تشهد المملكة تحولاً آخر يتمحور حول إعادة توجيه المؤسسة الدينية بما يخدم توجهات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويقطع الطريق على كل الأصواب الأخرى المطالِبة بالإصلاح الاجتماعي والسياسي في المملكة. فالمحرمات التي حددتها السلطات على مر عقود مضت تتحول اليوم إلى مباحات مباركه من ذات السطات الدينية.
تقرير عاطف محمد
لا تنفك السلطات السعودية تمارس محاولات بالخطاب الديني لإضفاء شرعية على سلطتها وتقويض الأصوات المستقلة التي قد تمارس ضغوطاً على الدولة من أجل الإصلاح السياسي.
وبناء على “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سمحت المملكة بأمور اجتماعية كانت محرمة منذ تأسيس المملكة، ومنها السماح بافتتاح دور السينما، وحفلات الغناء العلنية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، في حين استعانت بالمؤسسة الدينية لإصدار فتاوى جديدة تناقض مواقفها التقليدية، وتجيز هذه المحرمات الاجتماعية، تماشياً مع ما يريده ابن سلمان.
تتماهى الفتاوى الدينية في المملكة اليوم مع توجهات ابن سلمان، بما لا يجسّد تغييراً صادقاً ومفاجئاً في الآراء، بل يظهر تلاعب الدولة الفاضح بالمؤسسات الدينية، بعد عقود من الفتاوى التي تحرم وتجرم ما تم شرعنته وتحليله اليوم.
ويأخذ صراع ابن سلمان اليوم شكلاً مختلفاً مع المؤسسات الدينية فمعركة الدولة ضد الفتاوى غير الصادرة عن جهات تابعة لها، ليس الهدف منها مكافحة التطرف بقدر ما هو كبح الأصوات الإصلاحية المستقلة التي قد تمارس ضغوطاً على الدولة لتطبيق الإصلاح السياسي وتوسيع مساحة الحريات الفردية.
قد ينجح إحكام الخناق على الخطاب الإسلامي المعتدل والمستقل في إسكات الأصوات الديمقراطية داخل الإسلام في السعودية، لكنه سيولّد أيضاً فراغاً يتقدّم لملئه الخطاب الأقل اعتدالاً الذي أظهرت السلطات تقبّلاً له في ما مضى.
وبحسب مراقبين لخطوات ولي العهد السعودي، فإنه لن يفرط بأي حال من الأحوال بورقة “العاطفة الدينية” التي تملكها المملكة وقد استطاع استخدامها مرات عدة، أبرزها في حرب اليمن حينما قال مفتي السلطة ورئيس “هيئة كبار العلماء” عبدالعزيز آل شيخ، إن “هذه حرب مقدسة تستهدف كسر شوكة الفرس وحفظ الإسلام من شر إيران الرافضية”، كما استخدم ابن سلمان الهيئة مرة أخرى لتبرير الحصار على دولة قطر، وأيضاً أثناء مبايعته لولاية العهد.