السعودية / التقرير – بعد أحداث سبتمبر، ظهرت موجة كتابات صحافية غربية تشير إلى العلاقة الوثيقة بين السعودية وخاطفي الطائرات التي قصفت مبنى التجارة العالمي ومبنى البنتاغون. انطلاقًا من عدة وقائع، أبرزها أن 15 من 19 متورطًا في أحداث سبتمبر سعوديون. كما أن متبني العملية، أسامة بن لادن، سعودي الجنسية السعودية (أُسقطت عنه سنة 1994م).
الأمر الأهم، أن المخابرات السعودية كانت من ضمن المنسقين مع المجاهدين الأفغان إبان الاحتلال السوفييتي؛ مما يجعلها بشكل أو بآخر شاهدًا على ميلاد التنظيمات الجهادية التي نشطت بعد هذه الحقبة.
الاتهامات الموجهة إلى السعودية لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ تم اعتبار الثقافة الدينية التي يعتنقها السعوديون محرضًا على التطرف. لكن هذه الأصوات بدأت بالخفوت بعد تفجيرات الرياض 2003م؛ إذ بدت المملكة ضحية “للإرهاب”.
اليوم بعد تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، عاد عدد من الصحافيين الغربيين إلى الحديث عن العلاقة بين التنظيمات الجهادية السنية والسعودية، من خلال التأكيد على أن الوهابية هي الجذر الفكري لـ”داعش”.
في هذا الإطار، أشار باتريك كوكبرن، في مقالة له نشرت في صحيفة الإندبندنت في 13 جولاي المنصرم، إلى أن السعودية تدعم المتطرفين السنة في سوريا والعراق لمواجهة الميلشيات الشيعية الممولة من قبل إيران.
يعزو كوكبرن دعم “داعش” إلى الأيديولوجيا الوهابية التي تتبناها السعودية، والتي يعتبر تمددها في الوسط السني لا يقل خطرًا عن مخاطر “داعش” العسكرية.
في ذات السياق، وفي مقالة نشرت في النيويورك تايمز، في 22 أغسطس، بعنوان/ “على السعوديين أن يتوقفوا عن تصدير التطرف”، كتب أيد حسين أن السعودية هي الراعي الرسمي لجميع حركات التطرف السني السلفي في العالم كالقاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها.
يميز حسين بين السنة والسلفيين؛ إذ يرى أن أهم الاختلافات بين السلفيين والسنة هو تبشير السلفيون بإسلام نقي يرغمون بقية المسلمين على اعتناقه. كما يرى الكاتب أن التعاليم السلفية المتطرفة ما زالت تطبق في المملكة.
ويعتبر أن الإعدامات التي تتم عن طريق قطع الرأس في المملكة مثال على هذا التطرف. كما يذكر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو “الشرطة الدينية” كأحد مظاهر التطرف أيضًا. بالإضافة إلى نشر السلفية بين الطلاب من خلال التعليم العام والجامعات؛ كل هذا يجعل إعلان داعش للخلافة مجرد مظهر من مظاهر التطرف السلفي الممارس في السعودية يوميًا.
أشار إيشان ثارور إلى ذات الفكرة (قطع الروؤس) في مقالة بصحيفة الواشنطن بوست نشرت في 11 سبتمبر. يؤكد ثارور، أنه وعلى الرغم من أهمية التعاون السعودي في أي حرب على تنظيم الدولة، إلّا أن السعودية لم تغيّر خطها الأيدولوجي الوهابي المتطرف.
وبحسب ثارور، ممارسة السعودية لأحكام الإعدام في جرائم غير قاتلة، بالإضافة إلى استخدام قطع الرؤس لتنفيذ الإعدامات، تعتبر عملًا وحشيًا ولا إنسانيًا، يجعل ما تقوم به “داعش” في العراق مجرد فرع عن الأصل السعودي.
