً بعض «القصص الشيّقة» لأمراء «أقل أهمية» بالنسبة إلى النظام السعودي. يمكننا الافتراض أن الأمور تجري على هذا النحو. دور الأمير ــ المتحدي ما غيره ــ المباشر في التحريض والتخطيط للحرب على اليمن غير «ملحوظ» إطلاقاً مثلاً.
أراد الإعلام الغربي تكريس محمد بن سلمان أميراً مغايراً عن الصورة النمطية لحكام السعودية. نتحدث عن مقابلة لمدة 8 ساعات مع صحيفة «بلومبرغ» الأميركية المتخصصة في الأعمال والاقتصاد. أطلقت عليه لقب «الحاكم المتميز في إقليمه»، لم تكتف بذلك. احبسوا أنفاسكم: شبهته بستيف جوبز. تعدد الوكالة الأوجه المحببة للأمير: لم يرتد عقاله (وهذه «ميزة» بالنسبة إلى الصحيفة)، يتقن الإنكليزية بل يصحح للمترجم (مع أنه سعودي! تخيّلوا؟ الصحيفة تستغرب أن السعوديين يتقنون الإنكليزية). تحدّث عن الهدر، وطاقم العمل المحيط به من خريجي «أهم الجامعات الأميركية». استشراق. استشراق حتى ينقطع النفس. وإليكم الإشارة اللافتة: سيدعم حقوق النساء، وسينظم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أكثر من ذلك: متزوج من امرأة واحدة ولا «يحبّذ» التعدد. لم يطرح أي سؤال محرج على ولي ولي العهد «المودرن». هل ستقود المرأة السعودية السيارة يوماً ما؟ هل سيحتكم آل سعود يوماً ما للانتخابات؟ هل سيسمح للمعارضة بممارسة حقها بالتعبير؟ ماذا عن معتقلي الرأي في المملكة؟ اختفت هذه الأسئلة. تبخرت. التخلف للشعب السعودي، والفضائل للأمير. هذه هي خلاصة المقابلة: الحقيقة معكوسة. صورة متقنة رسمت لأمير الحرب على اليمن، لا فضائح ولا شائعات. خبر واحد في «نيويورك تايمز» خدش التمثال الزجاجي: «بينما انخفض الإنفاق الحكومي السعودي 71%، وبدأت إجراءات التقشف وجمدت عقود تجارية وخفضت معاشات الموظفين، الأمير محمد بن سلمان يشتري يختاً روسياً بقيمة 500 مليون دولار». يمكننا الافتراض، بسوء نية مقصود، أن اليخت «الروسي» هو السبب؟ ربما.
تلميع البذخ
في أي حال، يبقى بذخ الأمراء السعوديين من أبرز المواضيع في الإعلام الأميركي. واللافت أن مقاربة هذا البذخ في أحيانٍ كثيرة تكون إيجابية وغير نقدية. في آب من هذا العام اشترى الأمير بدر بن سعود سيارتي «بوغاتي تشيرون» تبلغ قيمة الواحدة منها 2.5 مليون دولار، والسيارتان لم تصنّعا بعد، بل هما نماذج غير قابلة للقيادة. انتشر الخبر في بعض الصحف الأميركية على أنّه «إنجاز» للسعوديين. يجب الإشارة، بطبيعة الحال، إلى المقالات الوافرة، وتقارير مصورة ووثائقيات مطولة أعدت عن حياة الأمير الوليد بن طلال. قبل قدوم الأمير محمد بن سلمان، كان الوليد المفضّل لدى الإعلام الأميركي. الافتتان بالوليد بن طلال عابر للصحف. سنجد الكثير من التقارير عن حياته المرفهة، وطيارته الخاصة، سياراته المميزة، حياته المترفة وصفقاته التجارية. افتتان حتى بزوجته السابقة أميرة الطويل. بينما يخفي أمراء آل سعود زوجاتهم، خرج الوليد مع زوجته التي باتت أيضاً شغل الإعلام الأميركي. أطلقوا عليها الكثير من الألقاب، وأبرزها: «السعودية التي لا ترتدي عباءة». يا للخِفة. على عكس الأوروبيين، لا تخفي الصحف الأميركية حبها لحياة الأمراء الفارهة. تلاحق سياراتهم، ساعاتهم، منازلهم والأماكن التي يرتادونها.
