ليبيا / نبأ – قامت مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة سراً بتنفيذ ضربات جوية مرتين خلال الأيام السبعة الماضية ضد (الميليشيات الإسلامية) التي تقاتل من أجل السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، وفقاً لما صرح به أربعة مسؤولين أمريكيين كبار لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقال المسؤولون إن الولايات المتحدة أخذت على حين غرة. حيث تصرفت مصر والإمارات، وكل منهما من الحلفاء المقربين والشركاء العسكريين لواشنطن، من دون إبلاغ الإدارة الأمريكية أو السعي للحصول على موافقتها، وهو ما ترك بمعنى آخر إدارة أوباما على الهامش.
ومنذ الإطاحة العسكرية بالرئيس الإسلامي في مصر قبل عام واحد، شكلت الحكومة المصرية الجديدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، كتلة لممارسة النفوذ في مختلف بلدان المنطقة من أجل دفع ما يسمونه بتهديد الإسلاميين. وبالمقابل، تحتشد ضدهم الحركات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وبدعم من الحكومات الصديقة في تركيا وقطر.
وأكد المسؤولون الدبلوماسيون، للنيويورك تايمز، أن هذه الضربات الجوية أثارت غضب الولايات المتحدة، حيث اعتبرت واشنطن أنها يمكن أن تزيد من تأجيج الصراع الليبي، في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة والقوى الغربية إلى إيجاد حل سلمي للأزمة هناك. وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى: «إننا لا نرى هذا كتصرف بناء على الإطلاق».
وأكد مسؤولون أمريكيون للصحيفة أيضاً، أن حكومة قطر قدمت بالفعل الأسلحة والدعم للقوات الإسلامية داخل ليبيا. ولكن، الهجمات الجديدة تحول مجرى الحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية في المنطقة، من فرض أجندة هذه القوى عن طريق الحلفاء المحليين، إلى التدخل عن طريق المشاركة المباشرة.
وقد أتت هذه الضربات الجوية أيضاً بنتائج عكسية حتى الآن، حيث نجحت (الميليشيات الإسلامية) التي تقاتل من أجل السيطرة على طرابلس في الاستيلاء على مطار العاصمة في الليلة التي تلت الجولة الثانية من الضربات.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن مصر قدمت قواعد لإطلاق الضربات، وإن الرئيس عبد الفتاح السيسي ومسؤولين مصريين آخرين صاغوا تصريحاتهم العلنية بعناية نافين أي تورط مباشر داخل ليبيا من قبل القوات المصرية.
وأضاف المسؤولون إن الإمارات، والتي يعتقد أن لديها واحدة من القوات الجوية الأكثر فعالية في المنطقة بفضل المساعدات والتدريب الأمريكي، ساهمت في هذه الضربات من خلال تقديم الطيارين، الطائرات الحربية، وطائرات التزويد بالوقود.
ووقعت أولى الغارات قبل أسبوع، حين ضربت الطائرات الإماراتية مواقع في طرابلس تسيطر عليها الميليشيات الإسلامية قبل مطلع الفجر، وفجرت مستودع صغير للأسلحة. وهذه العملية أسفرت حينها عن مقتل ستة أشخاص.
المجموعة الثانية من الغارات الجوية استهدفت موقعاً جنوب المدينة في وقت مبكر يوم السبت، حيث ضربت منصات لإطلاق الصواريخ، مركبات عسكرية، ومستودع تسيطر عليه إحدى الميليشيات الإسلامية.
وربما كان الدافع وراء الضربة الثانية هو الرغبة في منع سيطرة الميليشيات الإسلامية الوشيكة على مطار طرابلس، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في تلك الليلة.
وكانت المسؤولية عن هذه الغارات الجوية في البداية لغزاً. حيث قال العديد من المسؤولين الأمريكيين في البداية، وبعيد وقوع المجموعة الأولى من الغارات، إن العلامات تشير إلى تورط الإمارات العربية المتحدة، ولكنهم قالوا أيضاً حينها إن الأدلة لم تكن حاسمة.
ومن جانب آخر، جادل مسؤول سابق في نظام القذافي، يعمل كمستشار الآن مع دولة الإمارات، بشرط عدم الكشف عن اسمه، بأن هذه الضربات يجب أن تكون من تنفيذ الولايات المتحدة، معتبراً ان القوى الغربية سعت لردع الخطر الذي يشكله الإسلاميون في ليبيا.