في ذات الإطار، يكتب بول فالي في 24 أغسطس بصحيفة الإندبندت مقالة يربط فيها بين السعودية وقطر و”داعش”. باعتبار السعودية استخدمت مواردها لتمويل “الحركات الإرهابية” من خلال محاولة نشر “التعاليم “الوهابية”. هذه الجهود تحاول تغيير ملامح الطيف الرئيس من الإسلام السني في المنطقة، واستبداله بالأيديولوجيا الوهابية العنيفة.
بعدها بيومين، يكتب المعلق في موقع السي ان ان ويسلي كلارك مقالة يؤكد فيها أن إعلان “داعش” للخلافة وفرضهم للشريعة مجرد “صدى لتعاليم الوهابية السعودية”.
من ناحيته، وفي مقالة مطولة من جزئين نشرت في هافينغتون بوست في 27 أغسطس، كتب أليستر كروك، وهو عميل سابق في المخابرات البريطانية، عن علاقة الوهابية بداعش، حملت عنوانًا لافتًا: “أنت لا تستطيع أن تفهم داعش ما لم تعرف تاريخ الوهابية في السعودية العربية”.
يرجع أليستر جذور معاداة الشيعة، والتكفير، ومسألة تطبيق الشريعة، ورفض التوسل بالأولياء، والبحث عن نقاء عقدي، إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي استلهمتها من فقه ابن تيمية. وبهذا تكون الوهابية جذر الأيديولوجيا التكفيرية في العالم الإسلامي “السني”، ومنه تستلهم الحركات الجهادية فكرة النقاء العقدي، باعتبار التكفير مفهومًا أساسيًا في الوهابية. التكفير الذي أعطى الوهابيين غطاءً دينيًا لإخضاع منافسيهم تحت سيادتهم، باعتبارهم كفارًا تجب محاربتهم بإعلان الجهاد ضدهم، وبهذا النموذج تم بناء الدولة الحديثة في السعودية.
محاربة الكفار وإخضاعهم تحت سلطة الإمام أو الخليفة، هو ما يجعل داعش والوهابية توأمين لا يمكن فصلهما، بحسب أليستر. بهذا المعنى، يمكن رؤية داعش مجرد حركة تصحيحية متطرفة داخل الوهابية المعاصرة، تحاول أن تتمثل العقيدة الصافية والعودة لجذور الدعوة. لذا يرى أن استباحة الوهابيين سنة 1801م لمدينة كربلاء الشيعية المقدسة، وقتل الرجال والنساء والأطفال، لا يختلف -بحسب الكاتب- عما تفعله داعش اليوم.
بعض هذه الكتابات أظهرت قدرًا كبيرًا من السطحية، مثل مقارنة الإعدامات التي تنفذها الحكومة السعودية بأحكام قضائية وبشكل محدود وتنفذ بشكل غير معلن، باستراتيجية تنظيم الدولة الذي يستخدم قطع الروؤس كأداة إرهاب لمناوئيه. مسألة الإعدامات وطريقة تنفيذها لا يمكن اعتبارها دليلًا على تشابه “داعش” بالوهابية.
في المقابل، فإنّ هناك كتابات -كمقالة أليستر كروك- أظهرت وعيًا متجاوزًا لتاريخ السعودية الحديثة، وعلاقة الوهابية بالتطرف الجهادي السني. لكن هذه الأطروحات تتجاوز عادة عدة معطيات. أبرزها أن ظاهرة العنف السياسي “الإرهاب” ليست ظاهرة ثقافية، بل مرتبطة بشكل رئيس بحياة الناس الاجتماعية والسياسية. وبالتالي، لا يمكن إخراج وضع الدولة الحديثة في العالم العربية من التحليل. مسائل كالعدل السياسي والاقتصادي تحتل أهمية موازية وربما تَفوق التحليل الثقافي الذي يستند إلى ربط العنف بمذهب ديني أو ثقافة أمة. كما إنّ كل هذه التحليلات تجاوزت الاحتلال الأميركي كعامل من عوامل انهيار العراق.
(بدر الراشد)