سبع سنوات مرت منذ انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية في المنطقة الشرقية. سنوات عاني فيها أهالي المنطقة من انتهاكات عدة تضمنت القمع والقتل والتمييز والانتقام .. لا لجريمة ارتكبوها سوى مطالبتهم بحريتهم وحقهم في التعبير عن الرأي وطلب الإصلاح.
تقرير: سناء إبراهيم
قبل سبعة أعوام ارتدت المنطقة الشرقية ثوب الانتفاضة الثانية، يوم السابع عشر من فبراير 2011، انتفاضة ولدت من رحم الأحياء المظلومة والمحرومة إلا من القمع والبطش السلطوي، وعلت الأصوات المطالبة بالحقوق المشروعة والحرية والكرامة وإطلاق سراح المساجين الذين يقبعون في غياهب المعتقلات منذ عقود. تطوف ذكرى انتفاضة 17 فبراير بين أروقة القطيف والأحساء، التي عانت ويلات قمع السلطات السعودية لكل تحرك سلمي مطلبي، وفبركة الأحداث ونفّذت هجمات عسكرية، في محاولات إجهاض روح التحركات.
في 17 فبراير 2011، انطلقت أولى شرارات الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية، رفضاً للظلم، ومطالبة بالحقوق الحريات، وخرج المئات في بلدة العوامية رافعين شعارات رفض الظلم، ومطالبين بإطلاق سراح السجناء المنسيين، وتحقيق العدالة بين المواطنين، وإنهاء حالات التمييز والكف عن التضييق على الحريات الدينيّة.
اختار النظام السعودي القمع وسيلة لطمس التحركات، وأرسل عشرات السيارات التابعة لقوات مكافحة الشغب من أجل تفريق التظاهرات السلمية، إلا أن الحراك الثائر واصل تقدمه وتظاهرات ولم يستطع أزيز الرصاص أن يعلو صوت المطالب. ويوم الخميس ٢٤ فبراير ٢٠١١ خرج العشرات في بلدة العوامية مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين التسعة المنسيين الذين كان قد مضى على اعتقالهم ستة عشر عاما.
منسوب الاحتجاجات السلمية ارتفع في مارس وتمددت خيوطه من القطيف نحو الأحساء وتاروت حيث خرجت في تظاهرات، وامتلأت الشوارع بالشباب الغاضبين وعلا الصوت المطلبي بهتافات “خروجنا سلمي مطلبنا شرعي”. ظلّ الحراك، كما بدأ، سلمياً، على الرغم من سقوط شهداء وجرحى برصاص الشرطة السعودية، وارتقى الشهيد حسن عوجان اول شهداء الانتفاضة، ولم يختتم العام إلا بارتقاء خمسة شهداء خلال العام الأول للحراك.
في عام 2012، ومع استمرار المظاهرات والتحركات الشعبية، عمدت وزارة الداخلية السعودية إلى الإعلان عن قائمة من الأسماء اعتبرت أنهم مطلوبون للعدالة، وبدأت صفحة جديدة في القمع، عبر المداهمات والاعتقالات العشوائية والحواجز التي طوقت المناطق، حاولة السلطات ترهيب السكان وإسكات أصواتهم، وأريق دم الابرياء بهمجية السلطات ليرتفع عدد الشهداء إلى العشرة خلال العام التالي للانتفاضة، بالتزامن مع استمرار التظاهرات.
حاولت السلطات كسر عزيمة أهالي الشرقية عبر محاولة قتل الشيخ نمر باقر النمر رمز الحراك، واعتقلته في شهر يوليو 2012 بعد إطلاق النار عليه، لكن على الرغم من اعتقاله لم يخف نبض الشارع، وبقي المتظاهرون، يطالبون بالحريات والحقوق وبالإفراج عن المعتقلين، وعلى رأسهم الشيخ الرمز نمر باقر النمر.
ممارسات السلطات على مدى الاعوام الماضية لم تؤد إلى تراجع الشباب عن المطالب أو اغفال الحقوق ونسيان المعتقلين، قتل واعتقال ومحاكمات كيدية، لم تكن سببا إلا في رفع عزيمة المنطقة الشرقية وأبنائها ما مزاد غضب النظام ودفعه إلى إرتكاب الجريمة الكبرى في العام 2016، وأعدم رمز الحراك الشيخ نمر النمر والشابين علي الربح ومحمد الشيوخ، فكان دم النمر شرارة استكمال الطريق بوجه السلطات وأدواتها العسكرية، وهزّ الصوت المطلبي عرش سلطات الرياض، التي مضت في ممارساتها وسعّرت جماتها على أبناء المنطقة، حيث صبّت غضبها وروحية الانتقام على حي المسوّرة الأثري وأهالي العوامية مكان احتصان شباب الحراك.
لم يقلّ عام الذكرى السابعة لانتفاضة القطيف قتامة عن سابقاته، بفعل الجرائم والاغتيالات ومسلسلات الأرهبة التي تحيكها السلطات، لتوصل أبناء الشرقية في نهاية المطاف إلى حبل الإعدام. العام السابع كشف عن تمترس الأهالي وتمسكهم بأرضهم ومطالبهم على الرغم من تسعير السلطة للقبضة العسكرية والهجمات الأمنية، بذرائع معتادة، وكشفت السلطة عن أنيابها خلال اجتياح المسوّرة وهدم الحي من قبل قوات الأمن السعودية التي دمّرت حضارة تعود لـ400 عام، بفعل القذائف ونيران أسلحتها، واعتدت على مدى 100 يوم على أهالي العوامية موقعة عشرات الجرحى، وأكثر من ثلاثين شهيداً بينهم أطفال، “سجاد أبو عبدالله، وجواد الداغر”، طفلان انتهت حياتهما برصاصات قوات فرق الطوارئ.
شكل اجتياح المسوّرة وهدم الحي وتشريد الاهالي تهجيرهم والاعتداء عليهم وسلب ممتلكاتهم وقتل أبنائهم فصلاَ دموياً من مسرحية السلطات بحق أبناء القطيف، ليسجل ارتقاء أكثر من 30 شهيدا بين رصاص القوات ونيرانها ومصلة الإعدام.
مشهدية الاستهداف تبلورت في حياكة قضية اغتيال الشيخ محمد الجيراني، الذي اختطف وعمدت السلطات الى فبركة سيناريو لقضيته، لم تكن نتائجه سوى توجيه الاتهامات لأبناء المنطقة الشرقية الذين عمدت السلطات بعسكرتها الى تبرير هجماتها عليهم وأرهبتهم، وبينهم الشهيد سلمان الفرج الذي اغتالته السلطات أمام أعين عائلته ولم تتوانً عن التنكيل بقضيته ووجهت إليه اتهام بمقتل الجيراني، قبل أن تصل السلطات الى مكان دفنه وفق مزاعمها، وبدأ اعلامها بالترويج لايجاد الجثة في محيط منزل الشهيد الفرج، ما فتح أبوابا تؤكد فبركة السلطات لقضية الجيراني، بهدف تبرير اغتياله للناشط القيادي سلمان الفرج.