السعودية / نبأ – في نوفمبر 2006 نشرت وكالة «رويترز» تقريرا أكدت فيه أن ”نفط المسلمين“ فتح مساجد الصين على مصراعيها، وقالت أن هناك نهجا جديدا تتبعه الحكومة الشيوعية هناك بهدف كسب تأييد الدول النفطية الكبرى خصوصا السعودية أكبر منتج للنفط ومصدر للصين، وأن هذا النهج الجديد يتمثل في تخفيف القيود المتعلقة بالإسلام داخل البلاد بما أتاح لمزيد من مسلمي الصين تحقيق أحلامهم بتعلم أصول دينهم خصوصا في إقليم «شينجيانغ» ذي الأغلبية المسلمة، وإعادة بناء مساجد لحق بها ضرر بالغ إبان موجة «الثورة الثقافية»، وجاءت عمليات الترميم بقدر مدهش من الفخامة.
ما ذكره تقرير «رويترز» هو نموذج لما نجح «سلاح النفط» السياسي العربي في تحقيقه في العالم، وما جعل للسعودية ودول الخليج دورا إقليميا ودوليا متعاظما في القضايا الحيوية في العالم، باعتبار أن النفط أصبح له أهمية سياسية وإستراتيجية كبري في عالم اليوم، خصوصا مع ارتفاع أسعاره لأرقام فلكية تخطت عتبة الـ 100 دولار للبرميل، وتضاعفت أربع مرات في ربع قرن، ما فتح الباب لاستخدام هذا النفط كسلاح ونفوذ وقوة ضغط في يد العرب، وظهرت أثاره في الصعود الكبير للدور الإقليمي والدولي للسعودية في العالم.
لكن تزايد استهلاك السعوديين للنفط الذي ينتجونه، أثار تساؤلات حول استمرار هذا النفوذ السعودي في العالم خصوصا في ظل الحديث عن توقف أمريكا عن استيراد النفط بعد استخراجه من الصخور الزيتية، وتقلص الطلب الصيني.
فوفقا لأخر الإحصاءات الرسمية تجاوز استهلاك السعوديين نسبة الـ 25% من استهلاك ما ينتجونه، ما يعني أن السعودية التي تُنتج 10 ملايين برميل يوميًا تقريبا، تستهلك منها 2.5 مليون برميل في الداخل، وهناك توقعات بزيادة الاستهلاك.
وقد ذكرت دراسة اقتصادية سعودية أن معدل استهلاك الفرد السعودي للنفط وصل لنسبة قياسية مقارنة بما يستهلكه نظراؤه في العالم، ففي الوقت الذي يستهلك فيه 1000 مواطن أميركي نحو 60 برميلا من النفط يوميا، نجد أن العدد نفسه من السعوديين أكثر تبذيرا ويستهلك 110 براميل نفط يوميا، ونفس العدد في الصين يستهلك 7 براميل يوميا فقط.
وهذا الاستهلاك النفطي المفرط في السعودية يشير إلى أن نصيب الفرد يوميا يبلغ 0.11 % برميل نفط، رغم أن معدل كثافة الطاقة العالمي يتقلص عالمياً بينما يزيد باستمرار في المملكة السعودية التي ما زالت تحافظ على نسبة استهلاك مرتفعة في الـ 25 عاما الأخيرة ولا تعمل على تقليص الكمية كما هو الحال في الدول الغربية والمتقدمة.
ويقول المحلل الاقتصادي «تركي الحقيل»، إن عدم تغيير السياسات السعودية تجاه الطاقة سيجعل السعودية تستهلك قرابة 5 ملايين برميل يوميا في غضون 3 سنوات فقط، بحيث سيقفز الاستهلاك المحلي اليومي للسعودية من 3.86 مليون برميل إلى 4.95 مليون برميل يوميا عام 2016، مما سيحد من قدراتها التصديرية للمورد الذي يمثل 93% من إيرادات خزينة الدولة.
وبسبب هذا الاستهلاك العالي الداخلي، وتقلص الإنتاج تدريجيا، انتشرت دراسات تقول أن المملكة العربية السعودية ستصبح بحلول عام 2030 إحدى الدول المستوردة للبترول على أساس فرضية تأخير محتمل في استخدام المصادر البديلة لتوليد الطاقة الكهربائية، وقال تقرير نشرته مجلة «بيزنس ويك» التي تصدرها مؤسسة «بلومبرج»، تحت عنوان «الصناعات البتروكيماوية السعودية–نهاية وعاء العصيدة السحرية؟» أن المستقبل النفطي السعودي ليس مبشرا.
