مسار طويل من المؤشرات الإيجابية رافق امكانية عودة العلاقات الإيرانية السعودية، تعاملت معها الأخيرة بالسلبية الكافية لإبقائها مجرد تحليلاتٍ وآراء غير قابلة للتطبيق.
تقرير عباس الزين
لم تكن تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن العلاقة مع إيران مستغربة. فالتصريح الرسمي الأول، تعليقاً على ما يُشاع حول رغبة السعودية بتحسين العلاقات، توج مساراً سعودياً لم يتأثر إيجاباً مع المؤشرات الإيجابية والدواعي السياسية لتحسين العلاقات.
ووصف الجبير تصريحات نظيره الإيراني، جواد ظريف حول وجود “تقارب” بـ”المثيرة للسخرية”. في المقابل، لم يرَ ظريف أفقاً واضحاً لتغيير العلاقات مع الرياض، لكنه أكد حرص بلاده على بناء “علاقات إيجابية” مع دول الجوار. هذه هي الخلاصة التي أعادت الدولتان إلى نقطة الصفر في العلاقات بعد مؤشرات أوحت بمرحلة أفضل لها دواعيها.
مؤشراتٍ إيجابية، أثارتها وسائل الإعلام، كالمصافحة النادرة بين الجبير وظريف على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، بقيت “في إطار الأعراف الدبلوماسية”، بحسب ما أكد ظريف في حينها تعليقاً على اعتبارها مؤشراً لتحسين العلاقات.
مؤشرات أخرى ربما أكثر أهمية، بنى عليها المحللون، واجهتها الرياض بسلبية أكبر، كإعلان وزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، بأن الرياض طلبت من بغداد إجراء وساطة مع طهران، إذ نفت الرياض أي طلبِ وساطة، مؤكدةً على موقفها الثابت من رفض التقارب مع إيران.
وفيما وضع المتابعون إزالة السلطات السعودية لكافة العقبات والالتباسات التي أدت إلى مقاطعة الحجاج الإيرانيين للحج العام الماضي، كمؤشر على تحسن العلاقة، وضع آخرون الخطوة السعودية في إطار مسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحسين السياحة الدينية ضمن “رؤية 2030” التي أعلنها سابقاً، ومن شأنها مضاعفة أعداد الحجاج في السنوات المقبلة.
وما كشفه ظريف مؤخراً عن زيارات دبلوماسية مرتقبة بين البلدين بعد عيد الأضحى، اعتبره المحللون مؤشراً أكبر على رغبة الرياض في تحسين العلاقة، إلاّ أنّ خلفيات الزيارة الديبلوماسية كشفت عنها صحيفة الحياة المحلية، بأنّها كانت بطلب سعودي ومعدة لها منذ ديسمبر / كانون الأول 2016، في حين أن الموافقة الإيرانية عليها جاءت في أغسطس / آب 2017.
من بين الأسباب، ثمة ما يربط المؤشرات تلك برغبة الرياض حلحلة بعض الملفات في مناطق الصراع كاليمن وسوريا والعراق ولبنان، إذ وضع أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، تغيير السعودية لسلوكها في هذا الإطار، لكنّ الرياض، لم تربط حتى الآن مصير العلاقة مع طهران بتلك الملفات، بل كلما واجهت إخفاقاً سياسياً أوعسكرياً، ازدادت عداءً للجمهورية الإسلامية، لتبرر لنفسها ولحلفائها الهزيمة.
ففي حين زار المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد أحمد طهران في سابقة لم تشهدها الساحة اليمنية، اعتبر محللون أنّ الرياض ترى في ذلك باباً للخروج من المستنقع اليمني، لكنّ تجاهل السعودية لدعوة محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا إلى التوقيع على هدنة فعلية في البيت الحرام، يؤكد أنّ الرياض لم تعمد إلى الحل السياسي خشيةً على بروز هزيمتها.
أما في لبنان، وحيث لم تصدر الرياض إشارات سلبية رداً على العملية العسكرية التي نفذها حزب الله والجيش اللبناني في الجرود الشرقية للبقاع، حيث جرى اقتلاع مسلحي جبهة النصرة وتنظيم “داعش”، جاءت تغريدة وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، يوم الثلاثاء 5 سبتمبر / أيلول 2017، خيرُ دليلٍ على غضب السعودية من التحرير الثاني، وعدم نيتها الحد من التصعيد في المرحلة المقبلة.