تركيا / نبأ – تطرح موافقة البرلمان التركي على المشاركة العملياتية في الحرب ضد داعش في سوريا والعراق علامات استفهام كثيرة حول استراتيجية أنقرة المقبلة في الشرق الأوسط والتي تبدو مناوأة للقيادة السعودية الخليجية للتحالف الدولي عنصرا أساسيا فيها، تضاف إليها رغبة تركيا في استغلال اللحظة التاريخية وفرض وقائع تلائم أهواءها السياسية.
“لا تسقط ورقة شجر في الشرق الأوسط من دون علمنا”، الكلام لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، كلام يجلي بوضوح ما وصل إليه النظام الحاكم في أنقرة من مرحلة زهو واغترار بما لديها من علاقات ومراكز قوة ونفوذ وقدرات إستخبارية وعسكرية وثقل إستراتيجي ووزن سياسي.
تعتقد تركيا أنها قادرة على تسيير الرياح الإقليمية بما تشتهي سفنها. لم يحمل موقفها أي لبس أو غموض أو تعدد أوجه، بوضوح قالها رجب طيب أردوغان: “أولويتنا إسقاط بشار الأسد”.
باختصار، لم تتبدل الأجندة التركية، حيث ما يزال إسقاط النظام السوري عنصرا رئيسا فيها، وتأمل أنقرة إيصاله إلى خواتيمه السعيدة من خلال مشاركتها العملياتية في التحالف الدولي ضد داعش.
جميع ما في المشهد ينذر بلعبة سياسية وإستخبارية لما تتكشف خيوطها بعد، كلام رئيس جهاز الإستخبارات التركية حقان فيدان في آذار الماضي ما زال محفوظا في سجلات التسريبات، حينها قال فيدان: “بإمكاننا إرسال أشخاص للقيام بعمل إستفزازي ضد ضريح سليمان شاه ثم نقول إن داعش هي التي قامت بذلك وبعدها يتدخل الجيش التركي”.
يا للصدف،هذا ما حدث فعلا، قتل حارس الضريح على أيدي من قيل إنهم مسلحو التنظيم وأعلن البرلمان التركي موافقته على السماح لجيش البلاد بالدخول إلى الأراضي السورية والعراقية.
مصالح كثيرة تقف خلف القرار التركي وأحلام وردية تدغدغ ليالي الحاكمين في أنقرة، تغيير التركيبة الديمغرافية في شمالي سوريا، إقامة منطقة عازلة تتحول شيئا فشيئا إلى قطعة معزولة عن الأراضي السورية، إضعاف نظام الرئيس بشار الأسد وزعزعة أساساته الإقتصادية وضرب عوامل صموده وصولا إلى الإطاحة به تلقائياً، وتمكين الجماعات الإسلامية المرتبطة بأنقرة من تسيد حرم السلطة أو تربع مقعد رئيس فيه بالحد الأدنى، هذه هي الغايات الإستراتيجية التي يرميها النظام التركي، وهي غايات تبدو فيها المنافسة مع الحلف السعودي الخليجي بارزة بجلاء.
منذ انطلاق التحالف الدولي ضد تنظيم داعش كان مؤكدا أن تركيا لن ترتضي بالقيادة السعودية الإماراتية للديناميات المستجدة في الشرق الأوسط.
أمسكت أنقرة بالعصا من وسطها حفاظا على مصالحها، ولما بدا لها أن ثمة فرصة لاصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، أقحمت نفسها في قلب المعركة بناء على حسابات خاصة وربما خطط مدبرة.
لم ينس المسؤولون الأتراك أنهم على طرفي نقيض من المملكة السعودية وحلفائها، حديثهم منذ أيام عن إنشاء جامعة إسلامية شبيهة بالأزهر يجلي جزءا من هذا التنافس.
في رؤية أنقرة طموح إلى تزعم العالم الإسلامي من البوابة الإخوانية، طموح تظهر فيه الدوحة عاملا خلفيا مساعدا والرياض عنصرا مزعجا تجب إزاحته، وبناء على هذه الرؤية سيرتسم السلوك التركي حيال سوريا في المرحلة المقبلة.
في كل الأحوال، لا يبدو حتى الآن أن تركيا ستحجم عن المغامرة في الأوحال السورية والعراقية، عبر إرسالها قوات برية إلى سوريا لمحاربة داعش وقوات النظام السوري في أن خيار مطروح بقوة، وهو خيار ما تزال السعودية والدائرون في فلكها مترددين حياله لأسباب متعددة ليس أقلها احتمال تشكل أحلاف مضادة لم تكن في الحسبان. فما الذي ستفعله المملكة إزاء جنون العظمة المتصاعد في أنقرة؟
صحيح أن نجاح الخطة التركية سيحقق للرياض هدفا إستراتيجيا لطالما كانت تصبو إليه، لكنه سيعيد خصومها إلى الواجهة ويصدر منافسها الأصغر ويسلبها حيزا من الزعامة التي تدعيها. ثمة مؤشرات كثيرة تنبئ بمزيد من التعقيدات والتأزم في الشرق الأوسط، وحده تعقل الأحلاف المتنافسة وإحجامهم عن سفك المزيد من دماء الأبرياء يمكن أن يضع قطار الحل على سكته.