السعودية/ السفير- طالب رجل الدين المثير للجدل في المنطقة الشرقية الشيخ نمر النمر خلال السنوات الأخيرة بمحاربة المفسدين والظالمين في إشارة لحكام الخليج، ثم راح يطالب بمحاربة العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية والبحرين.
وفي خطبه، خلال العامين الماضيين، قال مرة «من يقتلون أولادنا لا نريدهم، مطلبنا هو إسقاط كل الظلم والاستبداد، مطلبنا أن نختار حكامنا، نطالب بأن يعيش أولادنا في أمن وأمان، أحراراً في عقيدتهم وأحراراً في سياستهم».
كما وصف الشيخ، المعتقل في السجون السعودية منذ تموز العام 2012، في خطبة أخرى توارث الحكم بين الأنظمة العربية بأنه «غير مشروع، فما الذي يعطي آل سعود الشرعية لتوارث الحكم؟ فآل سعود وآل خليفة عملاء وأذيال للبريطانيين وما شابه». وفيما أشار إلى أن المعارضين لهذا الحكم عادة ما يُعتبرون بأنهم ارتكبوا جريمة عظمى ومصيرهم السجن والإعدام، أكد قائلاً «حقنا وحق أهل البحرين والشعوب أن تختار حكامها، ونطالب بإلغاء حكم الوراثة لأنه يخالف الدين».
على مدار السنوات الماضية، كان الشيخ نمر النمر مصدر قلق للسلطات في السعودية، لتحديه السافر للنظام وصراحته في طرح المطالب والانتقادات ووصفها بأوصاف الفساد والكفر والظلم وغيرها، وتعرض في وقت سابق لمساءلات ولتضييق على خطبه وإمامته صلاة الجمعة وغيرها، إلا أن في تموز من العام الماضي كانت نقطة تحول في العلاقة بين الشيخ نمر والسلطات في المملكة، حيث تمت ملاحقته في سيارته وإلقاء القبض عليه بعد إصابته في فخذه برصاص الشرطة.
المتحدث باسم الحكومة في ذلك الوقت أعلن اعتقال «أحد مثيري الفتنة»، كما وصفه، في بلدة العوامية والمدعو نمر باقر النمر، مشيراً إلى أن «النمر ومن معه حاولوا مقاومة رجال الأمن، وقد بادر بإطلاق النار والاصطدام بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، وتم التعامل معه بما يقتضيه الموقف والرد عليه بالمثل، والقبض عليه بعد إصابته في فخذه، حيث تم نقله إلى المستشفى لعلاجه واستكمال الإجراءات النظامية بحقه».
ما سبق ينفيه شقيقه الأصغر محمد باقر النمر، ويقول في حديثه إلى «السفير»، إن «تبادل إطلاق النار الذي تحدثت عنه وزارة الداخلية السعودية هو كذب لا يليق بمقام الوزارة، التي كان ينبغي لها ألا تعلن مثل هذه الأقاويل. وهي في موقع ومكان ومسؤولية يستوجب منها الحيادية والإنصاف، فالشيخ نمر كان لوحده في السيارة، كما أن الجميع يعرف عن الشيخ النمر عدم حمله للسلاح وعدم استخدامه له، وهو من دعاة السلم وعدم العنف، لهذا لا تتوافق رواية وزارة الداخلية مع الواقع».
أما عن كونه مطلوبا، فقال محمد النمر «الشيخ نمر مطلوب بعد أحداث البقيع في المدينة المنورة في العام 2009، ولكنه لم يتجاوب مع الأجهزة الأمنية لأنه يرى بأنه ليس لديهم الحق في ذلك، ولكنه كان تحت المراقبة الشديدة وتمت مضايقته ومنع الخدمات عنه وعن أهله، وتم اعتقاله بطريقة لا تليق بوزارة الداخلية التي يقع تحت مسؤوليتها، الأولى أن تهتم بالأمن وحفظ الأمن واستتبابه وليس الإثارة كما في طريقة اعتقاله».
ويشرح النمر «تلقيت خبر اعتقال الشيخ وأنا في مكتبي، فتوجهت لمكان الحادث لأرى بقعة دم على الأرض والسيارة مصطدمة بالحائط، وتخلو السيارة من الداخل من أي دماء وهذا دليل على أن إصابته تمت بعد الاعتقال وبعد سحبه خارج السيارة، كما أنه اصطدم بالحائط لمضايقة الدورية له ولم يصطدم بأي سيارة من سياراتهم».
«كنا متوقعين أن يتم اعتقاله في أي وقت، فهو شديد اللهجة في ما يتعلق بالسلطة في المملكة العربية السعودية، وهو أمر تعودنا بأن السلطة هنا لا تتقبله»، بحسب محمد النمر.