لكن، ورغم ذلك، قال مسؤولون أمريكيون يوم الاثنين، إن المجموعة الثانية من الضربات قدمت أدلة كافية لاستنتاج أن الإمارات كانت مسؤولة.
وأضافوا أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعاون فيها المصريون والإماراتيون لضرب أهداف للإسلاميين. حيث، وفي الأشهر الأخيرة، قام فريق من القوات الخاصة، يعمل خارج مصر ولكن يتكون ربما من موظفين إماراتيين، بنجاح بتدمير معسكر للإسلاميين في شرق ليبيا، ومن دون الكشف عن العملية أيضاً.
وكان المغرد السعودي الشهير «مجتهد» قد قال في 24 أغسطس/آب أن الطائرات التي قصفت أهدافا في مدينة طرابلس مؤخرا هي طائرات إماراتية انطلقت من قاعدة عسكرية غرب مصر، ونقل عن مصادر مطلعة سعودية، أن دعما سخيا إماراتيا تم توجيهه للواء «خليفة حفتر»، قائلا: «الطائرتان جزء من مساعدة سخية من الإمارات لحفتر متمثلة في أموال وأسلحة خفيفة وثقيلة صارت والحمد لله غنائم في يد الثوار في بنغازي وطرابلس».
وبجانب المعدات الإماراتية تلقت قوات «حفتر» دعما لوجيستيا من الجيش المصري، حيث كشف «مجتهد» أن مصر قامت بـ« تدريب عدد كبير من جنود وضباط وطياري حفتر وتسهيل مرور الدعم العسكري الإماراتي وإشراف على تخطيط العمليات ومتابعة تنفيذها عن بعد».
كما سهلت مصر عملية الهجوم الجوي، حيث وصلت الطائرتان إلى قاعدة عسكرية غرب مصر قبل أسبوعين، ثم شوهدت في سماء طرابلس للمرة الأولى قبل 3 أيام وقبلها في بنغازي. على حد قول «مجتهد».
وتعرضت قوات حفرت للانكسار خلال الأيام الأخيرة، وسيطرت كتائب الجيش والمجموعات المسلحة على معسكراتها في مناطق عدة، آخرها مطار طرابلس.
وأضاف «مجتهد»، أن «طرد حفتر من مطار طرابلس وسيطرة أنصار الشريعة على كل معسكراته في بنغازي انتكاسة كبيرة للحلف المصري الإماراتي السعودي خذلهم الله».
واتهمت قوات «عملية فجر ليبيا» التي دخلت مطار طرابلس، أمس السبت، بعد اشتباكات مع مليشيات «حفتر»، مصر والإمارات بالضلوع في قصف العاصمة صباح السبت بالطيران، ودعت البرلمان إلى اجتماع عاجل لبحث هذه التطورات. كما دعت إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تضمن سيادة الدولة.
وكان الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، قائد الانقلاب العسكري، قد ألمح في الأونة الأخيرة إلى ضرورة تدخل الأطراف الخارجية للسيطرة على الأوضاع في لبيبا.
ويعمل في ليبيا مئات الآلاف من العمالة المصرية، في الوقت الذي تواجه القاهرة أزمة اقتصادية معقدة يواكبها تجاوز معدلات البطالة لأكثر من 10%.
واختتم «مجتهد» تغردياته قائلا: «ارتباك وإحباط في السعودية والإمارات ومصر واتصالات عاجلة بمحمود جبريل للتشاور حول الخطوة التالية التي يمكن بها إنقاذ خطتهم التخريبية».
يذكر أن اللواء خليفة حفتر – وهو ضابط سابق في الجيش الليبي وكان من القادة العسكريين الذين ساهموا مع معمر القذافي في الانقلاب العسكري الذي أوصل الأخير إلى سدة الحكم عام 1969- قد أعلن عن عملية «الكرامة»، في 16 مايو/أيار الماضي بهدف إنهاء نفوذ كتائب الثوار والإسلاميين في ليبيا، وطالب المؤتمر الوطني العام بتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقضاء.
وقال «حفتر» أنه يهدف لإنقاذ البلاد مما يسميه «الإرهاب»، وإنهاء سيطرة «المتشددين الإسلاميين» على الدولة.
وكشفت صحف مصرية أن القاهرة استضافته مؤخرا، بهدف الحفاظ على أمنه الشخصي عقب توالي سقوط المعسكرات التابعة له في أيدي الكتائب المسلحة.
(نبأ / نيويورك تايمز ترجمة: التقرير/ الخليج الجديد)