الخلاف السعودي – القطري الأخير، نموذجٌ مكمّل لخلافات عميقة، سعى فيها كل طرفٍ إلى فرض نفسه كلاعب هو الأبرز على الساحة الإقليمية والمتحكم بصراعاتها، انطلاٌقًا من كسبِ ودِّ الغرب ودعمه.
تقرير لعباس الزين
الخلاف والإحتقان بين السعودية وقطر، والذي ظهرت معالمه في الهجوم الواسع والمفاجئ من قبل الإعلام السعودي على قطر، بحجة تسريبات الأمير تميم بن حمد، يفتح الأبواب على مصراعيها، لمراجعة تاريخٍ حافلٍ بالخلاف بين الدولتين، منذ إعلان المملكة السعودية وصولاً إلى قمة الرياض الأخيرة.
بدأت الخلافات مع بداية القرن العشرين، عندما طالبت السعودية بضم قطر لها باعتبارها جزءاً من إقليم الأحساء، لكن وبإلحاح من الجانب البريطاني، تم الاعتراف بحدود قطر، وبعد ذلك بسنتين، في عام 1965 وقعت قطر والسعودية اتفاقا يقضي باتخاذ ترسيم الحدود بينهما.
تطور الخلاف إلى مواجهةٍ عسكرية غير مباشرة في عام 1992، حين كشفت الحكومة القطرية بأن قبيلة “آل مرة” ساندت القوات السعودية وقامت بمواجهة القوة القطرية. تزامن هذا الحادث مع طرح قضية التجمع القبلي في المنطقة المتنازع عليها بين السعودية وقطر، الذي عمدت الرياض للاستغلاله بحسب الرواية القطرية لاجهاض انقلاب حمد بن خليفة في عام 1995 على والده المدعوم سعودياً، مما أدى إلى إسقاط جنسية وتهجير المئات من رجال القبيلة إلى السعودية، بعد اتهامهم بعدم الولاء لقطر.
مع بداية الحرب على سوريا، اختلفت النظرتان القطرية والسعودية. أرادت قطر الاستفادة استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً وأيديولوجياً من الازمة السورية، لتكتسب دورا اقليمياً، بدعمها بعض المجموعات المسلحة المقربة من جماعة “الإخوان المسلمين”، كحركة “أحرار الشام”.
في المقابل، عمدت السعودية إلى مزاحمة قطر في هذا الدور، عبر دعمها لمجموعاتٍ مسلحة مناوئة لـ”الإخوان” وذات توجه أيديلوجي وهابي، بالتزامن مع قيامها بتجهيز الأرضية اللازمة إقليمياً ودولياً لجعل الرياض مركزاً لاجتماعات ممثلي “المعارضة السورية”، بعد أن كانت الدوحة مركزًا لاجتمعاتهم.
يعود الخلاف السعودي القطري في جوهره إلى سعيٍ قطري للعب دور إقليمي يمكن قطر من أن تحل مكان السعودية في الخليج كحليف قوي للغرب وأميركا، مما أسس لخلافٍ بين التوجه الإخواني المدعوم قطرياً، والتوجه السلفي الوهابي المدعوم سعودياً، الأمر الذي أثبتته المساعي القطرية بالإتيان بحكومات قريبة من “الإخوان” إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية التي شهدت اضطرابات كمصر، في وقتٍ كانت السعودية ترى فيه بأن ما يسمى بـ”الربيع العربي” تهددها، وتهدد دورها، وستغير النظام السياسي الإقليمي، لغير مصلحة السعودية وحلفائها.