وما يزيد القلق أن واضعو التقرير عام 2012 اعتمدوا على أن إنتاج البترول سوف يظل ثابتا عند مستوى 12.5 مليون برميل يوميا وهو الموقف السعودي الرسمي، ولكنه يزيد عن هذه النسبة في أعوام أخري بسبب الدور السياسي السعودي في العالم، كما أن تحليل البيانات يعتمد علي حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك أيضا.
ما يثير القلق أيضا أن نصيب الفرد السعودي من الكهرباء – التى تعتمد علي الغاز والنفط – يزيد، ويزيد معه نصيب الفرد من استهلاك النفط ، فالسعوديون يستهلكون جميع ما تستخرجه المملكة من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، والإنتاج المحلي غير كاف لتلبية احتياجاتها، كما أن حجم استهلاك الكهرباء زاد من 50 ألف ميجاوات حاليا بعدما كان 20 ألف فقط عام 2000.
البديل النووي
ولأنهم يدركون المشكلات التي تواجهها المملكة إذا استمرت في استخدام الغاز الطبيعي والبترول في إنتاج الطاقة الكهربائية، فلديهم خططا لاستخدام الطاقة النووية والطاقة الشمسية، وقد أعلنفي الأيام القليلة الماضية رسميا عن بدء العمل علي أربعة مفاعلات نووية، للتخفيف من استهلاك النفط وتوفيره للتصدير، حيث يخططون بحلول عام 2050 لإنتاج 54.000 ميجاوات من الطاقة النووية و25.000 ميجاوات من الطاقة الشمسية المركزة و16.000 ميجاوات من الخلايا الكهروضوئية و9000 ميجاوات من طاقة الرياح.
وبذلك من المتوقع أن تكون الطاقة النووية مسؤولة بحلول عام 2050 عن توليد طاقة كهربائية تزيد عن مجموع ما يتم إنتاجه حاليا من طاقة كهربائية، ولاستيعاب حجم المشروع المقترح يمكن للمرء ملاحظة أن السويد تنتج حوالي 10.000 ميجاوات من 10 محطات نووية.
من هذا المنطلق المتعلق باستمرار التبذير السعودي في استهلاك النفط زعمت دراسة إسرائيلية أن «السعوديين يفقدون السيطرة على المنطقة»، وأن دورهم الإقليمي والعالمي يتلقص، وأن السعودية ربما تجد نفسها تدريجيا مشغولة بالداخل والتحديات الداخلية عن انشغالها بالتحديات الخارجية.
وتحدث خبراء اقتصاد ونفط إسرائيليون لمجلة «ميدا» أو«Mida» الإسرائيلية في 3 سبتمبر/أيلول الجاري، أن بناء السعوديين 4 مفاعلات نووية هو استجابة للتغير في المنطقة واستهلاكهم الكبير للنفط الذي ينتجونه واستعدادا لتحديات داخلية عديدة، جاء ذلك تحت عنوان: «خطوة كبيرة: السعودية تقوم بإنشاء مفاعلات نووية وتقلص عدائها لإسرائيل».
وزعموا أن العائلة المالكة تخشى علي مصير حكمها مع انحسار نفوذها في سوق النفط، بعد تراجع أسعار النفط من 116 دولار إلى 102 خلال أسبوعين وتحولها هي لدولة «مبذرة» تستهلك 25% مما تنتجه من النفط.
أيا كانت التوقعات، فهل تنجح السعودية في تدارك الأمر وتقليل استهلاكها من النفط الذي تنتجه، وتعويض الاستهلاك ببناء محطات طاقة نووية؟، فالثابت أن مظاهر فقدان السعوديين لنفوذهم الإقليمي والدولي بدأ يظهر بالفعل علي الساحة، فلم تعد «واشنطن» تعول كثيرا علي الموقف السعودى في قضايا مثل سوريا أو غزة أو مصر، والخلافات بين الطرفين أكبر من أن تخفى عن أعين المراقبين.
ولا شك أن عوامل التآكل الداخلية للاقتصاد السعودي، إن لم يتم تداركها مبكرا، ستؤثر علي الدور الإقليمي والدولي للمملكة مستقبلا، فهذا الاستهلاك الضخم داخليا، سيؤثر مستقبلا في عملية التصدير ومن ثم في قدرتهم على السيطرة على أسواق النفط، ولعب دور دولي، كما هو الآن، ما يعنى فقدان العرب لسلاح النفط الذي امتلكوه ردءا من الدهر مع تعاظم إنتاجهم النفطي وتحكمهم في أسواقه.
(رويترز/الخليج الجديد/بيزنس ويك)