إغلاق حقل الخفجي السعودي ـ الكويتي: «أسباب بيئية».. أم أزمة علاقات؟

السعودية / السفير – أحدث قرار السعودية إغلاق حقل الخفجي المشترك مع الكويت، صدمة في الإمارة النفطية في ظل تقديرات بخسائر سنوية تتجاوز الأربعة مليارات دولار، وحديث إعلامي عن أزمة في العلاقات الثنائية كنتيجة للإجراء السعودي. وأثار الغموض الناتج عن الصمت الرسمي من قبل الجانبين الكويتي والسعودي بشأن إقفال الحقل النفطي تساؤلات كثيرة، كما فجّر حملة إعلامية ضد الخطوة السعودية الأحادية الجانب، في حين أكدت مصادر نفطية أن للقرار السعودي خلفيات محض «بيئية»، وهو تفسير بدا متعارضاً مع عناوين صحافية من قبيل «أول أزمة بهذا الحجم بين البلدين منذ الاتفاق على تقاسم الإنتاج في العام 1966».

مبررات بيئية؟


وبحسب ما نشرت مواقع خليجية، فإنّ قرار اقفال الحقل النفطي الذي بدأ تنفيذه يوم الخميس الماضي، قد جاء تطبيقاً لخطاب وجّهه المدير العام لفرع وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية في المنطقة الشرقية إلى رئيس شركة «أرامكو لأعمال الخليج ـ الخفجي».

وجاء في الخطاب: «إشارة الى خطابكم العاجل بشأن استفساركم عمّا اذا كانت هناك فترة سماح أخرى، أو البدء فوراً بتطبيقكم لمقاييس الحد من انبعاثات الهواء، حسبما ورد في قرار الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة… أود افادتكم بأنه ورد الى الوزارة خطاب معالي الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة… والمتضمن بأنه نظراً الى ما لهذه الغازات من قيمة اقتصادية وكونها ثروة وطنية بدلاً من أن تكون ملوثاً للبيئة، فإنّ الرئاسة تؤكد على (ضرورة) أن تبدأ الجهات التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية بالتطبيق الفوري لوقف حرق هذه الغازات والاستفادة منها… لذا نأمل منكم اتخاذ الاجراءات اللازمة على أن يتم تزويدنا بتقرير عمّا تم بشأن التطبيق».

وكان بيان صادر عن شركة «عمليات الخفجي» افاد بأن الشركة المشتركة اتخذت قراراً بإيقاف عمليات الانتاج من حقل الخفجي ابتداء من الخميس الماضي لأسباب بيئية.

وأشار رئيس مجلس ادارة «عمليات الخفجي» عبد الله الهلال إلى ان الحقل سيعود للتشغيل متى استوفى الشروط البيئية للرئاسة العامة للأرصاد والبيئة، داعياً العاملين في الحقل إلى ضرورة اتخاذ كافة تدابير السلامة عند إغلاق مرافق الزيت لضمان عودة الحقل للإنتاج مستقبلاً.

ويقع حقل الخفجي في المنطقة المقسومة المحايدة بين السعودية والكويت. وبحسب صحيفة «الرياض» فإن المنطقة المحايدة تنتج ثلاثة أنواع من النفط الخام هي «خام الخفجي» الذي يجري إنتاجه من الحقول البحرية التي تديرها شركة «عمليات الخفجي» المشتركة، وهي شركة مملوكة مناصفة بين شركة «أرامكو لأعمال الخليج» السعودية و«شركة نفط الخليج» الكويتية، أما النوعان الآخران فهما «خام الوفرة» و«خام الايوسين»، اللذان يجري إنتاجهما من الحقول البرية المشتركة بين الدولتين، والتي تديرها شركة «شيفرون» السعودية بعقد امتياز مدته 30 عاماً.

صمت رسمي.. واتهام لـ«حزب الله»!


وفيما ذكرت وسائل اعلام خليجية ان الكويت سترسل وفداً الى السعودية للبحث في سبل حل مشكلة بئر الخفجي، فإن السلطات الرسمية في البلدين لم تصدر اي توضيح رسمي حول ما جرى، برغم الضجة الاعلامية، التي تحولت الى تراشق على مواقع التواصل الاجتماعي، وصل الى حد ان كتب النائب الإسلامي الكويتي السابق وليد الطبطبائي، في تغريدة عبر موقع «تويتر»، ان «أطرافا صحافية في الكويت لها علاقة بحزب الله اللبناني تحاول تضخيم الإشكال النفطي بالخفجي وتروج إلى وجود خلاف سياسي مع السعودية»!

