السعودية/ نبأ (خاص)- أعلنت المملكة السعودية نجاح خطتها الأمنية والخدمية والصحية لموسم الحج هذا العام، كما أعلنت شروعها في اتخاذ إجراءات تستهدف تحويل المشاعر المقدسة إلى مدن ذكية. إعلانان تتوارى خلفهما مساع جادة لجعل هذه المناسك المشرفة مادة تجارية وإبعادها عن أي دور سياسي أو إجتماعي يمكن أن تضطلع به.
"يسرني أن أعلن نجاح موسم الحج لهذا العام بيسر وسهولة ووفق منظومة متكاملة من الخدمات والتسهيلات"، بهذه الكلمات توجه أمير منطقة مكة مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز إلى الملك معلنا نجاح خطة الحج أمنيا وخدميا وصحيا، إعلان يبدو في مكانه تماما بالإعتماد على معايير البهرجة والمصالح، سارت المناسك وفق ما أُريد لها، لا مخالفات ولا حوادث أمنية ولا شكاوى، جنت المملكة ملايين الدولارات من الموسم وأشبعت بطون زوارها وأمنت المناسك ومنعت خروجها ولو قيد أنملة عن النهج المرسوم لها.
هذا هو النجاح الذي يتفاخر به أمير مكة، تفاخر سرعان ما أرفدته السلطات السعودية بشروعها في اتخاذ إجراءات جديدة تستهدف تحويل المشاعر الطاهرة إلى مدينة ذكية، هكذا ستتحول الأراضي المقدسة إلى مشروع إستثماري ضخم يكلف ملايين الدولارات، كما الحدود الشمالية وقطار الحرمين وغير ذلك من المشاريع ستغزو التقنية الحديثة مكة المكرمة والمدينة المنورة وتربط زوار بيت الله إلكترونيا بالجهات العاملة في الحج… يا لها من نعم لا تعد ولا تحصى، فلينعم المسلمون بها، إلى جانب ما يلقونه من عناية ورعاية لا تتعدى حدود الأجساد ستهطل عليهم بركات المدنية السعودية المتشكلة من فتات الأمم، لكن ماذا عن الجوانب السياسية والإجتماعية والقيمية والفكرية والأخلاقية في هذا التجمع المقدس؟
منذ عشرات العقود تنظر المملكة إلى موسم الحج كموعد سنوي يمكن الإستثمار فيه، بالنسبة إليها ثمة عقار شريف في رؤية المسلمين تحج إليه الوفود من كل حدب وصوب، ولأنه كذلك فلا ضير بل لا بد من استغلال الفرصة السانحة لتحصيل أكبر قدر من الأرباح وتعزيز سيطرة آل سعود تحت ستار: "نحن حراس الكعبة"، ليس الأمر بجديد، لطالما شكلت الأراضي المقدسة مادة تجارية لحكام الجاهلية، وحدها الفاعلية المحمدية تبدو غائبة عن المشهد برمته، على الرغم مما يحمله الحج من قيم سامية. تفقد هذه الشعائر شيئا فشيئا فاعليتها وقدرتها على الإضطلاع بدورها المفروض لها تكوينا وتشريعا.
دور أمعن حكام المملكة في تغييبه وطليه بأصباغ خادعة ليست كسوة الكعبة إلا بعض تجلياتها، عن طريق التحكم بأعداد الوافدين وهوياتهم وإحلال منهج طبقي في تقديم الخدمات لحجاج بيت الله وفرض رؤية فكرية وسياسية موحدة على الحرم الشريف والحيلولة دون أية منتديات نخبوية أو شعبية يمكنها تلقيح المسلمين بالدراية والنباهة وتوحيد صفوفهم في مواجهة أعدائهم وشحن قضاياهم بالزخم المعنوي وتفريغ نفوسهم من النعرات، عن طريق ذلك كله تُنصب الحواجز بين الحج وبين فلسفته، حواجز يبدو أنها لن تتحطم قبل تخلي آل سعود عن اعتقادهم المتقادم بأن أرض الحرمين ملكهم الحصري الذي يتسمون باسمه ويتجلببون بقداسته ويصدرون أنفسهم إلى العالم تحت رايته.