الصحف الإنكليزية، تختلف المقاربة. في أحد عناوينها، تورد «ديلي بيست»: «موكب شرس من 4 سيارات سعودية مطلية بالذهب يجول لندن»، بكثير من التعالي وإطلاق الأحكام سردت الصحيفة الحادثة: «هؤلاء شبان يقيسون نجاحهم بالضجة التي يثيرونها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام». سمّت الصحيفة الأمير تركي بن عبد الله بالشاب «اللعوب»: «بات تحميل السيارات الفخمة إلى أوروبا هواية وطنية للشبان السعوديين، بدل أن تكون هوايتهم الصيد وإطلاق النار مثل الشباب الإنكليزي»، تقول الصحيفة. لم تكتف بهذا القدر من الإهانة لتختتم المقال بنعت كافة أمراء آل سعود بالـ «خجولين، السذّج وغير الناضحين». غضب الصحيفة على الأمراء السعوديين لا يأتي من فراغ، وإن كان نتيجة نقص معرفي واضح. الكثير من الأمراء يخالفون القوانين في البلدان الغربية. تتكاثر محاضر السرعة بحقهم وتتكدّس الدعاوى القضائية، وهنا يتلبس الإعلام الغربي دور الشرطي والمحقق. قصص كثيرة تملأ هذا الإعلام، تحظى بقدرٍ هام من المتابعة: أمير يغتصب فتاة، أمير يعتدي بالضرب على عامل، آخر يتاجر بالمخدرات… حتى أثناء الصيد، لم يستطع الأمير فهد بن سلطان احترام القوانين.
في إحدى رحلاته الفرنسية، اصطاد 2100 طريدة من الثروة الحيوانية التي يمنع صيدها. قامت الجمعيات البيئية وطرحت الصحف السؤال الذي يتكرر مع كل جريمة: «هل سيفلت الأمير بماله أو حصانته من العقاب». طبعاً تجيب الصحف الفرنسية: «السعودية هي الشريك الاقتصادي الأول لفرنسا في الخليج، كما أنها تحتل رأس قائمة التبادلات بالأسلحة الفرنسية». ولهذا السبب تماماً غطت السلطات الفرنسية 3,7 مليون يورو من فاتورة المشفى التي لم يدفعها الملك السعودي. يبدو الامتعاض بادياً أكثر في الصحف الفرنسية. تأخذ الصحافة الفرنسية بكل جدية أي تحرك يقوم به الأمراء. في تموز (يوليو) 2015، انتشر خبر حظر جزء من شاطئ منطقة رون في الألب عن العامة. ومن أجل الأمير سلطان بن سلمان، شيّدت السلطات الفرنسية مرافق خاصة وأنشأت شاطئاً مستقلاً. الصحف الفرنسية تواجه بحدة، وبلا تعمق، وأحياناً تعمم، بينما تتعالى الصحف البريطانية على «أمراء آل سعود»، وإلى حدٍّ كبير تفتتن الصحف الأميركية بثرواتهم ورفاهة عيشهم.
الأميرات قضية مختلفة. بقيت الأميرات محجوبات عن الأضواء لفترة من الزمن بحيث لم يرض ولي الأمر بخروج «حرمه» عبر الإعلام. اليوم يخرج بعضهنّ في مقابلات تلفزيونية.
الأميرة بسمة بنت عبد العزيز، الأميرة ريما بنت بندر والأميرة أميرة الطويل، يتزعمن المشهد الإعلامي. مواليات طبعاً للملكية القائمة ولا ينتقدن إلّا في مجال حقوق النساء. وفي المقلب الآخر 4 أميرات: جواهر، سحر، مهى وهلا: «لا تنسوا بنات الملك عبد الله الحبيسات»، تذكر «واشنطن بوست»، بينما أجرت القناة الرابعة البريطانية مقابلة مطولة معهن عبر سكايب.
تحضر الأميرات في الإعلام الغربي كنساء مظلومات رغم ثرواتهن، تماماً مثل السعوديات المحرومات من أبسط حقوقهن كقيادة السيارة أو التصرف من دون «محرم». لكن ثمة «تجاوزات» لا يستطيع الإعلام أن يهضمها. الأميرة حصة بنت سلمان شغلت الإعلام الفرنسي، بعدما أذلت مصمم الديكور الذي أرادته أن يجدد منزلها الباريسي. ولكن، أليس هناك سعوديون في العالم خارج «العائلة الحاكمة»؟ لماذا لا يعثر الإعلام الغربي على هؤلاء؟ يا له من سؤال وجودي.