وقالت مصادر كويتية لصحيفة «القبس» إنه نظراً إلى الاختلاف في تفسير الرسالة الأخيرة من وزارة البترول السعودية والتوجيهات الجديدة من رئاسة الارصاد الجوية وحماية البيئة، طلب الجانب الكويتي رفع الأمر إلى اللجنة التنفيذية لحسم الموضوع، مشيرة الى ان قرار رئيس شركة «عمليات الخفجي» بإيقاف الانتاج يخالف الاتفاقية المبرمة بين البلدين، وأنه من المؤسف السكوت على هذا التصرف الذي سيكبد الكويت خسائر كبيرة.

نار تحت الآبار


ويركّز التفسير السعودي للخطوة على البعد البيئي، ومفاده ان اغلاق حقل الخفجي، الواقع في المنطقة البحرية بين السعودية والكويت والذي تعود ملكيته مناصفة الى شركتي «ارامكو» السعودية و«نفط الخليج» الكويتية، قد جاء بسبب عدم الالتزام الفوري بتطبيق الاشتراطات البيئية، مع تأكيد بأن عمليات الانتاج في الحقل ستستأنف عند استيفاء الشروط البيئية المحددة من قبل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.

لكن يبدو ان التفسير السعودي لم يقنع الجانب الكويتي. وبحسب ما نقلت صحيفة «القبس» الكويتية عن مصادر محلية فإن «المبرر البيئي الذي قدمته السعودية غير كاف، لأن هناك اتفاقاً بفترة سماح خمس سنوات لوقف حرق الغاز الناتج عن العمليات الانتاجية المشتركة اعتباراً من آذار العام 2014، وبالتالي فإن عمليات الانتاج في الخفجي كان يفترض ان تستمر وتعمل حتى العام 2019 للالتزام بالشروط البيئية الجديدة»، مشيرة إلى ان «الجانب السعودي ارتأى غير ذلك بقرار احادي تسعى الكويت الآن الى معالجة سلبياته».

ويبدو ان للمسألة ابعاداً اخرى، اذ اشارت مصادر كويتية لـ«القبس» إلى ان الامر قد يكون مرتبطاً بالاتفاق الذي وقعته الكويت والسعودية وشركة «شيفرون تكساكو» في العام 1959، ويتم بموجبه تصدير نفط العمليات المشتركة في الوفرة عن طريق ميناء الزور لمدة 60 سنة. وبالنظر الى انتهاء فترة الاتفاق في العام 2009، فإنّ الكويت تعمل على اقامة مصفاة في هذه المنطقة، وقد أنذرت الجانب السعودي بإيقاف التصدير من الزور، فجاء الرد بإيقاف العمليات الانتاجية المشتركة.

وبحسب ما قال احد المصادر لـ«القبس» فإن الجانب السعودي قام بتجديد العقد مع شركة «شيفرون» لمدة 30 سنة من دون الرجوع إلى الجانب الكويتي، وذلك لاعتقاد السعوديين بأن الكويت لن تعارض التصدير من الزور، لكن الجانب الكويتي اعتبر أن التجديد يشمل عمليات الوفرة وليس التصدير من الزور، وعلى هذا الأساس تم الطلب من الجانب السعودي إخلاء منطقة الزور لانتهاء العقد وليتسنى للكويت بناء مشروع المصفاة الرابعة في هذه المنطقة.

وأضاف المصدر انه قبل شهر تقريباً جرى قطع الكهرباء عن الجانب السعودي في الزور، وتم إيقاف تجديد اقامات العاملين هناك لإجبارهم على إخلاء المنطقة، وقد جرت اتصالات على مستوى وزارة الخارجية بين البلدين لإمكانية تمديد العقد واستمرار التصدير من الزور، ولكن الجانب الكويتي رفض طلب التمديد، وعلى اثر هذا الرفض قام الجانب السعودي بإيقاف عمليات الكويت في الخفجي.

ونشرت مواقع الكترونية كويتية نص «خطاب سرّي» وجّهه الرئيس التنفيذي لشركة «شيفرون العربية السعودية» أحمد العمر إلى وزارة النفط الكويتية بشأن إيقاف ملف الشركة لدى وزارة العمل، ما أدى إلى حرمان الشركة من تجديد تصاريح العمل وبطاقات الأحوال الشخصية المدنية لدى وزارة الداخلية الكويتية. وتحدث العمر في خطابه عن «مدى تأثر الشركة سلباً في عمليات صيانة الآبار بالعمليات المشتركة، إذ تم وقف العمل في حفار صيانة الآبار رقم 126، نتيجة عدم إمكان الشركة تجديد رخص العمالة المختصة التي تعمل على هذا الحفار».