وعن وضع الشيخ نمر في الوقت الحالي، قال «هو في سجن مستشفى قوى الأمن في الرياض حاليا، وضعه الصحي مستقر نسبيا، بعد إخراج ثلاث رصاصات من أصل أربع أصابته في فخذه خلال الاعتقال وهو لا يستطيع الحركة، مضى على اعتقاله أكثر من 6 أشهر، ولا توجد لدينا صورة واضحة حول وضعه القانوني. لم توجه له تهم ولم تُبلغ عائلته بالتهم، ولم تتم إحالته إلى محكمة أيا كانت تكون، ووجهت له اتهامات من قِبل المدعي العام خلال التحقيق فقط، وليس هناك أي إجراء عملي تنفيذي ضده. أما بالنسبة لحالته النفسية فهي جيدة لأنه كان دائما مؤمنا بالمسلك الذي يتبعه ومدرك جيدا لما سيقع عليه، وقد هيأ نفسه للاعتقال منذ زمن بعيد».
وعن التهم الذي وُجهت له أثناء التحقيق، فهي «تهم بناء على نشاطه السياسي، كتهمة التحريض على التظاهرات وشتم ولاة الأمر، والدعوة للانفصال وتهمة المطالبة بحقوق الأهالي بدءا من الإصلاحات في المحكمة الجعفرية وإطلاق سراح المعتقلين»، وفقاً لمحمد النمر الذي يوضح «كانت دعوة الشيخ النمر لانفصال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية كردة فعل على أحداث البقيع 2009، فقد طالب بمعالجة الموضوع ولكن لم يتم معالجته معالجة جذرية، فأثار ذلك هيجانا في المنطقة الشرقية، ورغم أن الشيخ نمر حاول عدة مرات توجيه رسائل لمعالجة المشكلة، إلا أن السلطات لم تستجب لذلك. وفي إحدى خطبه دعا للانفصال، بحيث يكون مشروطا، (إذا حالت كرامتنا والانفصال، فنحن مع الانفصال من أجل المحافظة على الكرامة)، علما بأن الشيخ نمر كشخص والمدرسة الدينية التي ينتمي لها هي مدرسة أبعد ما تكون على الانفصال، فهو من مدرسة تدعو لوحدة الأمة الإسلامية وليس للانفصال والتشرذم، وثقافته وشخصيته وأطروحاته كلها تأتي في هذا الاتجاه».
وعن الاتهامات التي وُجهت له بشأن تحريضه على العنف والطائفية، كان جواب محمد النمر «بكل تأكيد الشيخ نمر ليس داعية عنف بل هو من الأشخاص الذين نبذوا العنف واستنكروه وهو جهرا وسرا يدعو إلى عدم استخدام السلاح والعنف، ولا يوجد أي دليل قطعا أنه مارس ودعا للعنف بل توجد أدلة كثيرة خلاف ذلك. ولكن اللبس هنا بأن السلطات في المملكة العربية السعودية تعتبر الخروج في تظاهرات سلمية عنف وإرهاب، لذا فهو متهم بالعنف والدعوة له»، ويضيف «أما اتهامه بالطائفية، فهو أمر عار عن الصحة، وتحتاج مثل هذه الاتهامات إلى دليل».
يُقال إن الشيخ نمر هو مُحرّك الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في المنطقة الشرقية في السعودية منذ ما يقارب العامين، عن ذلك يقول محمد النمر «إذا كان الأمر كذلك فيبنغي على أي جهة في المملكة العربية السعودية والعالم، أن تحترم هكذا شخص يستطيع أن يحرك عشرات الآلاف من الناس، ويضع لهم بوصلة ويوجههم»، ويواصل «للشيخ النمر تأثير ولكن الحقيقة أن هناك واقعا مؤلما ومشاكل حقــيقية في المنطــقة والبلد طائفية، سياسية، حقوقية، واقتصادية، هي التي أدت إلى هذا الحراك ورفـــع المـطالب، وهو أمر ينبغي معالجته والالتفات له، بدلا من جعل الشيخ نمر شماعة للإخفاقات».
ووصف محمد النمر مطالب الحركة الاحتجاجية في المنطقة الشرقية بأنها «وطنية وتطالب بالإصلاح الوطني، وما يحدث في المنطقة لهو جزء أساسي من الحركة المطلبية الإصلاحية في المملكة، فهناك حراك في مناطق أخرى في المملكة لم يأخذ مداه بعد، وتتركز هذه المطالب على مكافحة الفساد الإداري والاقتصادي والمحسوبيات والمطالبة بالحريات وحقوق المرأة وتوزيع عادل للثروات، وهي لا تختلف عن المطالب التي رفعها المحتجون في كل أنحاء الوطن العربي».
وفي النهاية، طالب محمد النمر السلطة في السعودية بالإفراج عن شقيقه الشيخ نمر، وإعطائه فرصة للتحرك بشكل طبيعي في ما يتعلق بسفره وإقامته لصلاة الجمعة والجماعة وإلقائه للخطب التي منع عنها، كما طالب بالإفراج عن جميع المعتقلين في المملكة العربية السعودية ابتداءً بالمنسيين في الشرقية وكل المعتقلين في جدة والقصيم والإحساء، متمنيا أن تأتي اللحظة التي تخلو فيها السجون من سجناء الرأي في السعودية.