السعودية/ نبأ- قال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست إنه يمكن للتدخل في دولة أن يخفي وراءه تدخلا آخر فبينما جميع الأنظار موجهة إلى سوريا والعراق، ثمة تدخل آخر يجري باليمن. الائتلاف الدولي في هذه الحالة يأخذ صورة تفاهم أكثر مما هو حلف عسكري، ومع ذلك فقد أثبت أنه ليس أقل فاعلية".
واعتبر الكاتب في مقال له في صحيفة "ذي هافنغتون بوست" أنه "ليس مستغربا أن تدعم إيران قبيلة شيعية صغيرة في شمال اليمن اسمها الحوثيون. حيث لم يتوانى السياسيون الإيرانيون عن الثناء على الاستيلاء الخاطف للحوثيين على العاصمة صنعاء".
ونقل هيرست عن ممثل مدينة طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، وهو من المقربين من المرشد علي خامنئي، تفاخره بأن إيران باتت الآن تتحكم بأربع عواصم عربية وهي بغداد، ودمشق، وبيروت وصنعاء، قائلا: "ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية".
وأشار إلى تصريحات زاكاني حول امتداد ثورة الحوثيين بعد نجاحها إلى داخل الأراضي السعودية، وإن الحدود اليمنية السعودية الواسعة سوف تساعد في تسريع وصولها إلى العمق السعودي.
واعتبر الكاتب أنه "من المدهش أن تسمع عن الصلة الوثيقة للمملكة العربية السعودية ولحليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتياح الحوثيين، وكيف أنها توصلت إلى تفاهم بحكم الواقع مع أكبر خصم إقليمي لها، وهو إيران".
وأشار إلى أنه جرى في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي اتصال بين السعوديين وأعدائهم القدامى الحوثيين، وكتبت الصحافة حينها: "حرب بندر على الإسلام السياسي لها تجلياتها أيضا على الحدود السعودية المضطربة مع اليمن. الحاجة إلى مواجهة المد الذي أحرزه التجمع اليمني للإصلاح في اليمن قاد السعوديين إلى دعم ميليشيات الحوثي التي سبق أن حاربتها المملكة من قبل. فلقد جيء بشخصية حوثية بارزة، هو صالح حبري، بالطائرة عبر لندن ليقابل رئيس المخابرات السعودي".
وقال هيرست إن "الاجتماعات خلال الأسابيع القليلة الأخيرة تكثفت، وبلغني أن وفدا من الحوثيين توجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور اجتماع رفيع المستوى، وأن نفس الوفد طار من بعد ذلك إلى الرياض. كما جرى اجتماع ناجح بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي في نيويورك الأسبوع الماضي"، على حد قوله.
واعتبر أن الرجل المحوري في كل هذه اللقاءات (بين الحوثيين والسعوديين والإماراتيين) كان سفير اليمن في الإمارات العربية المتحدة أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق الذي أجبر على التنحي في عام 2012.
وأضاف هيرست أنه من المعلوم أن الحوثيين وإيران هم ألد أعداء القاعدة في جزيرة العرب، وهي الفرع الأنشط للقاعدة خارج سوريا والعراق. "إلا أن المستهدف من هذا الاجتياح المفاجئ هو الإصلاح، الحزب الإسلامي الإصلاحي".
وقال هيرست إن الرئيس السابق علي عبد الله صالح ما يزال صاحب نفوذ ولاعبا سياسيا مهما ويبدو أن الحوثيين حصلوا في مهمتهم هذه على مساعدته. وكان صالح قد صرح، من مقر تقاعده، بكلام يفهم منه دعمه للحوثيين. وفي اليوم الذي وصلوا فيه إلى صنعاء استبدل صورته على صفحته في "فيسبوك" بصورة يبدو فيها مبتسما.
وفي صراع اليوم، كثير من قادة الإصلاح هم أنفسهم من أتباع المذهب الزيدي، وينحدرون من قبيلة حاشد، وهي نفس القبيلة التي ينتمي إليها علي عبد الله صالح. "بمعنى آخر، من التضليل وصم هذا الصراع على أنه صراع طائفي. بل هو صراع سياسي، والذي حدث أن قوات الحكومة، التي كانت تقاتل إلى جانب الإصلاح ضد الحوثيين، ذابت أو انحازت مؤقتا إلى جانب القبيلة الشمالية الصغيرة القادمة من صعدة في شمال اليمن"، وفق هيرست.
وأوضح أنه "لم يحصل من قبل أن دخل الإصلاح في اليمن في صراع مع السعوديين، إلا أن الرياض فيما يبدو أجرت حسبة استراتيجية، وخلصت إلى أنه آن الأوان لإعلان الحرب على جميع فصائل الإسلام السياسي حيث وجدوا في العالم العربي – سواء في اليمن أو في مصر أو في ليبيا".
واستدل على ذلك من خلال تصريحات تركي الفيصل -وهو شقيق وزير الخارجية وسفير سابق في بريطانيا- في اجتماع في أوروبا مؤخرا، قال إنهم أجروا في السعودية حسبة استراتيجية، وأضاف: "لقد تم دراسة هذه السياسة بعمق وترو".
ولكن الكاتب يرى في هذه الدراسة "حسبة خطيرة وقصيرة النظر"، وخاصة عندما تطبق على بلد مثل اليمن الملاصق لحدود المملكة العربية السعودية الجنوبية، وهي حدود شبه سائبة، وهي استراتيجية محفوفة بالمخاطر على جبهتين"، متسائلا: "فأين سيكون مناط الولاء السني إذا ما انتهى الأمر إلى تدمير الإصلاح؟".
واعتبر أن التظلم السني في اليمن وراء ما يحصل، كما حدث في سوريا والعراق حيث أفرز ذلك "تنظيم الدولة"، مستذكرا "الذي فعله السعوديون من أجل إخماد الربيع العربي في البحرين، مدعين بأنه كان يشكل بوابة ستدخل منها إيران. وها هم اليوم يستخدمون قوة مدعومة من قبل إيران ضد الإسلاميين السنة في اليمن. كل شيء مباح، في أي بلد عربي، طالما كان المستهدف هو الإسلام السياسي"، على حد قوله.
ومن الخطورة بمكان أن يفترض السعوديون بأن النفوذ الإيراني عبارة عن طريق العبور منه في اتجاه واحد فقط، وفق هيرست الذي أشار إلى أن الإيرانيين يتوقعون بعد أن يتمكن التحالف الغربي من سحق "تنظيم الدولة" في العراق وسوريا، فإن الدور من بعدها ربما سيكون على حليفهم بشار الأسد، معتبرا أن امتلاك صنعاء ورقة في أيديهم سيمكن الإيرانيين الآن من أن يلعبوا بها إذا ما هدد الأسد.
ولم يستبعد هيرست إطلاقا أن تتحقق نبوءة زاكاني (بالتمدد الإيراني نحو السعودية من اليمن). "إذا كانت المملكة العربية السعودية جزءا من ائتلاف قد يستهدف فيما بعد حليف إيران الأساسي في سوريا، فيمكن للإيرانيين أن يهددوا المملكة عبر حدودها الجنوبية".
واختتم هيرست مقال قائلا: "ينبغي على الأمراء الأكثر براغماتية داخل العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية أن يتساءلوا ما الذي سيحدث من بعد. ما هي عواقب الفشل؟ وماذا لو استخدمت مثل هذه الخطط التي نجمت عن تفكير عميق ومترو -على حد قولهم- ضدهم في عقر دارهم؟".