وفي سياق ملابسات الخطوة السعودية، اشارت مصادر اخرى الى ان من بين الأسباب الأخرى التي تقف وراء وقف الإنتاج في منطقة الخفجي هو مسألة هجرة النفط من حقل السفانية، الذي يعد اكبر حقل بحري في العالم، الى منطقة الخفجي، موضحاً أنه كلما يتم إيقاف الإنتاج بالخفجي تتوقف هجرة النفط من حقل السفانية، وهو ما اكدته شبكة «بلومبرغ» في تقرير حول الخلاف السعودي ـ الكويتي.

يضاف الى ذلك وجود قضايا كثيرة عالقة بين الكويت والسعودية في إدارة عمليات النفط والغاز في المنطقة المحايدة، وخصوصاً في حقل الدرة (60 تريليون قدم مكعب من الغاز)، الذي تعطل تطويره بسبب عدم الاتفاق حول مكان بناء مركز معالجة وتجميع الغاز.

خسائر.. ومكاسب


وبصرف النظر عن الخلاف حول الأسباب التي ادت الى اقفال حقل الخفجي، الذي يقدر انتاجه بما بين 270 و300 الف برميل يومياً، فإن هذا الاجراء يؤدي الى تراجع انتاج الكويت 135 ألف برميل يومياً، بقيمة اربعة مليارات دولار سنوياً، ما سيشكل ضغطاً اضافياً على الايرادات النفطية المتأثرة الان بهبوط اسعار النفط بنحو 25 في المئة من أعلى ذروتها قبل عدة اشهر.

وتضخ السعودية، اكبر مصدّر للنفط في العالم، نحو 9.6 ملايين برميل نفط يومياً، ولديها قدرة اضافية تقدر بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً. اما الكويت، فتزيد قدرتها الانتاجية عن 3.2 ملايين برميل يوميا، وتضخ حوالي ثلاثة ملايين برميل يومياً.

ويأتي وقف الانتاج من الحقل في هذه الظروف التي تعاني منها السعودية والاعضاء الاخرون في منظمة «اوبك» من تزايد الضغوط الداعية الى كبح جماح الانتاج لوقف نزيف الاسعار، وفي وقت يستمر فيه تدفق النفط الى الاسواق العالمية من الولايات المتحدة ومنتجين آخرين، ويتزامن ذلك مع تراجع الطلب على النفط، ما جعل الاسواق النفطية الآسيوية تفيض بالنفط في ظل تراجع واردات الولايات المتحدة من الخام.

ونقلت «بلومبرغ» عن رئيس شركة «ليبو اويل اسوشييتس» اندي ليبو قوله إن «اغلاق الحقل يأتي في وقت موفق ومناسب تماما بالنسبة للكويت والسعودية في ضوء ما نشهده من تخمة نفطية في الأسواق العالمية»، مضيفا ان «توقف الانتاج من حقل الخفجي يحقق اكثر من فائدة للبلدين حيث ان بيع النفط في الوقت الحاضر يدر عائدات اقل مما يدره النفط الخفيف لكلا البلدين».

يذكر ان الشركة المشتركة بين الكويت والسعودية تدير المنطقة المقسومة المحايدة، التي تقول تقديرات الحكومة الأميركية ان طاقتها الانتاجية تبلغ 600 الف برميل يوميا.

وتبلغ حصة الكويت من المنطقة المقسومة نحو 285 ألف برميل يومياً، وهي مقسمة على منطقتين، الأولى منطقة الخفجي وهي بإدارة شركة «نفط الخليج» وشركة «أرامكو»، وتبلغ حصة الكويت منها 135 ألف برميل تقريبا، فيما تبلغ حصة الكويت من منطقة الوفرة التي تديرها «نفط الخليج» و«شيفرون العربية السعودية» حوالي 110 آلاف برميل يوميا.

الحديث عن خلافات سعودية ـ كويتية بشأن الحقول المشتركة قد يكون التفسير المنطقي لاغلاق حقل الخفجي، لكن يبدو ان للرياض مبرراتها الخاصة للاقدام على هذه الخطوة، بعيداً عن حرصها على حماية البيئة، وهو ما عكسه تصريح رئيس شركة «ستيلووتر اسوشييت» الاستشارية الاميركية ديفيت هاكيت لـ«بلومبرغ» بأن «الامر بيد السعودية فهي التي تمسك زمام صمامات الانتاج والضخ، ويبدو ان السعوديين عازمون هذه المرة على ضغط الانتاج الى حد ما».

* وسام متّى